• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المبحث الثالث إسهامات علمية اُخرى

١ ـ في تفسير القرآن :
يعدّ حديث أهل البيت عليهم‌السلام من أهم مصادر تفسير آيات الكتاب الكريم ، وبيان أبعاد معانيه ، وتصاريف أغراضه ومراميه ، وقد أثبتت الدلائل والوقائع أنهم عليهم‌السلام الأقدر على تفسير الكتاب وإدراك مضامينه وفهم دقائقه ، لأن القرآن نزل في بيوتهم ، ولأنهم الذين قرن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينهم وبين الكتاب ، وذكر أنهما لن يفترقا حتَّى يردا عليه الحوض ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « والله ما نزلت آية إلاَّ وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إنَّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ، ولساناً طلقاً سؤولاً » (1).
ومن تتبع التفسير الأثري الوارد عن أهل البيت عليهم‌السلام يجد أن هناك خطوطاً
أساسية رسموها لفهم القرآن الكريم ، يمكن أن نصطلح عليها منهج أهل البيت عليهم‌السلام في التفسير ، وهي تتمثل في تفسير القرآن بالقرآن ، وقولهم بسلامة الكتاب الكريم من التحريف ، وأنه الذي بأيدي المسلمين ما بين الدفتين ، وتفسير الآيات على ضوء القول بتنزيه الخالق عن التجسيم والوصف والرؤية ، وتنزيه الأنبياء عن المعاصي وغيرها من عقائد الإسلام الأصيل.
وقد تركوا عليهم‌السلام تراثاً ضخماً من الروايات والأخبار التي تدخل في باب التفسير ، جمعها السيد هاشم البحراني المتوفى سنة ( ١١٠٧ ه‍ ) في كتابه ( البرهان في تفسير القرآن ) ، والشيخ عبد علي بن جمعة العروسي المتوفى سنة ( ١١١٢ ه‍ ) في تفسيره ( نور الثقلين ) ، فضلاً عن تفاسير الأثر المتقدمة الواصلة إلينا مثل تفسير فرات الكوفي ، والعياشي ، وعلي بن إبراهيم القمي ، وجميعها تقتصر على حديثهم الوارد في هذا الشأن.
وللإمام الكاظم عليه‌السلام نصيب وافر من هذا الكم التفسيري الهائل الوارد في التفاسير الأثرية ، أما تفسيره المبثوث في مصادر الحديث ، فقد راجعنا معجم تفسير أهل البيت عليهم‌السلام (2) الذي أُعدّ بعد تتبّع (١٧٧) مصدراً من مصادر الرواية الأوّلية من كتب الفريقين ، عدا مصادر التفسير ، فوجدنا فيه (٦٨٨) مورداً منقولاً عن الإمام الكاظم عليه‌السلام في تفسير القرآن ، وهو يعكس عظمة جهود الإمام عليه‌السلام ومزيد اهتمامه بتفسيرالكتاب الكريم ، وفيما يلي نماذج من تفسيره عليه‌السلام :
عن سليمان الفراء ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قول الله تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) (3) ، قال : « الصبر : الصوم ، إذا نزلت بالرجل الشدة أو النازلة فليصم ، فإن الله يقول : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) ، الصبر : الصوم » (4).
وعن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قوله تعالى : ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ) (5) ، قال عليه‌السلام : « هو التضييع » (6).
وعن الحسن بن راشد ، قال : «سئل أبو الحسن موسى عليه‌السلام عن معنى قول الله تعالى : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) (7) ، فقال : استولى على ما دقّ وجلّ » (8).
