طباعة

( هدى صالح . أمريكا . ... ) بعض أقوال علماء الشيعة فيه

السؤال : الأساتذة في مركز الأبحاث العقائديّة .
أشدّ على أيديكم ، وأسأل المولى عزّ وجلّ أن يوفّقكم لكلّ خير ، ولي طلب بسيط ، وهو : أنّكم ذكرتم الكثير عن موضوع تزويج أُمّ كلثوم من عمر ، ويحقّ للإنسان أن يشكّ في أصل هذا الزواج ، ولا يعير له أيّ أهمّية ، ولكن أُريد منكم أن تذكروا لنا بعض الأقوال لعلمائنا القدامى والمعاصرين بنصّها ، وذلك إتماماً للفائدة .
الجواب : في مقام الجواب ننقل لكم بعض الأقوال ، والروايات بنصّها :
1ـ قال الشيخ المفيد (قدس سره) في بعض رسائله : ( إنّ الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين (عليه السلام) من عمر غير ثابت ، وطريقه من الزبير بن بكّار ، ولم يكن موثوقاً به في النقل ، وكان متّهماً فيما يذكره ، وكان يبغض أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وغير مأمون فيما يدّعيه على بني هاشم . وإنّما نشر الحديث إثبات أبي محمّد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه ، فظنّ كثير من الناس أنّه حقّ لروايته رجل علوي له ، وهو إنّما رواه عن الزبير بن بكّار .
والحديث نفسه مختلف : فتارة يروى : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) تولّى العقد له على ابنته .
وتارة يروى : أنّ العباس تولّى ذلك عنه .
وتارة يروى : أنّه لم يقع العقد إلاّ بعد وعيد من عمر ، وتهديد لبني هاشم .
وتارة يروى : أنّه كان عن اختيار وإيثار .
ثمّ إنّ بعض الرواة يذكر إنّ عمر أولدها ولداً أسماه زيداً .
وبعضهم يقول : إنّه قتل من قبل دخوله بها .
وبعضهم يقول : إنّ لزيد بن عمر عقباً .
ومنهم من يقول : إنّه قتل ولا عقب له .
ومنهم من يقول : إنّه وأُمّه قُتلا .
ومنهم من يقول : إنّ أُمّه بقيت بعده .
ومنهم من يقول : إنّ عمر أمهر أُمّ كلثوم أربعين ألف درهم .
ومنهم من يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم .
ومنهم من يقول : كان مهرها خمسمائة درهم .
ويبدو هذا الاختلاف فيه يبطل الحديث ، فلا يكون له تأثير على حال .
ثمّ إنّه لو صحّ لكان له وجهان ، لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدّمين على أمير المؤمنين (عليه السلام) .
أحدهما : أنّ النكاح إنّما هو على ظاهر الإسلام الذي هو الشهادتان ، والصلاة إلى الكعبة ، والإقرار بجملة الشريعة ، وإن كان الأفضل مناكحة من يعتقد الإيمان ، وترك مناكحة من ضمّ إلى ظاهر الإسلام ضلالاً لا يخرجه عن الإسلام ، إلاّ أنّ الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الإسلام ، زالت الكراهة من ذلك ، وساغ ما لم يكن بمستحبّ مع الاختيار .
وأمير المؤمنين (عليه السلام) كان محتاجاً إلى التأليف ، وحقن الدماء ، ورأى أنّه إن بلغ مبلغ عمر عمّا رغب فيه من مناكحة ابنته أثّر ذلك الفساد في الدين والدنيا، وأنّه إن أجاب إليه أعقب صلاحاً في الأمرين ، فأجابه إلى ملتمسه لما ذكرناه .
والوجه الآخر : أنّ مناكحة الضال ـ كجحد الإمامة وادعائها لمن لا يستحقّها ـ حرام ، إلاّ أن يخاف الإنسان على دينه ودمه ، فيجوز له ذلك ، كما يجوز له إظهار كلمة الكفر المضادّة لكلمة الإيمان ، وكما يحلّ له أكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورات ، وإن كان ذلك محرّماً مع الاختيار .
وأمير المؤمنين (عليه السلام) كان مضطرّاً إلى مناكحة الرجل ، لأنّه يهدّده ويواعده ، فلم يأمن منه أمير المؤمنين (عليه السلام) على نفسه وشيعته ، فأجابه إلى ذلك ضرورةً ، كما قلنا : إنّ الضرورة تشرّع إظهار كلمة الكفر ، قال الله تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } (1) .
