• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الطلاق في الاسلام

الطلاق في الاسلام

وكما قيد الاسلام قيمومة الرجل على المرأة ، كذلك لم يترك حقّه في طلاقها بلا حدود وقيود ، بل قيده بقيود عديدة تذكّر بالمثل السائر: «الشيءُ كلّما كثر قيوده عزّ وجوده» وللغاية نفسها ، فلم يترك الطلاق لعبة تقع بمجرد التحدث به ، أو بمجرد أن يقول لها : أنت طالق، أو أن يقول لها في سورة غضب : «أنت عليّ ، أو ظهرك علي كظهر أمي» فتحرم عليه ، كما كان عليه اهل الجاهلية (ولم تكن المرأة في الجاهلية تتبادل هذا الحق مع الرجل ، كما أوهمه الواهم»( 53 ) ، فالاسلام لم يكرّس في شرعه للرجل هذا الانطلاق الجاهلي ، بل حرّمه وأوجب عليه كفارة الظهار طريقاً من طرق تحرير رقاب الارقّاء العبيد والاماء حسبةً للّه تعالى .
هذه نقطة ، ونقطة اخرى هي أن المرأة هي الاخرى تملك حق الطلاق ايضاً في صيغة المخالعة ، ويستند هذا الحق فيما يستند إلى قضية زوجة ثابت بن قيس التي جاءت إلى رسول اللّه وقالت له : «يا رسول اللّه ، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في دين ولا خلق ، ولكني اكره الكفر في الاسلام» ، وكان ثابت دميماً وهي حسناء ، فسألها النبي : « أتردّين عليه حديقته ؟ فقالت : نعم » ، فدعاه رسول اللّه وقال له : «اقبل الحديقة وطلِّقها تطليقة» ، ونصّ القرآن الكريم على ذلك فقال تعالى : (ولا يحلّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به)( 54 ) ، وأفادت أن المرأة يمكنها التنازل عن مهرها إذا هي رغبة في طلاقها ، والمستنبط منها فقهياً جواز التفريق بالخلع لوجود ما ينفّرها منه ، فيمكنها أن تطلب المخالعة بتنازلها عن مهرها ، ويمكنها أن تتحمل وتواصل عيشها معه.
وهناك حالة أخرى ، وهي أن يكون مضيّقاً عليها ظالماً لها ، فيرى الحاكم أن يرغمه على طلاقها .
وتوجد حالة ثالثة ، وهي شرط الرجل في عقد زواجه بالمرأة لها كل ما ترغب فيه ، وتشترطه لنفسها عليه إلاّ شرطاً يخالف الكتاب والسنة ، ومنه أنه اذا تزوّج عليها فهي وكيلة عنه منذ الان ووكيلة عنه لتوكيل ثالث عنه ليطلّقها عنه ، فتتخيّر بذلك بين الانفصال واستمرار اتصال حبال الزوجية والنكاح والبقاء على عهدته وذمّته . هذا هو التخيير الشرعي الوحيد لها من دون مشروعية أيّ تخيير آخر .
والان بعد هذه الاطلالة لنا أن نردّ على الفكرة السائدة حول الطلاق وأنه من حق الرجل وحده ، وقد مرّ بنا سابقاً أن الاسلام أعطى المرأة حق الشكوى إذا قصر الزوج عن واجبه الجنسي ووضع حدّاً أقصى يجوز بعده رفع دعوى قضائية لذلك ، وهو أن يتركها أكثر من أربعة أشهر سفراً أو أكثر من أربعين ليلة حضراً ، ويشمل حق الشكوى حالات العجز والعنّة ، ويجوّز لها طلب التفريق فيها .
أما إذا اراد العزل زوج لا يريد الانجاب من علاقة جنسية مع امرأة ما لا يراها صالحة لان تكون أم أولاده ، والمقصود بالعزل أن يقذف خارج الرحم لمنع الحمل ، وقد أقرّ ذلك جلّ علماء المذاهب الاسلامية ، فالمحقق الحليّ من كبار فقهاء الشيعة في القرن السابع الهجري في بابل العراق ، أقرّه للرجل ، واشترط أن يكون باتفاق الزوجين ورضاهما( 55 ) وأباحه قبله من اهل السنة الغزالي ، وردّ على القائلين بتحريمه في آداب النكاح من إحيائه ، وقد رويت أحاديث نبوية فيه ، فليس الفقهاء في هذه المسألة يخالفون نبيّهم ، ولا يعدّلون احكامه بمراعاة الظروف ، كما أوهمه الواهم( 56 ) ، نعم ، يمنع الاجهاض باتفاق الفقهاء بلا خلاف فيما بينهم ، فهو من الاحكام الوفاقية المجمع عليها لديهم ، بل حتى في سابق الاديان الالهية السماوية .
