طباعة

( أبو جعفر . الكويت . ... ) معناه اللغويّ

السؤال : وفّقكم الله ، إخواني الكرام القائمين على هذا الموقع العظيم ، وجعله في ميزان أعمالكم ، ورزقنا الله وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد (عليهم السلام) .
أمّا بعد ، من منطلق التدبّر بآيات القرآن الكريم ، لاحظت أمراً يتعلّق بآية التطهير : أنّه هل يمكن أن نستفيد من نفس الآية حصراً بغضّ النظر عن الأدلّة الأُخرى ، وهو اختلاف المراد من { بيوتكن } و { أهل البيت } ، وبالتالي عدم دخول الزوجات في أهل البيت (عليهم السلام) ؟
الجواب : في مقام التعليق على ما ذكرت ، نقدّم أُموراً :
1ـ يحدّد المفهوم اللغوي لكلمة أهل بما يضاف إليها ، فأهل القرى : سكّانها ، وأهل الكتاب : أتباعه ، وأهل الرجل : عشيرته وذوو قرباه (1) ، أخصّ الناس به (2) ، من يجمعه وإيّاهم نسب أو دين (3) .
وأهل بيت الرجل : ذو قرباه ومن يجمعه وإيّاهم نسب ، وأطلقت في الكتاب الكريم على أولاد إبراهيم (عليه السلام) وأولاد أولاده ، قال تعالى : { رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } (4) .
وهناك فرق بين أهل الرجل وأهل بيت الرجل ، فقد عُبّر في اللغة مجازاً بأهل الرجل عن امرأته ، قال الزبيدي : " ومن المجاز : الأهل للرجل زوجته " (5).
أمّا أهل بيت الرجل : فهم من يجمعه وإيّاهم نسب ، وتعورف في أسرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
2ـ من الواضح أنّ أهل البيت متكوّنة من لفظتين هي : " أهل " التي ذكروا أنّها ولفظة " آل " بمعنى واحد ، وذكروا لهما معان متعدّدة بين الضيق والسعة ، يرجع إليها في البحث المتعلّق بمعنى " الآل " ، وهل هم أقرباء النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو أتباعه أو غير ذلك ؟
واللفظة الأُخرى فهي " البيت " ، فهل المراد منها المعنى الموضوع لها ـ وهو مكان السكن المتكوّن من الطين والخشب ، أي البيت المادّي ـ أو المراد منها هنا المعنى الاستعمالي ـ وهو بيت الذروة والشرف ومجمع السيادة ـ أي بيت النبوّة ؟
مع أنّه قد عرفنا من تنصيص أهل اللغة ما هو المعنى المراد من استعمال أهل البيت إذا جاءا معاً عند العرب ، وبالتالي لا فرق بين تعيين أيّ من المعنيين ، ولكن المعنيين المذكورين أصبحا مورداً لظهور شبهة سوف تأتي الإشارة إليها في النقاط التالية .
3ـ من الواضح أنّ المقصود من البيوت في قوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } (6)، وقوله تعالى : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } (7) هي البيوت المبنية من الطين والخشب ، وكذا في قوله تعالى : { بُيُوتَ النَّبِيِّ } (8) ، وهو غير المعنى المراد من مجموع لفظتي " أهل البيت " ، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة ، سواء قلنا إنّ المراد من لفظة بيت فيه الطين والخشب ، أو بيت الذروة والشرف ، وذلك واضح من الآية { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (9) .
أمّا إذا قلنا : إنّ المراد من " البيت " فيها هو بيت الطين والخشب ، فلأنّه قد أضاف جمع البيوت في { فِي بُيُوتِكُنَّ } إلى النساء ، وفي { بُيُوتَ النَّبِيِّ } إلى النبيّ ، وهنا عرّف البيت بالألف واللام العهدية لا الجنسية أو الاستغراقية كما هو واضح ، فإنّه لا يريد جنس البيوت ولا كلّ بيت بيت .
فتحصّل : أنّ هذا البيت المعهود ليس أحد تلك البيوت المنسوبة للنساء ، وإلاّ فما هو المرجّح بينها ، وإنّما هو بيت آخر غيرها معهوداً بين المتكلّم والمخاطب (صلى الله عليه وآله)، قد يكون بيت علي (عليه السلام) ، كما ذكر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما أشار إليه أبو بكر ، وقال : هل هذا البيت منها ؟ أي من البيوت التي أذن الله أن ترفع كما جاء في الآية ، فأجابه (صلى الله عليه وآله) : " نعم من أفضلها " (10) ، وبيت علي هو بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) بلا إشكال .
وهذا فيما لو تنزّلنا وقلنا بأنّ المراد هو هذا المعنى ، أي المصنوع من الطين والخشب ، وهو مورد الشبهة التي جاءت عند العامّة ، الذين قالوا بأنّ أهله كلّ من دخل تحت سقفه ، فالأزواج من أهله ، وقد عرفت الجواب مع أنّا قد ذكرنا أنّ المعنى المستعمل في المركب من اللفظين : " أهل " و " البيت " هو غير المعنى المفرد لكلّ منهما ، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة فلاحظ .
