المرأة في الجاهلية والاسلام( 1 )
* الشيخ محمد هادي اليوسفي
نشرت مجلة النهج التي تصدر في دمشق في عددها الحادي والاربعين من السنة الحادية عشرة ، مقالاً تحت عنوان المرأة في الجاهلية وفي الاسلام ، لكاتبه هادي العلوي، تعرض فيه إلى عدة مسائل تدور حول وضع المرأة في الجاهلية وفي الاسلام ، ومن خلال المقارنة بين الوضعين أثار الكاتب بعض الابهامات والشبهات حول نظرة الاسلام للمرأة ، وأنها لا تتمتع بحقوقها كاملة في ظل النظام الاسلامي ، مبرزاً الجانب الايجابي لوضع المرأة في الجاهلية ، وبعد أن دس الخطأ بالصواب وخلط الغث بالسمين ، جاء بآراء وافكار لا تمت إلى الاسلام بصلة ، جاهلاً أو متجاهلاً نظرة الاسلام الشمولية والواقعية للكون والحياة ، خصوصاً نظرته الواقعية وموقفه الرائع من المرأة في كل ادوار حياتها ، وتشريعاته التي رفعت من شأنها ، وأخذت بيدها كي تحتل موقعها المناسب في المجتمع الاسلامي ، تلك التشريعات التي فاقت ورجحت على جميع الانظمة السائدة حتى يومنا هذا ، مما دفع المرأة الغربية المعاصرة للاقبال على الاسلام واعتناقه ; لما فيه من حفظ لكرامتها وحقوقها التي أهدرت في ظل الانظمة الوضعية للحضارة الغربية .
ثم عرّج الكاتب على مدرسة اهل البيت(عليهم السلام) ، وأثار مسائل وآراء تتعلق بالمرأة نسبها إلى عقائد وفقه هذه المدرسة الاسلامية الكبرى ، مجانباً في ذلك الحق والحقيقة ، ومجافياً الواقع فيما ادعاه .
وبين يديك عزيزنا القارئ ، رد سريع على اهم الاراء والشبهات التي اوردها الكاتب في مقاله المشار إليه ، على أمل أن ننشر دراسات وبحوث وافية في هذا الموضوع المهم في الاعداد القادمة إن شاء اللّه .
التحرير
في حالة الجاهلية قبل الاسلام ، لم يكن العرب على موقف موحَّد بالنسبة إلى الاناث من مواليدهم ، ولا ريب أن سرّ ذلك كان في وأد بعضهم لبناتهم بأيديهم .
ولعل ذلك هو السبب لمبادرة القرآن الكريم إلى التنديد به في سابع سوره القصار التكوير( 1 ) في قوله تعالى : (وإذا الموءودة سئلت * بأيّ ذنب قُتلت)( 2 )، فالسورة من الاوائل نزولاً، والتنديد بوأد البنات من أوائل ما انكره الاسلام والقرآن على المشركين بعد شركهم ووثنيتهم.
وأما السيرة العملية لرسول الاسلام نفسه مع امرأته وأولاده بنين وبنات ، حتى من قبل أن يصدع بما أمر به من القرآن ، فقد اكرم امرأته خديجة بنت خويلد واكرم أولاده منها بنين وبنات : القاسم والطاهر ، وأم كلثوم ورقية وزينب ، وكذلك ما رُزق منها بعد الاسلام فاطمة الزهراء(عليها السلام)( 3 )، فَلَم يُتّهم بأي تفريق في تكريمه لاولاده بنين وبنات ، اللّهم إلاّ ما أولاه من عنايته الخاصة بابنته الزهراء فاطمة(عليها السلام) ، وذلك لاسباب خاصة تُطلب من مظانّها ، وليس هنا محلها .
وبعد سورة التكوير السابعة نزولاً في أوائل البعثة النبوية الشريفة ، عاد وحي القرآن الكريم في سورة الاسراء الخمسين نزولاً( 4 ) ـ ولعلها كانت في أوائل السنة الخامسة للبعثة ـ إلى التنديد بوأدهم بناتهم ، بزيادة أنه عرّج هذه المرة على علّتهم في ذلك في قوله سبحانه : (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خِطئاً كبيراً)( 5 ) .
وعاد ايضاً في سورة الانعام الخامسة والخمسين نزولاً( 6 ) ـ ولعلها كانت في أواخر السنة الخامسة للبعثة أيضاً ـ فقال تعالى : (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم)( 7 ) .
وفي سورة النحل السبعين نزولاً( 8 ) ـ ولعلها كانت في أواخر السنة السابعة للبعثة ـ عاد القرآن الكريم إلى التنديد لا بوأدهم بناتهم ، بل بسوء استقبالهم لميلادهنّ في قوله تعالى : (وإذا بُشّر أحدهم بالانثى ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه على هُون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يزرون)( 9 ) .
ولم يخف على النبي(صلى الله عليه وآله) صعوبة تغيير العادات ، فواصل في أحاديثه وعلاقاته الشخصية ترويضهم على المساواة بين الجنسين من أولادهم .
من ذلك ما أخرجه ابن عساكر عن أنس بن مالك قال : « إن رجلاً كان جالساً مع النبي ، فجاء ابن له فأخذه فقبّله وأجلسه في حجره ، ثم جاءت ابنة له فأجلسها إلى جنبه، فقال له رسول اللّه: هلاّ عدلت بينهما»( 10 ).
واستضاء صاحب الاحياء من هذا الضياء الالهي ، إذ قال فيما قال من آداب توابع النكاح : « إن من آداب الولادة ألاّ يفرح بالذكر ويحزن بالانثى ; فإنه لا يدرى الخيرة له في أيّ منهما ، فكم من صاحب ابن يتمنّى ألاّ يكون له ولد ، أو يتمنّى أن لو كانت بنتاً ، بل السلامة منهنّ اكثر والثواب فيهن أجزل»( 11 ).
وأي ثواب أجزل من أن «الجنة تحت اقدام الامّهات» ، ووعدها ايضاً من كثرت بناته فصبر عليهنّ وأدبهنّ وزوّجهن ، وجعل له حق الابوة إذ قال : « الاباء ثلاثة : أبٌ ولَدك ، وأبٌ علّمك ، وأبٌ زوَّجك » ، ومع ذلك وضعوا عن لسانه حديثاً يزعم أن « دفن البنات من المكرمات »( 12 ) مناقضاً للقرآن الكريم .
_________________________________
(1) التمهيد 1 : 104 .
(2) التكوير : 8 و 9 .
(3) قرب الاسناد: 6، كما عنه في بحار الانوار 22:151، وراجع موسوعة التاريخ الاسلامي 1 : 339.
(4) التمهيد 1 : 105 .
(5) الاسراء : 31 .
(6) التمهيد 1 : 105.
(7) الانعام : 151 .
(8) التمهيد : 106 .
(9) النحل : 58 ـ 59.
(10) من تهذيب عبد القادر بدران 4 : 54.
(11) إحياء علوم الدين 2:46.
(12) اللائي المصنوعة في الاحاديث الموضوعة للسيوطي، تناوله وأثبت بطلانه بمناقضته للقرآن.