السؤال : أشكركم على ردّكم ، ولكن هل هناك مجال لمعرفة تفاصيل مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ؟
الجواب : ورد في كتبنا أنّه في صباح اليوم العاشر ، وإتماماً للحجّة على أعدائه ، طلب الإمام الحسين (عليه السلام) من جيش يزيد أن ينصتوا إليه لكي يكلّمهم ، إلاّ أنّهم أبوا ذلك ، وعلا ضجيجهم ، وفي النهاية سكتوا ، فخطب فيهم معاتباً لهم على دعوتهم له وتخاذلهم عنه ، كما حدّثهم بما سيقع لهم بعد قتله على أيدي الظالمين ، من ولاة بني أُمية ، ممّا عُهد إليه من جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبيه علي (عليه السلام) ، وهو ما تحقّق فعلاً ، وخصّ في ذلك عمر بن سعد الذي كان يزيد يمنّيه بجعله والياً على الري وجرجان ، بأنّ حلمه ذاك لن يتحقّق ، وأنّه سوف يقتل ويرفع رأسه على الرمح .
ثمّ إنّ الشيطان استحوذ على ابن سعد ، فوضع سهمه في كبد قوسه ، ثمّ رمى مخيّم الحسين (عليه السلام) ، وقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمى ، فتبعه جنده يمطرون آل الرسول (صلى الله عليه وآله) بوابل من السهام .
عظم الموقف على الإمام الحسين (عليه السلام)، ثمّ خاطب أصحابه : " قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابدّ منه ، فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم " (1)، فلبّوا النداء وانطلقوا كالأسود يحاربون العدوّ ، واستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء ، وأصحاب الحسين (عليه السلام) يتساقطون الواحد تلو الآخر ، وقد أرهقوا جيش العدوّ وأثخنوه بالجراح .
فتصايح رجال عمر بن سعد : لو استمرت الحرب بيننا لأتوا على آخرنا ، لنهجم عليهم مرّة واحدة ، ولنرشفهم بالنبال والحجارة .
لم يهدأ سعير المعركة ، وراح من بقي من أصحاب الحسين (عليه السلام) وأهل بيته يستشهدون الواحد تلو الآخر ، فاستشهد ولده علي الأكبر ، وأخوته ، وأبناء أخيه ، وابن أخته ، وآل عقيل وآل علي (عليه السلام) ، مجزّرين كالأضاحي وهم يتناثرون في أرض المعركة ، وكذا بدأ شلاّل الدم ينحدر على أرض كربلاء ، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حناجر النساء والأطفال .
قال بعض الرواة : فوالله ما رأيت مكثوراً قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشاً منه ، وإن كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه ، فينكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيه الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم ، ولقد تكاملوا ثلاثين ألفاً ، فيهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثمّ يرجع (عليه السلام) إلى مركزه ، وهو يقول : " لا حول ولا قوّة إلاّ بالله " .
فلم يزل (عليه السلام) يقاتلهم حتّى حالوا بينه وبين رحله ، فصاح : " ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى احسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون " (2) .
فناداه شمر (لعنه الله) : ما تقول يا بن فاطمة .
فقال (عليه السلام) : " إنّي أقول أقاتلكم وتقاتلونني ، والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً " (3) .
فقال شمر (لعنه الله) : لك ذلك يا ابن فاطمة . فقصدوه بالحرب ، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه ، وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد ، حتّى أصابه اثنتان وسبعون جراحة ، فوقف يستريح ساعة ، وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب ، فوقع على قلبه فقال (عليه السلام) : " بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) " .
ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : " إلهي أنت تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبيّ غيره " .
ثمّ أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره ، فانبعث الدم كأنّه ميزاب ، فضعف عن القتال ووقف ، فكلّما أتاه رجل انصرف عنه كراهة أن يلقى الله بدمه ، حتّى جاءه رجل من كندة ، يقال له مالك بن اليسر ، فشتم الحسين (عليه السلام) ، وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه ، فامتلأ البرنس دماً .
فاستدعى الحسين (عليه السلام) بخرقة ، فشدّ بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتم ، فلبثوا هنيئة ، ثمّ عادوا إليه وأحاطوا به .
فخرج عبد الله بن الحسن بن علي (عليهم السلام) وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد ، حتّى وقف إلى جنب الحسين (عليه السلام)، فلحقته زينب بنت علي (عليهما السلام) لتحبسه ، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً ، فقال : لا والله لا أفارق عمّي .
