السؤال : أنا من أهل السنّة ، ولدي سؤال أرجو منكم الإجابة عليه :
اعلم أنّكم لا تحلّلون طعام أهل الكتاب ، وتعتبرونه محرّم ، وتقولون : إنّ المراد بقوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } (1) ، هو ليس الذبيحة ، وإنّما طعام آخر ، فما هو هذا الطعام ؟ وما هو دليلكم على أنّ المقصود بقوله تعالى ليس هو الذبيحة ؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل .
الجواب : ذهب فقهاء الشيعة إلى حرمة ذبيحة أهل الكتاب ، ودليلهم على ذلك هو الروايات المتواترة ، الدالّة على حرمة ذبيحة أهل الكتاب ، وروايات مفسّرة لآية المائدة ، الآية الخامسة تفسّرها : بأنّ المراد بها الحبوب والألبان وما شابه ذلك ، فإذا رجعت إلى مصادر الشيعة الحديثية وجدت فيها الروايات الكثيرة المتواترة ، المصرّحة بحرمة ذبيحة أهل الكتاب (2) .
وهناك مصادر أُخرى أيضاً وردت فيها روايات تحرّم ذبيحة أهل الكتاب ، وتفسّر الآية التي ذكرتها من سورة المائدة بالحبوب والألبان ، وما على شاكلتها ، وتنفي أن يكون المراد بها الذبيحة ، وهنا نذكر بعض الروايات :
الرواية الأُولى : روى الكليني (قدس سره) بسندٍ صحيح عن قتيبة الأعشى قال : سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده ، فقال له : الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني ، فتعرض فيها العارضة فيذبح ، أتأكل ذبيحته ؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : " لا تدخل ثمنها مالك ، ولا تأكلها ، فإنّما هو الاسم ، ولا يؤمن عليه إلاّ مسلم " .
فقال له الرجل : قال الله تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } (3) ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : " كان أبي يقول إنّما هي الحبوب وأشباهها " (4) .
الرواية الثانية : عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } (5)، فقال (عليه السلام): " العدس والحمص وغير ذلك " (6) .
الرواية الثالثة : صحيحة الحسين الأحمسيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قال له رجل : أصلحك الله ، إنّ لنا جاراً قصّاباً ، فيجيء بيهودي فيذبح له حتّى يشتري منه اليهود ؟ فقال (عليه السلام): " لا تأكل من ذبيحته ، ولا تشترِ منه " (7) .
إلى غير ذلك من الروايات ، التي بعضها يفسّر آية المائدة ، بأنّ المراد منها الحبوب والعدس والحمص ، بحيث لا يراد منه الذبيحة ، وبعضها ينهى عن أكل ذبيحة الكتابيّ ، ويحكم بعدم حلّيتها ، فلأجل ذلك ذهب جمهور فقهاء الشيعة إلى تحريم ذبيحة أهل الكتاب .
وأيضاً نقول : إنّ لفظ الطعام الوارد في الآية { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ ... } (8) وإن كان بحسب أصل اللغة يشمل كل ما يأكله الإنسان ويتقوّى به ، لكن هناك بعض اللغويّين ذكر : أنّ المراد بالطعام البر وسائر الحبوب .
ففي لسان العرب تحت مادة " طعم " قال : " وأهل الحجاز إذا أطلقوا اللفظ بالطعام عنوا به البرّ خاصّة " (9) .
وذكر عن الخليل أنّه قال : العالي في كلام العرب أنّ الطعام هو البرّ خاصّة .
وكلام ابن الأثير في النهاية يشير إلى ذلك أيضاً .
وعلى هذا ، فترتفع الغرابة في الذهاب إلى تحريم ذبيحة الكتابيّ ، وحمل الآية على غير الذبائح ، لأنّ الطعام في اللغة يكون موضوع للحبوب والبرّ .
وإذا لم تقبل بذلك ، وقلت : بأنّ الطعام لغة وهو كلّ ما يتقوّى به الإنسان ، فيشمل الذبيحة ، فنقول : دليلنا على حرمة ذبيحة الكتابي هو الروايات المفسّرة للآية الكريمة .
وقال الله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } (10) .
فهذه الآية الكريمة تحرّم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وتعبّر عنه بأنّه فسق ، وإذا رجعنا إلى آية الثلاثة من سورة المائدة ، وآية " 3 و 121 و 145 " من سورة الأنعام ، وسورة النحل والبقرة أيضاً نجد أنّ القرآن يعبّر عما لم يذكر اسم الله عليه بالرجس تارة ، وبالفسق أُخرى ، وبالإثم ثالثة ، فإذا كان هذا وصف ما لم يذكر اسم الله عليه ، فلا يمكن أن يكون حلالاً ومشمولاً لقوله تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } ، إذ الرجس والفسق والإثم لا يكون بأيّ حالٍ من الأحوال طيّباً ، فعليه لابدّ من حمل الآية على ما ذكرته الروايات ، من أنّ المراد بها الحبوب والعدس والألبان وما شاكلها ، لا ما يشمل الذبائح .
وهناك نكتة في الآية تساعدنا على أنّ المراد بحلّية طعام أهل الكتاب لنا ليست حلّية تكليفية ، وهي قوله تعالى : { وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } ، فإنّ من الجليّ لكلّ أحد أنّ الكتابيّ يأكل كلّ شيء ، ولا يحرّم طعام أي إنسان ، فما معنى أن يخاطبه الله بأنّ طعام المسلمين حلّ لكم ، لأنّ الكتابي لا يعرف الحرمة ولا الحلّيّة ، ولا يرى التكليف وغير ذلك ، فما معنى هذا الخطاب من الله تعالى لأهل الكتاب ، الذين لا يرون ذلك ؟
فنقول : هذا قرينة على أنّ الحلّيّة التي خاطب بها الله أهل الكتاب ليست حلّية تكليفية ، وإنّما الآية ناظرة إلى قضية ، وهي : أنّ المسلمين بعد أن بدأت تكاليف الشريعة الإسلامية استشكلوا في طعام أهل الكتاب ، لأنّهم على خلاف عقيدتهم ، وأصبحوا في شكّ من التعامل معهم ، وتناول ما بأيديهم ، فلذلك نزلت هذه الآية المباركة لتبيّن أنّ طعامهم حلال ، وإنّ تناوله غير مضرّ ، ولذلك أردفه بقوله : { وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } .
__________
1- المائدة : 5 .
2- أُنظر : الكافي 6 / 238 ، تهذيب الأحكام 9 / 63 ، وسائل الشيعة 24 / 52 ، الاستبصار 4 / 83 ، مستدرك الوسائل 16 / 148 .
3- المائدة : 5 .
4- الكافي 6 / 240 .
5- المائدة : 5 .
6- تهذيب الأحكام 9 / 88 .
7- الكافي 6 / 240 .
8- المائدة : 5 .
9- لسان العرب 12 / 364 .
10- الأنعام : 121 .
( عبد الله . البحرين . سنّي . 20 سنة . طالب جامعة ) ذبيحتهم في رأي فقهاء الشيعة
- الزيارات: 273