وفي قوله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (9) ، قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : « إن الله عزّ وجلّ لما فتح على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فدك وما والاها ، لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) فلم يدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هم ، فراجع في ذلك جبرئيل عليه‌السلام ، فسأل الله عزّ وجلّ عن ذلك ، فأوحى الله إليه : أن ادفع فدك إلى فاطمة. فدعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها : يا فاطمة ، إن الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدك. فقالت : قد قبلت يا رسول الله ، من الله ومنك ، فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها ، فأتته فسألته أن يردها عليها ، فقال لها : ائتيني بأسود أو أحمر ليشهد لك بذلك. فجاءت بأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام وأم أيمن ، فشهدوا لها بذلك ، فكتب بترك التعرض ، فخرجت بالكتاب معها فلقيها عمر ، فقال لها : ما هذا معك يا بنت محمد ؟ قالت : كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. فقال لها : أرينيه ، فأبت ، فانتزعه من يدها » (10).
وعن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) (11) ، قال : « ما كان من الإيمان المستقر فمستقر إلى يوم القيامة ، وما كان مستودعاً سلبه الله قبل الممات » (12).
وعن أبي إسحاق المدائني ، قال : « كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل فقال له : جعلت فداك ، إن الله يقول : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الاْءَرْضِ فَسَادا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الاْءَرْضِ ) (13) ... فأي شيء الذي إذا فعله استحق واحدة من هذه الأربع ؟ فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : أربع ، فخذ أربعاً بأربع ، إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً فقَتل قُتل ، فإن قَتل وأخذ المال قُتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتُل قُطعت يده ورجله من خلاف ، وإن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً ولم يأخذ المال نفي من الأرض. فقال له الرجل : جعلت فداك ، وما حدّ نفيه ؟ قال : يُنفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى غيره ، ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر أن ينادى عليه بأنه منفي ، فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تناكحوه ، فإذا خرج من ذلك المصر إلى غيره ، كتب إليهم بمثل ذلك ، فيفعل به ذلك سنة ، فإنه سيتوب من السنة وهو صاغر... » (14).
٢ ـ قصار الحكم :
ورد عن الإمام الكاظم عليه‌السلام المزيد من قصار الحكم ، وهي تتسم بجزالة اللفظ ومتانة الأسلوب وعمق المحتوى ، وتختزن مضامين اجتماعية وأخلاقية وتربوية راقية ، تدعو إلى تقويم السلوك وتهذيب النفوس وتحصينها ، وتنمية نوازعها الخيّرة ، لتصل إلى السعادة المبتغاة ، وفي ما يلي مختار منها :
قال عليه‌السلام : « ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل خيراً استزاد الله منه ، وحمد الله عليه ، وإن عمل شراً استغفر الله وتاب إليه ».
« أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج ».
« مثل المؤمن كمثل كفّتي الميزان ، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ، ليلقى الله عزّ وجلّ ولا خطيئة له ».
« المؤمن أخو المؤمن لاُمه وأبيه وإن لم يلده أبوه ، ملعون من اتهم أخاه ، ملعون من لم ينصح لأخيه ، ملعون من استأثر على أخيه ، ملعون من احتجب عن أخيه ، ملعون من اغتاب أخاه ».
« من لك بأخيك كله ، لا تستقصِ عليه فتبقى بلا أخ ».
« إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه وآخرته ، ولا تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ، ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس ، وإن كان أقرب إليه منك ، وعده في مرضه ».
« ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظل إلاّ ظله : رجل زوج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سراً ».
المؤمن أعز من الجبل ، الجبل يستقل بالمعاول ، والمؤمن لا يستقل دينه بشيء ».
« نعم المال النخل ، الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل ».
« المغبون من غبن من عمره ساعة ».
« لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر ، فإنه من حدث نفسه بالفقر يبخل ، ومن حدثها بطول العمر يحرص ، أداء الإمانة والصدق يجلبان الرزق ، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق ».
« لكل شيء زكاة ، وزكاة الجسد صيام النوافل ».
« لا عزّ إلاّ لمن تذلّل لله ، ولا رفعة إلاّ لمن تواضع لله ، ولا أمن إلاّ لمن خاف الله ، ولا ربح إلاّ لمن باع الله نفسه ».