وليس ذلك بأعجب من قوم لوط (عليه السلام) ، كما حكى الله تعالى عنه بقوله : { هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } (2) ، فدعاهم إلى العقد عليهن لبناته ، وهم كفّار ضلال ، قد أذن الله تعالى في إهلاكهم .
وقد زوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام : أحدهما عتبة بن أبي لهب ، والآخر أبو العاص بن الربيع ، فلمّا بعث النبيّ (صلى الله عليه وآله) فرّق بينهما وبين ابنتيه ، فمات عتبة على الكفر ، وأسلم أبو العاص بعد إبانة الإسلام ، فردّها عليه بالنكاح الأوّل ) (3) .
2ـ قال المحقّق التستري في قاموس الرجال : ( أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال : هي كنية زينب الصغرى .
أقول : ما ذكره هو المفهوم من الإرشاد ، فقال في تعداد الأولاد له (عليه السلام) : زينب الصغرى المكنّاة بأُمّ كلثوم من فاطمة (عليها السلام) .
إلاّ أنّ الظاهر وهمه ، فاتفق الكلّ حتّى نفسه على أنّ زينب الصغرى من بناته (عليه السلام) لأُم ولد ، فلو كانت هذه أيضاً مسمّاة بزينب ، كانت الوسطى لا الصغرى ، وظاهر غيره كون أُمّ كلثوم اسمها ، فلم يذكر غيره لها اسماً ، بل قالوا : في بناته من فاطمة (عليها السلام) زينب الكبرى ، وأُمّ كلثوم الكبرى ، وقالوا : زينب الصغرى ، وأُمّ كلثوم الصغرى من أُمّهات أولاد ، كما في نسب قريش مصعب الزبيري ، وفي تاريخ الطبري ، وغيرهما .
وبالجملة ، أُمّ كلثوم له (عليه السلام) اثنتان : الكبرى من فاطمة (عليها السلام) ، والصغرى من أُم ولد ، ولم يعلم لإحداهما اسم .
قال المصنّف : في الأخبار : أنّ عمر تزوّجها غصباً ، وللمرتضى رسالة أصرّ فيها على ذلك ، وأصرّ آخرون على الإنكار ... قال الصادق (عليه السلام) :
( لما خطب عمر ... ) .
وفي نسب قريش مصعب الزبيري : ماتت أُمّ كلثوم وابنها زيد بن عمر ، فالتقت عليهما الصائحتان فلم يدر أيّهما مات قبل ، فلم يتوارثا .
وروى مثلها الشيخ ، وقالوا : كان لها منه بنت مسمّاة برقية أيضاً .
وزاد البلاذري بنتاً أُخرى مسمّاة بفاطمة ، ولم أر غيره قال ذلك .
هذا ، وفي معارف ابن قتيبة : تزوّجها بعد عمر محمّد بن جعفر ، فمات عنها ، ثمّ تزوّجها عون بن جعفر ، فماتت عنده .
وفي نسب قريش مصعب الزبيري : تزوّجها بعد عمر عون بن جعفر فمات عنها ، وتزوّجها عبد الله بن جعفر فمات عنها ) (4) .
3ـ وفي اللمعة البيضاء : ( قال عمر في آخر خطبته : أيّها الناس لو اطلع الخليفة على رجل منكم أنّه زنى بامرأة ، ولم يكن هناك شهود ، فماذا كنتم تفعلون ؟ قالوا : قول الخليفة حجّة ، لو أمر برجمه لرجمناه .
فسكت عمر ثمّ نزل ، فدعا العباس في خلوة وقال : رأيت الحال ؟ قال : نعم .
قال : والله لو لم يقبل علي خطبتي لقلت غداً في خطبتي أنّ هذا الرجل علي فارجموه ) (5) .
4ـ روى الشيخ الكلينيّ بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تزويج أُمّ كلثوم ، أنّه قال : ( إنّ ذلك فرج غصبناه ) .
وعن هشام بن سالم ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : ( لمّا خطب إليه ، قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّها صبية ، قال : فلقى العباس ، فقال له : ما لي أبي بأس ؟ قال : وما ذاك ؟
قال : خطبت إلى ابن أخيك فردّني ، أما والله لاعورنَّ زمزم ، ولا أدع لكم مكرمة إلاّ هدمتها ، ولأقيمنَّ عليه شاهدين بأنّه سرق ، ولأقطعنّ يمينه ، فأتاه العباس فأخبره ، وسأله أن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه ) (6) .
