السؤال : ما هو الدليل على إمامة الأئمّة من ذرّية الحسين (عليه السلام) ؟ أرجو أن يكون الدليل من كتب إخواننا أهل السنّة ، ودمتم سالمين .
الجواب : إنّ الأدلّة على إمامة الأئمّة الاثني عشر كثيرة ، نقتصر على ذكر بعضها، ومن مصادر أهل السنّة المعتبرة عندهم :
1ـ حديث الثقلين ، ومؤداه التمسّك بالعترة وهم أهل البيت تمسّكاً مطلقاً .
2ـ حديث الغدير ، وهو ينصّ على وصيّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فيتعيّن تشريع الوصاية .
3ـ حديث الأئمّة الاثني عشر ، وقد رواه البخاريّ ومسلم وغيرهم .
فرواية البخاريّ بعد الاختصار والاقتطاع : عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول : " يكون اثنا عشر أميراً " ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : " كلّهم من قريش " (1) .
أمّا روايات مسلم ، فكلّها عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول : " لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً " ، ثمّ تكلّم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بكلمة خفيت عليّ ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال : " كلّهم من قريش " (2) .
وفي رواية أُخرى لمسلم أيضاً : عن جابر قال : سمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول : " لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة " ، ثمّ قال كلمة ... (3) .
وفي رواية له : " لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة " ... .
وأيضاً : " لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة " ، فقال كلمة صمنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : " كلّهم من قريش " .
وفي رواية أخرى : " لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش " (4) .
وفي رواية الطبراني : " اثنا عشر قيّماً من قريش لا يضرّهم عداوة من عاداهم " (5) .
قال ابن حجر العسقلاني : " قال ابن بطال عن المهلّب : لم ألقَ أحداً يقطع في هذا الحديث ، يعني بشيء معيّن .
وقال أيضاً : وقد لخّص القاضي عياض ذلك ... ثمّ قال : إنّه ـ أي النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ لم يقل : لا يلي إلاّ اثنا عشر ، وإنّما قال : " يكون اثنا عشر " ، وقد ولي هذا العدد ، ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم ، قال : وهذا إن جُعل اللفظ واقعاً على كلّ من ولي ، وإلاّ فيحتمل أن يكون المراد : من يستحقّ الخلافة من أئمّة العدل " (6).
ثمّ قال ابن حجر ردّاً على من يفسّر الحديث : بأنّ الأئمّة الاثني عشر سيكونون في زمن واحد ، قال : ويؤيّد ما وقع عند أبي داود " كلّهم تجتمع عليه الأُمّة " ، ما أخرجه أحمد والبزار من حديث ابن مسعود بسند حسن ، أنّه سُئل كم يملك هذه الأُمّة من خليفة ؟ فقال : سألنا عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : " اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل " .
وقال ابن الجوزيّ في كشف المشكل : قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث ، وتطلبتُ مظانَّه ، وسألتُ عنه فلم أقع على المقصود به ... ، وعن كعب الأحبار : يكون اثنا عشر مهديّاً ، ثمّ ينزل روح الله فيقتل الدجّال ، قال: والوجه الثالث أنّ المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحقّ ، وإن لم تتوالَ أيامهم ... .
قال ابن حجر : انتهى كلام ابن الجوزيّ ملخّصاً " (7) .
وأقول : أُنظر يا أخي عظمة الإسلام وعظمة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، الذي بلّغ الرسالة ، وأدّى الأمانة على أتمّ وجه { فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ } ، وسدَّ كلّ الأبواب على المحرّفين والمبطلين ، والمنحرفين عن أهل البيت (عليهم السلام) ، وعن الدين الصحيح ، فأنظر كيف تخبّطوا وخلطوا ، وحرّفوا واختلفوا ، وعجزوا عن تفسير وفهم كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) الواضح البليغ على الوجه الصحيح ، لأنّهم لم يجعلوا ما فهمه الشيعة رأياً من الآراء ، وتفسيراً من التفاسير للحديث الشريف ، فتاهوا واختلفوا ، ولم يصلوا إلى المراد بنصّهم أبداً .
فالحديث واضح وصريح بوجود خلافة لله وللرسول ، وهي خلافة محدّدة بعدد معيّن وصفات معيّنة ، وأنّهم هادون مهديّون ، كما وصفهم النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) في حديث الخلفاء الراشدين المهديّين ، وأمرنا باتباع سنّتهم ـ يعني تشريعهم ـ ، فكيف نؤمر بإتباعهم لولا الخلافة الإلهيّة ، والتسديد الربّاني لهم ؟ وعصمتهم التي نصّ عليها حديث الثقلين ، وجعلهم عدلاً للقرآن ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ووصفهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعدم الافتراق ، أي الملازمة والمصاحبة للقرآن .