« وجدت علم الناس في أربع : أولها أن تعرف ربك ، والثانية أن تعرف ما صنع بك ، والثالثة أن تعرف ما أراد بك ، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من ذنبك ».
« اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجاة الله ، وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم ».
« من لم يجد للإساءة مضضاً لم يكن للإحسان عنده موقع ».
« كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان ».
« ما استبّ اثنان إلاّ انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل ».
« من أبطرته النعمة وقّره زوالها ».
« من ولده الفقر أبطره الغنى ».
« من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذر وأسرف زالت عنه النعمة ».
« المعروف تلو المعروف غلّ لا يفكه إلاّ مكافأة أو شكر ».
« التحدث بنعم الله شكر ، وترك ذلك كفر ، فاربطوا نعم ربكم تعالى بالشكر ، وحصنوا أموالكم بالزكاة ».
« من أحزن والديه فقد عقهما ».
« من كثر قلقه لم يعرف بِشره ».
« إياك أن تمنع في طاعة الله فتنفق مثليه في معصية الله ». « يعرف شدة الجور من حكم به عليه ».
« ليس حسن الجوار كف الأذى ، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى ».
« المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان ».
« الله ينزل المعونة على قدر المؤونة ، وينزل الصبر على قدر المصيبة ».
« لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال ».
« التدبير نصف العيش ».
« التودد إلى الناس نصف العقل ».
« العجلة هي الخرق ».
« قلة الوفاء عيب بالمروءة ».
« كفى بالتجارب تأديباً ، وبمر الأيام عظة ، وبأخلاق من عاشرت
معرفة ، وبذكر الموت حاجزاً من الذنوب والمعاصي ».
« العجب كل العجب للمحتمين من الطعام والشراب مخافة الداء أن ينزل بهم ، كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار إذا اشتعلت في أبدانهم ! » (15).
٣ ـ وصايا ومواعظ :
وردت المزيد من الوصايا والمواعظ التي أدلى بها الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام في مناسبات شتى ، وسلّط فيها الضوء على الكثير من المضامين الإسلامية السامية ، ويأتي على رأس تلك الوصايا وصيته لهشام بن الحكم ، وهي وصية مسهبة تشتمل على مواعظ بليغة وحكم رائعة وأقوال جامعة ، وضمنها عليه‌السلام شواهد من آي الكتاب الكريم وحديث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحاديث أمير المؤمنين علي والحسن وعلي بن الحسين عليهم‌السلام ، وشيئاً من حكمة لقمان والمسيح عليه‌السلام ومواعظ الإنجيل.
ومن مضامينها موضوع العقل وكونه حجة في المعرفة ، إذ ان أحد الأدلة المهمة على الربوبية والتوحيد هو التأمّل في الآفاق ، وأداته العقل ، وعدد فيها مكارم الأخلاق مرغّباً فيها ، وبيّن مساوئ الأخلاق مرغباً عنها ، وفيما يلي مختار منها :
قال هشام بن الحكم : « قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : يا هشام ، إن لقمان قال لابنه : تواضع للحق تكن أعقل الناس. يا بني ، إن الدنيا بحر عميق ، قد غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكانها الصبر.
يا هشام ، لكل شيء دليل ، ودليل العاقل التفكر ، ودليل التفكر الصمت ، ولكل شيء مطية ، ومطية العاقل التواضع ، وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه.
يا هشام ، إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره.
يا هشام ، إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة ومطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة ، فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.
يا هشام ، إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلاّ من يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلاّ من عمل بها.
يا هشام ، بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه إذا شاهده ، ويأكله إذا غاب عنه ، إن أعطى حسده ، وإن ابتلى خذله.
إن أسرع الخير ثواباً البر ، وأسرع الشر عقوبة البغي ، وإن شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه ، وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم ، ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه.
يا هشام ، لا يكون الرجل مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً ، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو.
يا هشام ، مثل الدنيا مثل ماء البحر ، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله.