واشتراط جمع من فقهاء الاسلام أن يكون العزل باتفاق الزوجين ورضاهما( 57 ) كما مرّ ، يرفع من مكانة المرأة إلى مساواة الرجل ومصافّه ، بينما لو تركنا هذا الفقه وصعدنا إلى اليونان ـ آباء الفكر الاوربي الحالي ـ وجدنا ارسطو يقول في كتاب السياسة : «إن الطبع (الطبيعة) هو الذي عيّن المركز الخاص للمرأة والعبد»( 58 ) ، فالذي نراه في تخريجات ارسطو أن المرأة تُعامل لديه كالعبد ، في مجتمع عبودي متداخل مع مجتمع بدائي في مجتمعات غابرة تدفن فيها المرأة حيّة مع زوجها المتوفى . أما الجاهليون من العرب فقد كانوا يمدّدون عدّة الارملة إلى سنة ، تلزم فيها المرأة باجتناب الزينة ولبس الثياب الخشنة الخلقة ولزوم بيتها ، وكأنها عقوبة معوّضة عن دفنها معه في تلك المجتمعات الغابرة ، وكأن عليها قدراً من المسؤولية عن الزوج المتوفى يتعيّن على المرأة أداؤه ، بالامتناع عن الزواج ولزم البيت سنة مع لبس أخشن الثياب وإهمال الزينة ، فليست العدّة هنا لمجرّد التأكد من عدم وجود حمل منه لديها . أجل ، هكذا أُخضعت المرأة الجاهلية للعدة .
وكذلك أُخضعت المرأة المسلمة للعدّة ، ولكن عدة المطلقة ثلاثة أشهر تقريباً وعدة الارملة أربعة اشهر ، وليس على المطلقة قيد يزيد على عدم الزواج في هذه المدة ، وهو نفس القيد بخصوص الارملة . والقصد من هذا القيد التأكد من كون المرأة حاملاً من زوجها المطلّق أو المتوفى عنها ، حتى تتعيّن نسبة المولود إلى أبيه ولا يختلط مع الزوج الجديد . وقد عالج الاسلام عدة الارملة على غرار المطلقة ، سوى زيادة الشهر على مدة العدة ، وقننها بالتأكد من ظهور علامات الحمل ، فإنها إذا كانت حاملاً وولدت تكون في حل من الزواج بآخر فور انتهاء مدة النفاس إن كان لها نفاس ، ولا يكون اكثر من اقصى فترة الحيض ، عشرة أيام ، وما زاد فلا حرج منه عليها ، فهو استحاضة حتى ولو كانت كثيرة ، في مذهب اهل البيت(عليهم السلام) ، فالارملة تُعفى من استكمال العدة إن ولدت ، وقد ثبت هذا بنص قرآني في الاية الرابعة من سورة الطلاق في قوله سبحانه : (واولات الاحمال أجلهنّ أن يضعن حملهن) ، أي إن أجل العدة ينتهي بالولادة ، وليس في القرآن والحديث والسنة نص آخر فيه قيود زائدة على عدة الارملة ، فهذا التشريع قد قلّص مدة العدة الجاهلية من سنة إلى أربعة اشهر ، بلا قيود زائدة الزامية ، اللهم إلاّ الندب إلى آداب وسنن مستحبة يكره تركها ولا يحرم ; ففي جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفي ، وهو اكبر موسوعات الفقه الشيعية ، يورد المؤلف أحاديث عن الامام الصادق(عليه السلام) تجيز للمعتدة أن تتزيّن لغير ريبة (أي ألاّ يكون من نيّتها وقصدها اضهار زينتها لاغراء الرجال) ، وأن تخرج بها من بيتها بل دارها ، غير مشروط بضرورة ، ولكنه مكروه بغير ضرورة( 59 ) ، فلا يجب عليها أن تلزم منزلها حسب العادة الجاهلية ، وإنما يستحب لها ذلك وتندب إليه بغير الزام ووجوب كما أوهم الواهم( 60 ) .