وكما دلّ على العصمة آية التطهير ، وحصر إرادة الله بتطهير أهل البيت فقط دون غيرهم ، لعلمه بأهليتهم لذلك .
4ـ حديث الخلفاء الراشدين لا نراه ينطبق إلاّ على حديث الأئمّة الاثني عشر، ويؤيّده ويفسّره .
ونصّ الحديث : عن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) موعظة، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، قلنا يا رسول الله : إنّ هذه لموعظة مودّع ، فماذا تعهد إلينا ؟ قال : " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، عضوّا عليها بالنواجذ ، فإنّما المؤمن كالجمل الأنف ، حيثما انقيد انقاد " (8) .
وقال الترمذيّ في سننه : " هذا حديث حسن صحيح " (9) .
فهذا الحديث يدلّ على وجود خلفاء راشدين مهديين يجب التمسّك بهم وبطريقتهم وسنّتهم ـ أقوالهم وأفعالهم ـ وهذا الإطلاق في التمسّك مع هذه التسمية لهم لا تنطبق إلاّ على معصوم ، لا يجوز التمسّك برأي الخليفة المخالف للكتاب، أو لسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالإجماع .
وكذلك إن وافق هذا الخليفة الكتاب أو السنّة النبوية فالاتباع سيكون للكتاب أو السنّة النبوية لا للخليفة ، وكذلك لو اختلف هؤلاء الخلفاء فيما بينهم ، فكيف يجوز التمسّك بسنّتهم جميعاً مع هذا الاختلاف ؟ وهو حاصل على تفسير أهل السنّة لهذا الحديث .
فلم يبق إلاّ أنّ المراد بهذا الحديث هو ما فهمه الشيعة من وجود خلفاء منصوص عليهم ، لابدّ أن يكونوا معروفين مقبولين للأُمّة جمعاء ، وهم اثنا عشر إماماً ، ويكونون معصومين عن الخطأ ، وعن مخالفة الكتاب أو السنّة النبوية ، أو الاختلاف فيما بينهم .
ويمتدّ زمانهم من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ ويبدأ بعلي (عليه السلام) ـ إلى الإمام المهديّ (عليه السلام)، كما نصّ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) على ذلك ، فقال : " لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّله الله عزّ وجلّ حتّى يبعث فيه رجلاً منّي ـ وفي رواية من أهل بيتي ـ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً " (10) .
ومصداقاً لقوله (صلى الله عليه وآله): " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان " (11) .
وأمّا تحديد الأئمّة بأعيانهم عند أهل السنّة فلم يصحّ لديهم حديث ينصّ على الأسماء ، أو الانحصار في ذرّية الحسين (عليه السلام) بعد أصحاب الكساء ، ولكنّهم أثبتوا أنّ أبناء الحسين من أئمّتنا (عليهم السلام) هم أفضل الهاشميّين ، وأفضل أهل زمانهم ، وكانوا أهلاً للإمامة ، وأليق وأحقّ بها من غيرهم ، وننقل هنا بعض النصوص على ذلك :
1ـ قال المزّيّ في تهذيب الكمال : " وأمّا الزهريّ ، فحكي عنه أنّه قال : ما رأيت هاشميّاً أفضل منه ـ أي من علي بن الحسين (عليهما السلام) ـ " .
وفي رواية أُخرى عن الزهريّ قال : " كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة " .
وفي رواية ثالثة عن الزهريّ قال : " لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين " .
وعن مالك قال : " لم يكن في أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل علي بن الحسين " .
وقال عبد الرحمن بن أسلم عن أبيه : " ما رأيت فيهم مثل علي بن الحسين قط " .
وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه : " ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين " .
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري قال : " سمعت علي بن الحسين ، وكان أفضل هاشمي " .
وقال أبو بكر ابن البرقي : " ونسل الحسين بن علي كلّه من قبل علي الأصغر وأُمّه أُمّ ولد ، وكان أفضل أهل زمانه " (12) .
وروى المزّي حكاية الحجّ ، وتفضيل الناس له (عليه السلام) على هشام ، أو الوليد بن عبد الملك الخليفة آنذاك ، وأبيات الفرزدق في مدحه ، وتنحّي الناس له حتّى يستلم الحجر هيبة له وإجلالاً ، ولم يفعلوا ذلك للخليفة (13) .