يا هشام ، من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما أوتي عبد علماً فازداد للدنيا حباً إلاّ ازداد من الله بعداً ، وازداد الله عليه غضباً ».
وذكر في آخر الوصية خلق العقل ، ووزيره وهو الخير ، وجنوده وهي مكارم الأخلاق وعددها خمسة وسبعين ، وذكر الجهل ووزيره وهو الشر ، وجنوده وهي المساوئ التي تضادّ وتقابل المكارم ، وعددها خمسة وسبعين أيضاً ، مثل : الإيمان والكفر ، التصديق والتكذيب ، الإخلاص والنفاق ، العدل والجور ، الرضا والسخط ، الشكر والكفران ، اليأس والطمع ، الرأفة والغلظة.
ثم قال بعدها : « يا هشام ، لا تُجمع هذه الخصال إلاّ لنبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، وأما سائر ذلك من المؤمنين فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل ، فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، وفّقنا الله وإياكم لطاعته » (16).
ومن مواعظه ووصاياه الاُخرى :
عن سعد بن أبي خلف ، قال موسى بن جعفر عليهما‌السلام لبعض شيعته : « أي فلان ، اتقِ الله ، وقل الحق وإن كان فيه هلاكك ، فإن فيه نجاتك. أي فلان ، اتق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك ، فإن فيه هلاكك » (17).
وقال لبعض ولده : « يا بني ، إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها ، وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها ، ولا تخرجنّك نفسك عن التقصير في عبادة الله وطاعته ، فإن الله لا يعبد حق عبادته ، وإياك والمزاح فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف مروءتك ، وإياك والضجر والكسل فإنهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة » (18).
ورأى عليه‌السلام رجلين يتسابان ، فقال : « البادئ أظلم ، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم » (19).
وسمع عليه‌السلام رجلاً يتمنى الموت ، فقال له : « هل بينك وبين الله قرابة يحاميك لها ؟ قال : لا. قال : فهل لك حسنات قدّمتها تزيد على سيئاتك ؟ قال : لا. قال : فأنت إذن تتمنى هلاك الأبد » (20).
وعن حفص بن غياث ، قال : سمعت موسى بن جعفر عليهما‌السلام عند قبر وهو يقول : « إن شيئاً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله ، وإن شيئاً هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره » (21).
قال الحسن بن أسد : ذكر عنده بعض الجبابرة فقال عليه‌السلام : « أما والله لئن عزّ بالظلم في الدنيا ليذلنّ بالعدل في الآخرة » (22).
وقال عليه‌السلام للفضل بن يونس : « أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن إمّعة. قلت : وما الإمعة ؟ قال : لا تقل أنا مع الناس ، وأنا كواحد من الناس » (23).
وعن سعيد بن محمد بن مسعدة ، قال : « قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : إن عيال الرجل إسراؤه ، فمن أنعم الله عليه نعمة ، فليوسع على إسرائه ، فإن لم يفعل أوشك أن تزول عنه تلك النعمة » (24).
وعن كليب الصيداوي ، قال : « قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : إذا وعدتم الصبيان ففُوا لهم ، فإنهم يرون أنكم الذين ترزقونهم ، إن الله عزّ وجلّ ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان » (25).
٤ ـ ما نُسب إليه عليه‌السلام من الشعر :
كان عليه‌السلام قليل التعاطي للشعر مع قدرته عليه ، فقد كان يجيز (26) الشعر منذ أن كان صبياً ، يدل على ذلك ما روى عنه عليه‌السلام ، قال : « دخلت ذات يوم من المكتب ومعي لوحي قال : فأجلسني أبي بين يديه وقال : يا بني اكتب : تنحّ عن القبيح ولا ترده. ثم قال : أجزه. فقلت : ومن أوليته حسناً فزده. ثم قال : ستلقى من عدوك كل كيد. فقلت : إذا كاد العدو فلا تكده. قال : فقال : ذرية بعضها من بعض » (27).
