السؤال : سؤالي يتعلّق بموقع رأس الحسين بعد أن قطع عن جسده الشريف ، وأخذ ليعرض لعدوّ الله والأُمّة ، السفّاح يزيد بن معاوية في دمشق ؟
الجواب : لقد اختلفت الروايات والأقوال في ذلك إلى سبعة أقوال ، بل ثمانية كما سيأتي بيانها ، ولمّا كان القطع واليقين محالاً في بعضها ، وإن ذهب إلى القول بذلك بعض الأعلام ـ كما سيأتي بيانه ـ غير أنّ أقربها للقبول والمعقول هو ما اشتهر عند العلماء من الفريقين الشيعة والسنّة ، بأنّه أُعيد إلى جثّته (عليه السلام) بعد أربعين يوماً ، وهذا الاتفاق يوحي باطمئنان الرجحان في ذلك .
والآن نبيّن الأقوال ، ونستعرض أسماء القائلين بها تنويراً لكم :
القول الأوّل : إنّه مدفون بكربلاء عند جثّته الطاهرة ، أُعيد إليها بعد أربعين يوماً ، ذهب إلى ذلك من أعلام الفريقين :
1ـ هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ ، حكى ذلك عنه السبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (1) وغيره .
2ـ السيّد المرتضى ، حكى ذلك عنه كلّ من الطبرسيّ في " أعلام الورى " ، وابن شهر آشوب في " المناقب " (2) .
3ـ الشيخ الطوسيّ ، حكى ذلك عنه ابن شهر آشوب في " المناقب " ، وقال عنه أنّه قال : ومنه زيارة الأربعين (3) .
4ـ الحافظ ابن شهر آشوب، ذكر ذلك في " المناقب " كما أشرنا إليها آنفاً.
5ـ الفتّال النيسابوريّ ، ذكر ذلك في " روضة الواعظين " (4) .
6ـ الشيخ الطبرسيّ ، ذكر ذلك في " أعلام الورى " كما أشرنا إليه آنفاً .
7ـ ابن نما الحلّيّ في " مثير الأحزان " ، حيث قال : " والذي عليه المعوّل من الأقوال أنّه أُعيد إلى الجسد ، بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه " (5) .
8 ـ العلاّمة المجلسيّ في " بحار الأنوار " ، حيث قال : " والمشهور بين علمائنا الإمامية أنّه دفن رأسه مع جسده ، ردّه علي بن الحسين (عليهما السلام) " (6).
9ـ القزويني في " عجائب المخلوقات " ، حيث قال : " في العشرين من صفر ردّ رأس الحسين (عليه السلام) إلى جثّته " .
10ـ ابن حجر الهيثميّ في شرحه همزية البوصيريّ ، حيث قال : " أُعيد رأس الحسين بعد أربعين يوماً من مقتله " .
11ـ المنّاويّ في " الكواكب الدرّية " ، حيث نقل اتفاق الإمامية على أنّه أُعيد إلى كربلاء ، ولم يعقّب بشيء ، وحكى ترجيحه عن القرطبي ، ونسب إلى بعض أهل الكشف أنّه حصل له اطلاع على أنّه أُعيد إلى كربلاء (7) .
12ـ الشيخ الشبراويّ في " الإتحاف بحبّ الأشراف " ، قيل : إنّه أُعيد إلى جثّته بعد أربعين يوماً (8) .
13ـ وأخيراً : قال أبو الريحان البيرونيّ : " وفي العشرين ـ أي من صفر ـ رُدّ رأس الحسين إلى جثّته حتّى دفن مع جثّته " (9) .
فهذا القول هو الراجح والأولى بالقبول ، لاتفاق كثير من أعلام الفحول من الفريقين ، الدالّ على القبول حسب النقول .
القول الثاني : إنّه عند أبيه بالنجف ، لورود أخبار بذلك وردت في الكافي والتهذيب وغيرهما ، لا تخلو بعض أسانيدها من المناقشة .
القول الثالث : إنّه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما في خبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) رواه الكلينيّ في الكافي .
وهذان القولان من مختصّات الإمامية ، ولم يقل بها أحد من غيرهم .
القول الرابع : إنّه دفن بالمدينة عند قبر أُمّه فاطمة (عليها السلام) ، قال به ابن سعد في " الطبقات " (10) ، وقال به غيره .
القول الخامس : إنّه بدمشق بباب الفراديس ، حكاه سبط ابن الجوزيّ عن ابن أبي الدنيا ، وكذا ذكر البلاذريّ في تاريخه ، وكذا الواقديّ (11) .
القول السادس : إنّه بمسجد الرقّة على الفرات بالمدينة المشهورة ، حكاه السبط أيضاً عن عبد الله بن عمر الورّاق (12) .
القول السابع : إنّه بمصر ، نقله الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان ، ثمّ نقلوه إلى القاهرة ، وله فيها مشهد عظيم يزار ، نقله سبط ابن الجوزيّ (13) .
القول الثامن : إنّه في حلب ، أشار إليه ابن تيمية في رسالته جواباً عن سؤال عن رأس الحسين (عليه السلام) ، وهي مطبوعة حقّقها وطبعها محبّ الدين الخطيب ، وقد تجاوز الحدّ في سوء الأدب مع الحسين(عليه السلام) حتّى علا وغلا على صاحب الرسالة في حماه المسعورة .
وقد ساق ابن تيمية سبعة وجوه في نفي أن يكون الرأس مدفوناً بالقاهرة ، متحاملاً فيها على من يقول بها ، ولم تخل الرسالة متناً وهامشاً من تعريض وتصريح بالحسين ونهضته ، ودفاع عن يزيد وجريمته ، ولا يستنكر اللؤم من معدنه ، فجزى الله كلاّ على نيّته ، وحشره مع من يتولاّه ، إنّه سميع مجيب .
ولنختم الجواب بما قاله السبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص : " وفي الجملة ، ففي أيّ مكان كان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب والضمائر ، قاطن في الأسرار والخواطر ، أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى :
لا تطلبوا المولى الحسين بأرض شرق أو بغرب
ودعوا الجميع وعرّجوا نحـوي فمشـهده بقلبي " (14)
.ونضيف نحن قول ابن الورديّ في تاريخه :
أرأس السبط ينقل والسـبايا يطاف بها وفوق الأرض رأس
وما لي غير هذا السبي ذخر وما لي غير هذا الرأس رأس (15)
______________
1- تذكرة الخواص 2 / 206 ط المجمع العالمي لأهل البيت .
2- إعلام الورى 1 / 477 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 231 .
3- مناقب آل أبي طالب 3 / 231 .
4- روضة الواعظين : 192 .
5- مثير الأحزان : 85 .
6- بحار الأنوار 45 / 145 .
7- الآثار الباقية : 294 .
8- الكافي 4 / 571 ، تهذيب الأحكام 6 / 35 .
9- الكافي 4 / 571 .
10- الطبقات الكبرى 5 / 238 .
11- لواعج الأشجان : 248 .
12- المصدر السابق : 249 .
13- نفس المصدر السابق .
14- تذكرة الخواص : 2 / 209 ط المجمع العالمي لأهل البيت .
15- تاريخ ابن الوردي 1 / 165 .
( أبو عبد العزيز . سنّي . الجزائر . 33 سنة . دكتوراه ) الأقوال في مكان دفن رأسه
- الزيارات: 449