2ـ الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) : قال الذهبيّ : " كان أحد من جمع بين العلم والعمل ، والسؤدد والشرف ، والثقة والرزانة ، وكان أهلاً للخلافة " (14) .
3ـ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : قال المزّيّ : " حدّثنا عمرو بن ثابت قال : رأيت جعفر بن محمّد واقفاً عند الجمرة العظمى ، وهو يقول : " سلوني، سلوني " .
وقال أيضاً : ... عن صالح بن أبي الأسود قال : سمعت جعفر بن محمّد يقول : " سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّه لا يحدّثكم أحد بعدي بمثل حديثي " .
وعن أبي حنيفة ، وسُئل من أفقه ما رأيت ؟ فقال : " ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد ، لمّا أقدمه المنصور الحيرة ، بعث إليَّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فُتِنوا بجعفر بن محمّد ، فهيئ له من مسائلك الصعاب ، قال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر ... وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : " أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا " ، فربما تابعنا ، وربما تابع أهل المدينة ، وربما خالفنا جميعاً " (15) .
فأقول : هذه الرواية تثبت أنّ لأهل البيت مذهباً خاصّاً ومستقلاً عن باقي المذاهب ، لأنّ الإمام وهو من أهل المدينة قال : " وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا " ، فيجعل أهل البيت (عليهم السلام) في عرض أهل المدينة .
قال الذهبيّ : " الإمام الصادق شيخ بني هاشم ... " (16) ، إلى أن ذكر أولاده (عليه السلام) فقال : " فأجلّهم وأشرفهم ابنه موسى الكاظم ... وهو إمام من أئمّة المسلمين ... " (17)، له مشهد عظيم مشهور ببغداد ، دفن معه فيه حفيده الجواد ، ولولده علي بن موسى مشهد عظيم بطوس (18) .
فهؤلاء بعض أئمّتنا ، وهم أبناء الحسين (عليه السلام) ، وهم أفضل بني هاشم باعترافهم.
____________
1- صحيح البخاريّ 8 / 127 .
2- صحيح مسلم 6 / 3 .
3- المصدر السابق 6 / 3 .
4- المصدر السابق 6 / 4 .
5- المعجم الكبير 2 / 256 .
6- فتح الباري 13 / 182 .
7- المصدر السابق 13 / 184 .
8- مسند أحمد 4 / 126 ، سنن الدارمي 1 / 44 ، سنن ابن ماجة 1 / 16 سنن أبي داود 2 / 393، المستدرك 1 / 96 ، كتاب السنّة : 19 ، و 482 ، صحيح ابن حبّان 1 / 178 ، المعجم الكبير 18 / 249 و 257 ، مسند الشاميين 1 / 402 و 2 / 298 ، العلل 1 / 21 ، الثقات 1 / 4 ، تاريخ مدينة دمشق 40 / 178 ، أُسد الغابة 3 / 399 ، تهذيب الكمال 5 / 473 و 17 / 306 ، سير أعلام النبلاء 3 / 420 و 17 / 482 .
9- الجامع الكبير 4 / 150 .
10- صحيح مسلم 1 / 99 ، سنن ابن ماجة 2 / 929 ، سنن أبي داود 2 / 309 ، الجامع الكبير 3 / 343 ، صحيح ابن حبّان 13 / 283 ، المعجم الأوسط 2 / 55 ، المعجم الكبير 10 / 133 و 135 ، موارد الظمآن : 464 ، الجامع الصغير 2 / 438 ، كنز العمّال 14 / 264 و 269 ، فيض القدير 5 / 423 ، تاريخ مدينة دمشق 58 / 198 ، تاريخ ابن خلدون 1 / 312 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 172 ، ينابيع المودّة 2 / 210 و 318 و 3 / 214 و 245 و 256 و 298 و 339 و 384 و 390 .
11- المحّلى 1 / 45 و 9 / 359 ، مسند أحمد 2 / 29 و 93 ، صحيح مسلم 6 / 3 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 121 و 8 / 141 ، شرح صحيح مسلم 12 / 200 ، تحفة الأحوذيّ 6 / 400، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 546، كتاب السنّة : 518، الجامع الصغير 2 / 756 .
12- تهذيب الكمال 20 / 386 .
13- المصدر السابق 20 / 400 .
14- سير أعلام النبلاء 4 / 404 .
15- تهذيب الكمال 5 / 79 .
16- سير أعلام النبلاء 6 / 255 .
17- المصدر السابق 6 / 270 .
18- المصدر السابق 6 / 274 .
( الشيخ باسم الموصلي . العراق . طالب علم ) أدلّتها من كتب أهل السنّة
- الزيارات: 525