السؤال: هل يعقل أن يختار الله لصحبة نبيّه رجالاً يعرف أنّهم سيرتدّون فيما بعد؟ أم أنّ الله لا يعلم الغيب ؟ سبحان الله عمّا يصفون ، يهديكم الله ، ويصلح بالكم .
الجواب : هذه الملازمات ليست شرعية ، ولا لازمة لأحد ، ولا حجّة على أحد ، ولا دليل عليها ، فمن قال إنَّ الله تعالى اختار للأنبياء أصحابهم ؟ الذي أرسل الرسل أصلاً لإصلاحهم ، لأنّهم في وضع سيء جدّاً ، يستوجب إنذارهم وإبلاغهم رسالة الله تعالى وأحكامه ، فقد يكون العصر الذي يُبعث فيه الأنبياء الذروة في الانحطاط والضلال والظلام .
ثمّ إنّ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان كثيراً ما يحذّر ويقول : " لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم " (1) ، وكان أيضاً يحذّر الصحابة ويخبرهم برجال يرتدّون من بعده ، ويُطردَون عن الحوض ، كما روى البخاري وغيره عن أبي هريرة قال : " بينا أنا قائم فإذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلّم ، فقلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك ... " (2) .
وفي حديث أنس : " ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض ، حتّى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ... " (3) .
وفي حديث سهل : " وليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثمّ يحال بيني وبينهم " (4) .
وفي حديث أبي هريرة : " ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم ألا هلّم، فيقال: إنّهم قد أحدثوا بعدك، وأقول : سحقاً سحقاً " (5) .
وفي رواية أبي سعيد الخدري : " فأقول : إنّهم منّي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي " (6) ، وزاد في رواية عطاء ابن يسار : " فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم " (7) .
وفي حديث أبي بكرة : " ليردن عليَّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولنّ : ربّ أصحابي أصحابي ! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك " (8) ، وقال عن هذا الحديث ابن حجر : " وسنده حسن " (9) ، وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه ، وزاد : فقلت : يا رسول الله ادع الله أن لا يجعلني منهم ، قال : " لست منهم " ، وقال ابن حجر : " وسنده حسن " (10) .
وفي البخاري : " فأقول كما قال العبد الصالح : { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (11) .
ونقول : مع هذه الأحاديث الكثيرة التي تصادم ما تقولون به نذكر آية واحدة وهي قوله تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } (12) .
فهل قولنا موافق لقول الله والرسول (صلى الله عليه وآله)؟ أم إطلاقكم العدالة هو الموافق ؟
____________
1- مسند أحمد 2 / 511 و 5 / 218 و 340 ، صحيح البخاري 8 / 151 ، المستدرك على الصحيحين 4 / 455 ، معجم الزوائد 7 / 261 ، مسند أبي داود : 289 ، المصنّف للصنعاني 11 / 369 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 634 ، المعجم الكبير 3 / 244 ، شرح نهج البلاغة 9 / 286 ، الجامع الصغير 2 / 401 ، كنز العمّال 8 / 94 و 11 / 133 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 364 ، الدرّ المنثور 6 / 56 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 441 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 314 ، وغيرها من المصادر .
2- صحيح البخاري 7 / 208 ، فتح الباري 11 / 333 ، كنز العمّال 11 / 132 .
3- صحيح البخاري 7 / 207 ، فتح الباري 11 / 333 .
4- مسند أحمد 5 / 333 ، صحيح البخاري 7 / 207 و 8 / 87 ، فتح الباري 11 / 333 ، المعجم الكبير 6 / 143 و 156 و 171 و 200 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 168 .
5- السنن الكبرى للبيهقي 4 / 78 ، فتح الباري 11 / 333 ، صحيح ابن خزيمة 1 / 7 ، كنز العمّال 15 / 647 .
6- صحيح البخاري 7 / 208 ، فتح الباري 11 / 333 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 168 .
7- فتح الباري 11 / 333 .
8- مسند أحمد 5 / 48 ، فتح الباري 11 / 333 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 415 ، كنز العمّال 13 / 239 ، تاريخ مدينة دمشق 36 / 8 .
9- فتح الباري 11 / 333 .
10- نفس المصدر السابق .
11- صحيح البخاري 4 / 110 ، والآية في سورة المائدة : 117 ــ 118 .
12- آل عمران : 144 .
( علي . فرنسا . سنّي . 28 سنة . طالب ) حصل لكثير من الصحابة للنصوص
- الزيارات: 409