5ـ قال العلاّمة المجلسيّ في مرآة العقول : هذان الخبران لا يدلاّن على وقوع تزويج أُمّ كلثوم (رضي الله عنها) من الملعون المنافق ضرورة وتقيّة ، وورد في بعض الأخبار ما ينافيه ، مثل ما رواه القطب الروانديّ عن الصفّار ، بإسناده إلى عمر بن أذينة قال : قيل لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ الناس يحتجّون علينا ويقولون : إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) زوّج فلاناً ابنته أُمّ كلثوم ، وكان متمكّناً ، فجلس وقال : ( أيقولون ذلك ؟ إنّ قوماً يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل ، سبحان الله ! ما كان يقدر أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يحول بينه وبينها فينقذها ؟! كذبوا ولم يكن ما قالوا ، إنّ فلاناً خطب إلى علي (عليه السلام) بنته أُمّ كلثوم ، فأبى علي .
فقال للعباس : والله لئن لم تزوّجني لأنتزعنّ منك السقاية وزمزم ، فأتى العباس عليّاً فكلّمه ، فأبى عليه ، فألحّ العباس ، فلمّا رأى أمير المؤمنين مشقّة كلام الرجل على العباس ، وأنّه سيفعل بالسقاية ما قال ، أرسل أمير المؤمنين إلى جنّية من أهل نجران يهوديّة ، يقال لها : سحيقة بنت جريرية ، فأمرها ، فتمثّلت في مثال أُمّ كلثوم ، وحجبت الأبصار عن أُمّ كلثوم ، وبعث بها إلى الرجل ، فلم تزل عنده ... ) (7) .
وقال (قدس سره) في معنى الحديث الأوّل : فالمعنى غصبناه ظاهراً وبزعم الناس إن صحّت تلك القصّة .
6ـ وقال العلاّمة المجلسيّ أيضاً في بحار الأنوار : ( بعد إنكار عمر النصّ الجلي ، وظهور نصبه وعداوته لأهل البيت (عليهم السلام) ، يشكل القول بجواز مناكحته من غير ضرورة ولا تقيّة ، إلاّ أن يقال بجواز مناكحة كلّ مرتدّ عن الإسلام ، ولم يقل به أحد من أصحابنا ) (8) .
7ـ قال الأُستاذ علي محمّد علي دخيّل في أعلام النساء : ( ومن هذه الزواجات الوهمية ـ وما أكثرها ـ زواج أُمّ كلثوم بنت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من عمر بن الخطّاب ) (9) .
روى ابن عبد البرّ وابن حجر وغيرهما : خطبها عمر بن الخطّاب إلى علي بن أبي طالب فقال : ( إنّها صغيرة ) ، فقال له : زوّجنيها يا أبا الحسن ، فإنّي أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد .
فقال له علي : ( أنا أبعثها إليك ، فإن رضيتها فقد زوّجتكها ) ، فبعثها إليه ببرد ، وقال لها : ( قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ) ، فقالت ذلك لعُمر ؟
فقال : قولي له : قد رضيتُ ، ووضع يده على ساقها فكشفها ، فقالت : أتفعل هذا ؟! لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثمّ خرجت حتّى جاءت أباها فأخبرته الخبر ، وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء ، فقال : ( يا بنيّة إنّه زوجك ) (10) .
وقال : إنّ جُلّ من ذكر زواجها من عمر ، ذكر أنّه تزوّج بها عون بن جعفر بعد قتل عمر ، وعون هذا استشهد يوم تستر سنة 17 للهجرة في خلافة عمر ، فكيف يتزوّج بها من بعده ؟
وأغرب ما جاء في تهويس القوم في هذه المهزلة ، هو كلام ابن عبد البر ، فقد قال : ومحمّد بن جعفر بن أبي طالب هو الذي تزوّج أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد موت عمر بن الخطّاب .
وقال في نفس الكتاب : استشهد عون بن جعفر وأخوه محمّد بن جعفر في تستر ، مع العلم بأنّ يوم تستر كان في خلافة عمر ، وقبل وفاته بسبع سنين ، فكيف يستقيم ما ذكره ؟
وقال أيضاً : الصورة التي مرّت عليك من إرسال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ابنته إلى عمر ، وهو يكشف عن ساقها ، وهي لا تعلم بالأمر ، فهل ترتضيها أنت أيّها القارئ الكريم بنفسك فضلاً عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟


________________
1- السنن الكبرى للبيهقيّ 7 / 357 .
2- النحل : 106 .
3- هود : 78 .
4- المسائل السروية : 86 .
5- قاموس الرجال 12 / 216 .
6- اللمعة البيضاء : 281 .
7- الكافي 5 / 346 .
8- مرآة العقول 20 / 42 .
9- بحار الأنوار 42 / 109 .
10- أعلام النساء : 14 .