طباعة

الكفر والشرك والنفاق

 الكفر والشرك والنفاق

بإزاء الايات السابقة، هناك آيات كثيرة أشارت إلى موارد الكفر التي توجب دخول النار، وإحباط الاعمال، من قبيل الكفر باللّه ورسوله[41] والكفر بالاخرة وانكار المعاد[42].
وقد وصف الشرك في بعض الموارد بانه اساس السقوط الذي يستلزم الكفر بالتوحيد[43].
كذلك اعتبرت الكثير من الايات القرآنية، تكذيب آيات اللّه كفراً او فسرته بالكفر، والذي يعني في واقعه انكار النبوة[44].
كذلك ذكرت بعض الايات الكفر بآيات اللّه والكفر بالقيامة في آن معاً[45].
ويمكن القول ان الاية التي جمعت موارد الكفر في قبالة الايات التي جمعت موارد الايمان، الاية 136 من سورة النساء، والتي جاء فيها قوله تعالى: (... ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيداً).
وتشترك كل هذه الموارد في حقيقتها، لذلك قال تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يُقبل منه)[46].
والنفاق في واقعه ليس سوى كفر باطني وإيمان ظاهري، ولان سعادة الانسان وشقاءه متعلّقين بحقائقه الباطنية، فان المنافقين يصنفون في زمرة الكفار بناءً على حقيقة باطنهم، بل هم اسوأ من الكفار بحيثية عمق ضررهم بالمجتمع الاسلامي الذي يجهل حقيقتهم بحكم تظاهرهم بالاسلام. لذلك هناك الكثير من الايات التي تؤكد ان للمنافقين اشد انواع العذاب كما في قوله تعالى:
(ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار)[47].
وقوله تعالى:
(ان اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا)[48].
ونظراً لما أشرنا إليه، فالنفاق ليس شيئاً آخر غير الكفر، فما هو موجود في الواقع إما الكفر أو الايمان.
وقد يقال إن الشرط اللازم للسعادة هو إعلان الشهادتين، فالكثير من الروايات تربط بين اسلام المرء وشهادته بالتوحيد والنبوة، بل زعم البعض أن الشهادتين كافيتان وحدهما في تحقق الايمان.
وهذا الكلام يدلّ على خلط واضح بين الاحكام الظاهرية وبين المسائل المعنوية والابعاد الواقعية، في الوقت الذي توجد فيه خطوط انفصال بارزة بين الامرين. فالروايات التي اعتبرت ان المتشهد بالشهادتين تجري عليه أحكام الاسلام الظاهرية في صعيد الاموال والزواج والارث و... كانت في مقام تبيين الحكم الفقهي الظاهري لتأمين مصالح المسلمين الدنيوية، دون أن يكون لها ارتباط بالجانب المعنوي والسعادة الاُخروية للانسان لذلك فلو التزم المُقرّ بالشهادتين بكافة الاحكام الاسلامية، لكن الايمان بالرسل والكتب والملائكة لم يكن قد دخل قلبه، فإنه سيحرم من السعادة، أما انطباق الاحكام الاسلامية عليه من حقه في الارث والزواج وصيانة عرضه وماله ونفسه، فتلك أحكام فقهية اجتماعية تنطوي على مصالح اجتماعية ولا علاقة لها بالسعادة والشقاوة الحقيقيتين في عالم الاخرة. فملاك سعادة الانسان الابدية إيمانه القلبي، وليس للاقرار بالشهادتين أي تأثير فيها. وقد قال تعالى بهذا الخصوص:
(قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم)[49].
فهؤلاء يستفيدون من آثار إسلامهم، لكنهم محرومون من ثمرات الايمان.

_____________________________________
([41]) الفتح، 13.
([42]) كما في: الانعام 27 و29 و31، الاعراف 147 ـ يونس 7 و8 ـ الفرقان 11 ـ النمل 4 ـ سبأ8 .
([43]) كما في: النساء 116 ـ التوبة 113 ـ الاسراء 39 ـ الحج 31 ـ الزمر 66 .
([44]) كما في: آل عمران 4 ـ النساء 56 ـ المائدة 10 و86 ـ الانعام 49 ـ الاعراف 36 و40 ـ الحج 57 ـ الزمر 63 .
([45]) كما في العنكبوت: 23، الروم: 16.
([46]) آل عمران: 85 .
([47]) النساء: 145.
([48]) النساء: 140.
([49]) الحجرات: 14.