• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أهل الكتاب ( جعفر سلمان عبد الله . البحرين . 20 سنة . طالب جامعة )

كلّفوا بتكاليف أشدّ من تكاليفنا :
السؤال : هل الأُمم السابقة قد كلّفت بتكاليف شاقّة ؟ فإنّ ظاهر بعض الآيات والروايات ذلك ، كقوله : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ... } (1) ، وفي الرواية : " رفع عن أُمّتي تسع : الخطأ ، والنسيان ، وما أُكرهوا عليه ، وما اضطرّوا إليه ... " (2) ، فنسب الرفع إلى أُمّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) .
الجواب : ورد في تفسير هذه الآية الشريفة ما يوضّح لكم المعنى الذي تقصده الآية .
ففي الاحتجاج : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل قال : " { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } (3) ، قال الله عزّ وجلّ : لست أؤاخذ أُمّتك النسيان والخطأ لكرامتك عليّ ، وكانت الأُمم السالفة إذا نسوا ما ذكّروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك ، وكانت الأُمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه ، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك لكرامتك عليّ .
فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : اللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني ، فقال الله تبارك وتعالى له : سل، قال : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ... } ، يعني بالإصر : الشدائد التي كانت على من قبلنا ، فأجابه الله إلى ذلك .
فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أُمّتك الآصار التي كانت على الأُمم السالفة ؛ كنت لا أقبل صلواتهم إلاّ في بقاع معلومة من الأرض ، أخترها لهم وإن بعدت ، وقد جعلت الأرض كلّها لأُمّتك مسجداً وطهوراً ؛ فهذه من الآصار التي كانت على الأُمم قبلك فرفعتها عن أُمّتك ... ، وكانت الأُمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه ناراً فأكلته ، فرجع مسروراً ، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبوراً ، وقد جعلت قربان أُمّتك في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافاً مضاعفة ، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا .
وقد رفعت ذلك عن أُمّتك وهي من الآصار التي كانت على الأُمم من كان من قبلك ، وكانت الأُمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار ، وهي من الشدائد التي كانت عليهم ... ، وكانت الأُمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة ، وهي من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتنا عن أُمّتك ، وجعلت الحسنة بعشر والسيئة بواحدة ، وكانت الأُمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة فلم يعملها لم تكتب له ، وإن عملها كتبت له حسنة ، وإنّ أُمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، وإن عملها كتبت له عشراً ، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك ... " (4) .
بيّنت هذه الرواية معنى الآصار والمشقّة التي كانت على الدوام على الأُمم السالفة ، ومن الواضح : أنّ الله تعالى لا يكلّف عباده فوق طاقتهم ؛ لأنّ ذلك قبيح عقلاً وشرعاً ، والله تعالى منزّه عن ذلك ، لكنّه تعالى عندما سنّ سنناً ، وجعل أُمماً وشرّع أحكاماً له فهذه الأحكام والقوانين تختلف من أُمّة إلى أُمّة ، تبعاً لطبيعة تلك الأُمّة ولزمنها ، وللمصالح التي تقتضي السير عليها ، فالله تعالى بيّن كما في هذه الرواية وفي آياته ، أنّه كلّف الأُمم السالفة ببعض التكاليف التي فيها مشقّة ، لكن لا يخرجها ذلك عن كونها مقدورة للمكلّفين .
فمثلاً تكليفه بعض الأُمم السالفة بأن تكون صلاتهم في مكان مخصوص ليس فيه تعجيز ، وأنّهم يعجزون عن ذلك وخارج عن قدرتهم ، بل هو مقدور لهم ، لكن فيه نوع تضييق وتكليف قياسياً لمن يحقّ له الصلاة في كلّ مكان ، كأُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله)، فإنّ من يجوز له الصلاة في كلّ مكان ـ قياساً لمن لا يحقّ له الصلاة إلاّ في مكان مخصوص ـ موسع عليه ، خلافاً لذلك الذي لا يحقّ له الصلاة في كلّ مكان ، فإنّ هذا مضيق عليه بالنسبة لذلك الشخص .
وأمّا التكليف بالصلاة في مكان مخصوص في حدّ نفسه فهو مقدور للمكلّف ، ويستطيع أن يأتي به ، وهكذا بقية الأُمور التي ذكرتها الرواية تفسيراً للآية ؛ كجعل الحسنة مقابل الحسنة في الأُمم السالفة ، وجعلها مقابل العشر في هذه الأُمّة ، والهمّ بالحسنة يعدّ حسنة ، وغير ذلك من الأُمور .
وكذلك الرواية فسّرت معنى النسيان والخطأ ، فمن نسى ما ذكّر به من عذاب الله وعقابه إذ عصاه يقع عليه الوعيد عند نسيان الله تعالى ، ونسيان ربوبيته المقتضية لطاعته ، فإذا نسى حلّ الوعيد الإلهيّ عليه .
وكذلك تفسير الأُمور المرفوعة بحديث الرفع كان يفسّر رفع النسيان والخطأ ، أي رفع آثار النسيان والخطأ ، فلا يجب الإعادة أو القضاء إذا نسي التكاليف ، بينما الأُمم السالفة يجب عليها ذلك عند نسيان التكاليف .
وتفسير الإكراه بأن يجوز للمُكره إبداء خلاف ما يعتقد في هذه الأُمّة ، وفي الأُمم السالفة لا يجوز ، وتفسير الاضطرار بذلك أيضاً ، بأن لا يجوز للمضطرّ في الأُمم السالفة ارتكاب المحظور لأجل الاضطرار ، بل عليه أن يتحمّل الاضطرار ، وفي هذه الأُمّة يجوز .
والخلاصة من البحث : إنّ التكليف إذا كان يعجز عنه المكلّف فلا يكلّف الله به أُمّة من الأُمم ، هذه الأُمّة وغيرها ، لأنّ ذلك قبيح عقلاً وشرعاً ، والله منزّه عن ذلك .
وأمّا تفاوت التكاليف ، وأنّ أُمّة من الأُمم تكلّف بما هو أشدّ من أُمّة أُخرى ، مع انخفاض القدرة وأنّ التكليف مقدور ، فلا يمنع العقل من ذلك ، وأيضاً
الشرع لا يمنعه إذا كان هناك مصلحة يعلمها المشرّع ومطلع عليها ، بل إنّ ذلك واقع كما تقول الرواية .
ولا ننسى الفرق بين الشيء الممتنع وبين الشيء المقدور لكن فيه كلفة ويحتاج إلى جهد ، فإنّ الآية لا تقصد الأوّل كما أوضحته الرواية ، وكما يحكم به العقل ، وأمّا الثاني فإنّ العقل لا يمنع منه والشرع ، بل هو واقع كما ذكرت الآية .


___________
1- البقرة : 286 .
2- تحف العقول : 50 .
3- البقرة : 286 .
4- الاحتجاج 1 / 329 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page