ومما ورد من الشعر منسوباً إليه ، ما جاء في حديث شقيق بن إبراهيم البلخي الأزدي ، أنه خرج حاجاً في سنة ( ١٤٩ ه‍ ) ، ورأى الإمام أبا الحسن عليه‌السلام وكان قائماً على بئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماءً ، فسقطت الركوة من يده في البئر ، فرمق السماء وأنشأ يقول :
أنت ريي إذا ظمئت إلى الماء
وقوتي إذا أردت الطعاما (28)
وعن موسى بن بكر ، قال : ما أحصي ما سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام ينشد :
فإن يك يا أميم علي دين فعمران بن موسى (29) يستدين (30)
وجاء في مناظرة له مع الرشيد حين لقيه في الحج أنه أنشد عليه‌السلام :
هب الدنيا تؤاتينا سنينا
فتكدر تارة وتلذ حينا
فما أرضى بشيء ليس يبقى
وأتركه غداً للوارثينا
كأني بالتراب علي يُحثى
وبالإخوان حولي نائحينا
ويوم تزفر النيران فيه
وتقسم جهرة للسامعينا
وعزة خالقي وجلال ربي
لأنتقمن منكم أجمعينا (31)
٥ ـ إسهاماته عليه‌السلام في علم الطب :
للإمام الكاظم عليه‌السلام إرشادات كثيرة تنضوي تحت علم الطب ، منها مواصفات لبعض الأدوية والأغذية وعلاجات لبعض الأمراض ، وقد جمع زميلنا الأستاذ شاكر شبع في كتابه الموسوم ( طب الإمام الكاظم عليه‌السلام ) (32) كل ما ورد عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام من حديث يتعلق بعلم الطب ، وجعل في هامش كتابه دراسة وافية ومقارنة بين طبه عليه‌السلام والطب الإسلامي والعربي واليوناني.
وفيما يلي بعض ما ورد عن الإمام الكاظم عليه‌السلام من إرشادات طبية عامة :
مضاعفات الدواء :
قال أبو الحسن الأول عليه‌السلام : « ادفعوا معالجة الأطباء ما اندفع الداء عنكم ، فإنه بمنزلة البناء قليله يجر إلى كثيره » (33).
وعن عثمان الأحول ، قال : « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : ليس من دواء إلاّ وهو يهيج داء ، وليس شيء في البدن أنفع من إمساك اليد إلاّ عما يحتاج إليه » (34).
الحمية :
عن عمرو بن إبراهيم ، قال : « سمعت أبا الحسن يقول : لو أن الناس قصدوا في المطعم ، لاستقامت أبدانهم » (35).
وقال أبو الحسن عليه‌السلام : « الحمية رأس كل دواء ، والمعدة بيت الأدواء ، وعوِّد بدنك ما تعوَّد » (36).
وعن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : « ليس الحمية أن تدع الشيء أصلاً لا تأكله ، ولكن الحمية أن تأكل من الشيء وتخفف » (37).
الحمام :
عن سليمان الجعفري ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : « الحمام يوم ويوم لا ، يكثر اللحم ، وإدمانه كل يوم يذيب شحم الكليتين » (38).
وعنه عليه‌السلام ، قال : « لا تدخلوا الحمام على الريق ، لا تدخلوه حتى تطعموا شيئاً » (39).
علامات الدم :
عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « علامات الدم أربعة : الحكة ، والبثرة ، والنعاس ، والدوران » (40).
سنن الرأس والبدن :
وعن الحسن بن الجهم ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « خمس من السنن في الرأس ، وخمس في الجسد ؛ فأما التي في الرأس : فالسواك ، وأخذ الشارب ، وفرق الشعر ، والمضمضة ، والاستنشاق. وأما التي في الجسد : فالختان ، وحلق العانة ، ونتف الإبطين ، وتقليم الأظفار ، والاستنجاء » (41).