وقد أورد المسألة والحكم المحقق الحلي كذلك في كتاب النكاح من شرائع الاسلام ، وهو وإن كان متأخراً عن الشيخ الطوسي بقرنين تقريباً ، فهو عربي هُذلي من بني هُذيل ، وقد نصّ على جوازها ، فلم يتجه قول من اتهم بهذا الحكم الفقهاء من اصل فارسي ومنهم الطوسي ، باعتبار أن الفرس اقرب إلى هذه الامور لاباحتهم قديماً نكاح المحارم ، كما أوهمه الواهم( 61 ) . فالفقهاء الشيعة من اصل عربي كذلك لا ينقضون هذا الحكم كما اقرّ به الواهم ، وهل يعتبر ائمة اهل البيت من الباقر والصادق والكاظم(عليهم السلام)من الاعاجم ؟! كلاّ ، ولكن الشريعة الاسلامية تضمنت احكاماً للجنس تجعل ممارسته ميسورة وقليلة الكلفة ، وتناولها الفقهاء احكاماً إلهية حسب الادلة الفقهية الشرعية ، ذلك أن الشريعة كبحت الغريزة الجنسية بمقدار الكفاية ، وأخضعتها للارادة الشرعية بما يماثل المثل الاجتماعية الصالحة ، والشريعة بعد شريعة توازن وحكمة وليست شريعة الرهبانية والكبت ، نعم ، الى مثل هذا تستند هذه الاحكام الشرعية ، لا إلى افتراض أولية الغريزة الجنسية وعدم اخضاعها وكبحها ، كما اوهمه الواهم( 62 ) .
أجل ، إن الحضارة الاوربية انطلقت من اولية الغريزة الجنسية ، وعدم الحاجة إلى كبحها بالمثل الاجتماعية أو اخضاعها للارادة ، وتوغل الطور الاميركي الراهن من الغربيين إلى مدى أن أدرجوا في قوانينهم احكاماً تتعلق بالشذوذ الجنسي للرجال والنساء ، أضفيت عليه نفس الشرعية القائمة في الزواج الشرعي ، بينما الشريعة الاسلامية تعاقب على هذا اللون من الممارسة الجنسية ، فإن كنّ نساءً فعليهن حدّ المساحقة ، ثمانون جلدة ، وإن كانوا رجالاً أوقبوا فالاعدام، وإلاّ فحدّ التفخيذ مئة جلدة . أما ممارسة الشذوذ مع الزوجة ولو برضاها ، فقد اتفقت الكتب الاربعة للصدوق والكليني والطوسي على حديث نبوي ظاهر في تحريمه ، ولو أن بعض الشيعة ومعهم بعض المالكية من السنة حملوه على الكراهة الشديدة ، ولم يحترموه إذا كان برضاها هي ، ومع ذلك وهم الواهم أن جنسانية الغربيين أعدل من جنسانية الاسلام ; لانها تعم الجنسين . هذا وهو يقول : «ولو أنها بهذا المعدل فتحت باباً أوسع للعاهات الجنسية ، وآخرها وباء الايدز الذي هو مرض غربي في المقام الاول»( 63 ) .
وأوهم هذا الواهم أن الشيعة خاصة توسعوا في احكام النكاح ، ويدخل فيه اباحة المتعة المحرمة عند غيرهم لمخالفة عمر بن الخطاب لها ، وأحلّوا جِماع الفَهر للجواري ، وهو محرم في بقية المذاهب( 64 ) ، والحقيقة والواقع أنه محرم في كل المذاهب ، بحرمة نظر الجارية الاخرى إلى عورة مثلها ، بل حرمة الوطء مع وجود ناظر آخر محرّم . أما اباحة المتعة فتتبع أدلتها الشرعية المشروحة من الكتاب والسنة ، كما شرحت في الكتب المعدة لذلك( 65 ) .
_____________________________________
(53) المقال السابق في مجلة النهج السورية: 26.
(54) البقرة : 229.
(55) المختصر النافع من فقه الشرائع: 197.
(56) المقال السابق في مجلة النهج السورية: 29، وناقض نفسه في: 43.
(57) يلاحظ هنا أن بعض العلماء المتأخرين كالسيد الخوئي والسيد الصدر اباحا للمرأة أن تتناول اقراص منع الحمل حتى ولو لم يرض الزوج بذلك (راجع منهاج الصالحين).
(58) كتاب السياسة لارسطو ب1 ف5 بترجمة أحمد لطفي السيد.
(59) جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام 32: 278، 279.
(60) المقال السابق في مجلة النهج السورية: 20.
(61) م . ن : 30.
(62) م . ن : 30 .
(63) م . ن : 31 .
(64) م . ن : 30 .
(65) راجع كتاب المتعة للسيد جعفر مرتضى العاملي، والمتعة والاصلاح الاجتماعي للمحامي توفيق الفكيكي البغدادي، وكتاب من فقه الجنس في قنواته المذهبية للدكتور الشيخ احمد الوائلي النجفي، واصل الشيعة واصولها لكاشف الغطاء.
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page