وأمّا إذا أُريد من البيت هو بيت الذروة والشرف وبيت النبوّة ، وأنّ المراد منه كما يراد من مثل قولهم أهل القرآن وأهل الله ، فعند ذلك لا يصحّ الدخول فيه إلاّ لمن حصل له الأهلية والاستعداد الكامل ، الذي يكون السبب في التنصيص عليهم من قبل الله تعالى ، فلا يراد منه إلاّ المنتمون إلى النبوّة والوحي بوشائج روحية خاصّة ، ولا يشمل كلّ من يرتبط ببيت النبوّة من طريق السبب أو النسب فحسب ، ولذا سألت أُمّ سلمة عن دخولها فيه ، فجاءها الجواب بالنفي ، وهذا البيت هو المراد منه { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ... } (11) ، كما تقدّم سابقاً في جواب النبيّ لأبي بكر .
وورد أيضاً : أنّ قتادة لمّا جلس أمام الإمام الباقر (عليه السلام) قال : لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك ، قال له أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : " ويحك أتدري أين أنت ؟ أنت بين يدي { بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ } فأنت ثمّ ونحن أولئك " ، فقال قتادة : صدقت والله جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين (12) .
ولعلّ هذا المعنى الثاني للبيت مأخوذ من المعنى المستعمل فيه " أهل البيت " كما نقلنا عن أصحاب اللغة .
4ـ وبعد كلّ ما تقدّم ، فقد عرفت ما هو المراد من لفظتي " أهل البيت " فيما إذا وردتا معاً ، وقد عرفت أنّ النزاع قائم في أنّ معنى أهل البيت هل هو واسع يشمل الزوجات أو أنّه مقتصر على أشخاص معينين هم أصحاب الكساء؟ فافترق المسلمون إلى أقوال ، ونحن نستدلّ بحديث الكساء الصحيح على حصرهم بالخمسة أصحاب الكساء ، إضافة إلى ما تقدّم كلّه .
فإذا تقرّر ذلك : نرجع إلى سؤالك فنقول : من الواضح أنّ المراد في { بُيُوتِكُنَّ } هو بيت الطين والخشب ، وهو يجمع إذ لو كان لشخص معيّن عدّة زوجات ، وكلّ منها اسكنها في بيت ، فيقال : هذه بيوت هذا الرجل ، أو بيوت زوجاته ، وأنّ المراد من " أهل البيت " معنى آخر هو ذو قرباه ومن يجمعه وإيّاهم نسب ، ولا تجمع لفظة " البيت " فيه بهذا المعنى ، إذ لم يعرف من كلام العرب أن يقولوا " أهل بيوت النبيّ " ، ويراد به هذا المعنى المتقدّم ، فإذا كان للرجل عدد من الأولاد من زوجات مختلفة أسكنهم في بيوت مختلفة ، فإنّهم يقال لكلّ أولاده : أهل بيت الرجل ، نعم قد يستعمل أهل بيوت الرجل ، لكن بمعنى من كان تحت سقوف بيوته ، أي يمكن أن يجمع بذلك المعنى الأوّل .
فإذا نظرنا إلى الآية ، نجد أنّ البيوت جاءت مجموعة عندما أضيفت إلى النساء ، وأنّها جاءت مفرداً عندما عرّفت بالألف واللام ، وتعلّقت بالأهل ، فتعرف أنّ البيوت المرادة هناك غير البيت المراد هنا ، فيمكن أنّ تكون إشارة لطيفة بلاغية على الاختلاف ، نظراً لإبدال التعبير من الجمع إلى المفرد ، ثمّ إلى الجمع في نفس الآيات ، ولكن لا يمكن أن يكون دليلاً مستقلاً ، وذلك لأنّا قلنا : إنّ البحث حول دخول الزوجات أو عدم دخولهن مرتبط بتحديد معنى ومفهوم أهل البيت ، سواء من اللغة أو القرآن أو السنّة .
فاختلاف المعاني المرادة من البيت لا يعني بالضرورة عدم دخول النساء في أهل البيت ، ألا ترى أنّه لا تناقض في الآيات لو ثبت فرضاً من دليل خارج أنّ النساء داخلات في " أهل البيت " .
نعم ، نعود ونقول إنّه مؤيّد ، وإشارة لطيفة تتمّ إذا ادعى مدعٍ أنّ المراد من البيت في " أهل البيت " في الآية هو البيت المحسوس من الطين والخشب ، وتتأكّد هذه الإشارة التي نوهنا إليها هنا ، إذا لاحظنا العودة إلى جمع البيوت مرّة أُخرى في آية { واذكرن } بعد آية التطهير ، فكأنّها تؤكّد أنّ هذه البيوت غير ذلك البيت ، وإلاّ لماذا عاد للتفريق بالجمع ، والإضافة إليهن بعد الإفراد والتعريف بالألف واللام العهدية .


______________
1- القاموس المحيط 3 / 453 .
2- لسان العرب 11 / 29 .
3- المفردات في غريب القرآن : 29 .
4- هود : 73 .
5- تاج العروس 7 / 217 .
6- الأحزاب : 33 .
7- الأحزاب : 34 .
8- الأحزاب : 53 .
9- الأحزاب : 33 .
10- الصراط المستقيم 1 / 293 .
11- النور : 36 .
12- خصائص الوحي المبيّن : 18 .