وجاء عنه عليه‌السلام وصفاً لبعض العلاجات وذكراً لمواصفات كثير من الأغذية والأدوية نذكر منها :
علاج البصر :
عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، قال : « ثلاثة يجلين البصر : النظر إلى الخضرة ، والنظر إلى الماء الجاري ، والنظر إلى الوجه الحسن » (42).
وعن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، قال : « إن الشعر على الرأس إذا طال أضعف البصر ، وذهب بضوء نوره ، وطمّ الشعر يجلي البصر ويزيد في ضوء نوره » (43).
وعن سليم مولى علي بن يقطين ، أنه كان يلقى من عينيه أذىً ، قال : « فكتب إليه أبو الحسن عليه‌السلام : ما يمنعك من كحل أبي جعفر عليه‌السلام ؟ جزء كافور رباحي ، وجزء صبر اصقوطري ، يدقان جميعاً وينخلان بحريرة ، يكتحل منه مثلما يكتحل من الإثمد ، الكحلة في الشهر تحدر كل داء في الرأس وتخرجه من البدن. قال : فكان يكتحل به ، فما اشتكى عينه حتى مات » (44).
الحجامة :
قال العالم عليه‌السلام : « الحجامة بعد الأكل ، لأنه إذا شبع الرجل ثم احتجم اجتمع الدم وخرج الداء ، وإذا احتجم قبل الأكل خرج الدم وبقي الداء » (45).
وعن حمزة بن الطيار ، قال : « كنت عند أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، فرآني أتأوّه ، فقال : ما لك ؟ قلت : ضرسي. فقال : احتجم. فاحتجمت فسكن ، فأعلمته ، فقال لي : ما تداوى الناس بشيء خير من مصة دم أو مزعة عسل. قلت : جعلت فداك ، ما المزعة عسل ؟ قال : لعقة عسل » (46).
التفاح :
عن الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن الأول عليه‌السلام يقول : « التفاح شفاء من خصال : من السم ، والسحر ، واللمم يعرض من أهل الأرض ، والبلغم الغالب ، وليس شيء أسرع منفعة منه » (47).
وعن زياد القندي ، قال : « دخلت المدينة ومعي أخي سيف ، فأصاب الناس رعاف ، فكان الرجل إذا رعف يومين مات ، فرجعت إلى المنزل ، فإذا سيف يرعف رعافاً شديداً ، فدخلت على أبي الحسن عليه‌السلام فقال : يا زياد ، أطعم سيفاً التفاح. فأطعمته إياه فبرئ » (48).
الإجاص :
عن زياد القندي ، قال : « دخلت على أبي الحسن الأول عليه‌السلام وبين يديه تور ماء فيه إجاص أسود في إبّانه ، فقال : إنه هاجت بي حرارة ، وإن الأجاص الطري يطفئ الحرارة ، ويسكن الصفراء ، وإن اليابس منه يسكن الدم ، ويسل الداء الدوي » (49).
خبز الشعير :
وعنه عليه‌السلام ، قال : « فضل خبز الشعير على البُرّ كفضلنا على الناس ، ما من نبي إلاّ وقد دعا لآكل الشعير وبارك عليه ، وما دخل جوفاً إلاّ وأخرج كل داء فيه ، وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار ، أبى الله أن يجعل قوت الأنبياء للأشقياء » (50).
البيض :
عن عمر بن أبي حسنة الجمال ، قال : « شكوت إلى أبي الحسن عليه‌السلام قلة الولد ، فقال : استغفر الله وكل البيض بالبصل » (51).
__________________
(1) كنز العمال ١٣ : ١٢٨ / ٣٦٤٠٤.
(2) أعدّه قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة ، ولم يطبع إلى الآن.
(3) سورة البقرة : ٢ / ٤٥.
(4) تفسير العياشي ١ : ٤٣ / ٤١.
(5) سورة الماعون : ١٠٧ / ٥.
(6) نور الثقلين ٥ : ٦٧٨ / ٩.
(7) سورة طه : ٢٠ / ٥.