فأهوى بحر بن كعب ـ وقيل : حرملة بن كاهل ـ إلى الحسين (عليه السلام) بالسيف ، فقال له الغلام : ويلك يا بن الخبيثة ، أتقتل عمّي ؟ فضربه بالسيف فاتقاها الغلام بيده ، فأطنّها إلى الجلد ، فإذا هي معلّقة ، فنادى الغلام : يا أُمّاه ، فأخذه الحسين (عليه السلام) ، وضمّه إليه وقال : " يا ابن أخي أصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ، فإنّ الله سيلحقك بآبائك الصالحين " .
فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه ، وهو في حجر عمّه الحسين (عليه السلام) .
ثمّ إنّ شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين فطعنه بالرمح ، ثمّ قال : عليّ بالنار أحرقه على من فيه ، فقال له الحسين (عليه السلام) : " يا ابن ذي الجوشن ، أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي أحرقك الله بالنار " ، وجاء شبث فوبّخه فاستحيا وانصرف .
قال الراوي : قال الحسين (عليه السلام) : " ابغوا لي ثوباً لا يرغب فيه ، أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه " ، فأتي بتبّان فقال : " لا ، ذاك لباس من ضربت عليه الذلّة " ، فأخذ ثوباً خلقاً فخرقه ، وجعله تحت ثيابه ، فلمّا قتل (عليه السلام) جرّدوه منه .
ولمّا أثخن الحسين (عليه السلام) بالجراح ، طعنه صالح بن وهب المريّ على خاصرته طعنة ، فسقط الحسين (عليه السلام) عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن ، وهو يقول : " بسم الله وبالله ، وعلى ملّة رسول الله " .
فخرجت زينب (عليها السلام) من باب الفسطاط وهي تنادي : " وا أخاه واسيّداه ، وا أهل بيتاه ، ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل " .
وصاح شمر بأصحابه : ما تنتظرون بالرجل ، فحملوا عليه من كلّ جانب ، فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى ، وضربه آخر على عاتقه المقدّس بالسيف ضربة كبا (عليه السلام) بها لوجهه ، وكان قد أعيا وجعل ينوء ويكب ، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ، ثمّ انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره، ثمّ رماه سنان أيضاً بسهم فوقع في نحره ، فسقط (عليه السلام) ، وجلس قاعداً فنزع السهم من نحره ، وقرن كفّيه جميعاً ، فكلّما امتلأتا من دمائه خضّب بهما رأسه ولحيته ، وهو يقول : " هكذا ألقى الله مخضباً بدمي ، مغصوباً على حقّي " .
فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه : انزل ويحك إليه فأرحه ، فبدر إليه خولّي بن يزيد الأصبحي ليحتزّ رأسه فأرعد ، فنزل إليه سنان بن أنس النخعيّ (لعنه الله) فضربه بالسيف في حلقه الشريف ، وهو يقول : والله إنّي لأجتزّ رأسك ، وأعلم أنّك ابن رسول الله ، وخير الناس أباً وأُمّاً . ثمّ اجتزّ رأسه المقدّس المعظّم.
قال الراوي : فارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء ، لا ترى فيها عين ولا أثر ، حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ، ثمّ انجلت عنهم .
ثمّ أقبلوا على سلب الحسين (عليه السلام) ، فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي فلبسه ، فصار أبرص وامتعط شعره .
وروي أنّه وجد في قميصه مائة وبضع عشرة ، ما بين رمية وطعنة سهم وضربة .
وأخذ سراويله (عليه السلام) بحر بن كعب التيميّ ، فروي أنّه صار زمناً مقعداً من رجليه ، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرميّ ، وقيل جابر بن يزيد الأوديّ ، فاعتمّ بها فصار معتوها ، وأخذ نعليه الأسود بن خالد ، وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبيّ ، وقطع إصبعه (عليه السلام) مع الخاتم ، وأخذ قطيفة له (عليه السلام) كانت من خزّ قيس بن الأشعث ، وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد ، فلمّا قتل عمر وهبها المختار لأبي عمرة قاتله ، وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأوديّ .
ثمّ نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين فيواطئ الخيل ظهره وصدره ، فانتدب منهم عشرة ، فداسوا الحسين (عليه السلام) بحوافر خيلهم حتّى رضّوا صدره وظهره (4) .
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
____________
1- لواعج الأشجان : 136 ، اللهوف : 60 .
2- لواعج الأشجان : 185 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 344 ، البداية والنهاية 8 / 203 ، مقتل الحسين لأبي مخنف : 190 ، اللهوف : 71 ، كشف الغمّة 2 / 262 .
3- مثير الأحزان : 55 ، لواعج الأشجان : 185 ، اللهوف : 71 .
4- اللهوف : 79 .
( رنا . الأردن . ... ) كيفية قتله
- الزيارات: 470