(8) التوحيد : ٢٣٠ / ٤.
(9) سورة الإسراء : ١٧ / ٢٦.
(10) الكافي ١ : ٤٥٦ / ٥ ، التهذيب ٤ : ١٤٨ / ٤١٤.
(11) سورة الأنعام : ٦ / ٩٨.
(12) تفسير العياشي ١ : ٣٧١ / ٧٢.
(13) سورة المائدة : ٥ / ٣٣.
(14) تفسير العياشي ١ : ٣١٧ / ٩٨.
(15) اخترنا هذه الكلمات من كتاب تحف العقول : ٤٠٨ ، وأعلام الدين / الديلمي : ١٢٠ ، والتذكرة الحمدونية : ١١١ و ٢٦٩ ، ومعارج اليقين في أصول الدين / السبزواري : ٣١٤ ، ونهاية الارب / النويري ٣ : ٢٤٨ ، وبهجة المجالس / القرطبي ١ : ٦٨٩ ، وملحقات إحقاق الحق / المرعشي ٢٨ : ٥٦٣.
(16) الكافي ١ : ١٠ ـ ١٥ / ١٢ ، تحف العقول : ٣٨٣ ـ ٤٠٢.
(17) تحف العقول : ٤٠٨.
(18) السرائر / ابن إدريس ٣ : ٥١٩ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٤٠٨.
(19) الكافي ٢ : ٣٦٠ / ٤ ، وفي تحف العقول : ٤٠٩ ما لم يعتد المظلوم ، وفي الكافي ٢ : ٣٢٢ / ٣ ما لم يتعد المظلوم.
(20) كشف الغمة ٢ : ٢٥٢ ، ورواه الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف : ٥٤.
(21) تحف العقول : ٤٠٨ ، معاني الأخبار : ٣٤٢ / ١.
(22) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١٤.
(23) تحف العقول : ٤١٢.
(24) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٤٠٢ ، روضة الواعظين : ٣١٠.
(25) الكافي ٦ : ٥٠ / ٨ ، أمالي الصدوق : ٥٢٦ / ٧١٢ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٨٧ / ٨٦٣.
(26) الإجازة : أن تتم مصراع بيت الشعر الذي يقوله غيرك.
(27) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٣.
(28) كشف الغمة ٣ : ٣ ، نور الأبصار : ١٤٩ ، تذكرة الخواص : ٣٤٨.
(29) قيل : المراد موسى بن عمران ، وإنّما قلب للوزن.
(30) الكافي ٥ : ٩٥ / ١٠.
(31) إحقاق الحق ١٢ : ٣١٢ ، عن الروض الفائق : ٦٥ ـ القاهرة.
(32) نشر : المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه‌السلام ـ مشهد.
(33) علل الشرائع : ٤٦٥ / ١٧.
(34) الكافي ٨ : ٢٧٣ / ٤٠٩.
(35) المحاسن : ٤٣٩ / ٢٩٦.
(36) فقه الإمام الرضا عليه‌السلام : ٣٤٠.
(37) الكافي ٨ : ٢٩١ / ٤٤٣.
(38) الكافي ٦ : ٤٩٦ / ٢.
(39) من لا يحضره الفقيه ١ : ١١٦ / ٢٤٥.
(40) الخصال : ٢٥٠ / ١١٥.
(41) الخصال : ٢٧١ / ١١.
(42) الخصال : ٩٢ / ٣٥.
(43) السرائر ٣ : ٥٧٥.
(44) الكافي ٨ : ٣٨٢ / ٥٨٢.
(45) مكارم الأخلاق : ٧٣.
(46) الكافي ٨ : ١٩٤ / ٢٣١.
(47) المحاسن : ٥٥٣ / ٨٩٨.
(48) الكافي ٦ : ٣٥٦ / ٤.
(49) الكافي ٦ : ٣٥٩ / ١.
(50) مكارم الأخلاق : ١٥٤.
(51) المحاسن : ٤٨٠ / ٥١٠.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page