السؤال : من كلام الإمام الرضا (عليه السلام) : ( إنّ الإمامة خصَّ الله عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها ، وأشاد بها ذكره ، فقال : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } (1) .
الشيعة كما أعلم تعتقد : بأنّ منزلة الأئمّة أفضل من منزلة الأنبياء جميعاً ، سوى نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) .
وعلى سبيل المثال : فعلي (رضي الله عنه) أفضل عند الشيعة من إبراهيم (عليه السلام) ، والإشكال الذي لدي هو : الإمام الرضا ذكر ثلاث مراتب لنبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) وهي : الإمامة ، النبوّة ، والخلّة ، وعلي (رضي الله عنه) أثبتم له مرتبة الإمامة فقط ، فكيف يكون أفضل منه ؟
فنحن نجد أنّ ما عند علي عند إبراهيم ، ويفضل إبراهيم (عليه السلام) بالنبوّة والخلّة ، فأيّهما أحقّ بالفضل والعلوّ ؟
الجواب : أمّا إشكالك حول أفضلية أئمّتنا (عليهم السلام) على إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، مع أنّه إمام كما هم أئمّة ، ويزيد عليهم بفضائل أُخرى كالنبوّة والرسالة والخلّة ، حتّى مع التسليم بأفضلية الإمامة على ما سواها من مراتب وفضائل وخصائص ، فنقول :
1ـ إن سلّمت بأفضلية الإمامة على ما سواها ، فقد كفيتنا المؤنة في إثبات ذلك ، وقطعنا نصف الطريق للوصول إلى النتيجة .
2ـ إن جمعك لمراتب وفضائل إبراهيم (عليه السلام) وجعلها ثلاثة أو أربعة في قبال فضائل أمير المؤمنين التي جعلتها واحدة فقط وهي الإمامة ، فهذا لعدم فهمك لحقيقة الفضائل والصفات ، لأنّك إن سلّمت بأفضلية مرتبة الإمامة على سواها، فيجب عليك أن لا تعود إلى مرتبة أدنى منها وتثبتها في عرض الإمامة ، ثمّ تقول : اجتمعت أكثر من مرتبة وأكثر من فضيلة لإبراهيم (عليه السلام) دون علي (عليه السلام) فهذا باطل ، لأنّ المراتب التي ذكرناها وسلّمت أنت بتفاوتها وتفاضلها هي مراتب طولية لا عرضية حتّى تجمع .
فالمراتب الطولية تكون فيها المرتبة العليا أسمى وأعلى مرتبة من المرتبة الأدنى ، حتّى مع التغاير في السنخ والحقيقة ، كما هو الحال بين الحياة الدنيا والآخرة ، فإنّ الآخرة بالتأكيد هي الدار الحقيقيّة ، وهي الأعلى مرتبة وأجلّ وأسمى من الدنيا ، مع أنّها لا تحتوي على مرتبة الدنيا معها ، ولا شيء من سنخ وحقيقة هذه الدنيا موجود هناك ، بل هو عالم آخر مختلف تماماً عن هذه الدنيا ، ويكون أفضل وأعلى مرتبة منها .
فكذلك الشأن في الإمامة ، فهي مرتبة أعلى وأسمى وأرقى من النبوّة والرسالة ، فلا يجب على الإمام أن يكون نبيّاً أو رسولاً ، وكذلك لا يلزم أن يكون النبيّ أو الرسول أفضل من الإمام لو كان إماماً أيضاً ، ناهيك عن عدم كونه إماماً أيضاً ، لماذا ؟
لأنّنا نقول وبوضوح : إذا سلّمنا أنّ مرتبة الإمامة أعلى من النبوّة أو الرسالة ، فإنّنا نعتقد أنّ الإمامة أيضاً لها درجات ومراتب مختلفة ومتفاوتة ، كما ثبت ذلك للأنبياء والرسل بنصّ القرآن الكريم ، كقوله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } (2) ، وكذلك قوله تعالى : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ } (3) .
فالتفضيل ثابت بين الناس وبين المؤمنين ، وحتّى في الطعام { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ } (4) .
فثبت أنّ الأئمّة أيضاً ليسوا في درجة واحدة قطعاً .
3ـ إنّ الدين الإسلاميّ أفضل الأديان وأكملها وأسماها وهو خاتم الديانات، وأعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها الإنسان في مراتب سموّه ووصوله إلى الرفيق الأعلى والحضرة المقدّسة ، ففيه يصل الإنسان إلى مرتبة الكمال التي لم يصل إليها أحد من المتقدّمين عليه مهما كان ، وإلاّ فما الداعي لكونه خاتم الأديان وأكملها وأفضلها ؟ وأنّ الأنبياء لو بعثوا لما وسعهم إلاّ أن يتبعوا ويعتنقوا الإسلام .
إذاً يوجد في الإسلام ـ من مقتضي الكمال ـ ما لا يوجد في دين سواه ، بناءً على التدرّج والارتقاء والكمال في مسيرة الأديان ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين أحد من أهل الإسلام .
4ـ إنّه ثبت من الفضائل لأهل البيت (عليهم السلام) ما لم يثبت لغيرهم .
فمثلاً : علوم أهل البيت كانت وراثة من النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، والنبيّ عنده كلّ علوم الأوّلين والآخرين ، فهم بالتالي عندهم العلوم الكاملة ، وعندهم علم الكتاب، كما وصفهم بذلك سبحانه وتعالى .
وأنّهم نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وخاتم رسل الله ، وأفضل خلق الله ، وقد أوضح ذلك القرآن بقوله تعالى على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله) : { وَأَنفُسَنَا } (5) فدعا عليّاً وحده ، وسمّاه نفسه بنصّ الكتاب العزيز .
وكذلك ما رواه أصحاب الصحاح عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يقول مراراً وتكراراً : ( إنّ عليّاً منّي وأنا منه ) و : ( حسين منّي وأنا من حسين ) و :
( فاطمة بضعة منّي ) .
وقال في حقّهم جميعاً : ( الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما أفضل منهما ، وأُمّهما سيّدة نساء أهل الجنّة ) ، وصحّحه الألبانيّ في سلسلته الصحيحة .
فكلّ ذلك يدلّ على أفضليتهم على من سواهم من المسلمين ، ومن الأُمم السابقة .
5ـ لو سلّمنا معكم جدلاً بعدم الأفضلية في الدنيا ، فنقول : إنّهم بالآخرة أفضل من غيرهم ، وهم في درجة ومنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تفضّلاً من الله تعالى ، لقوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } (6) .
فهذه الآية الكريمة تنصّ على إلحاق ذرّية المؤمن وأهل بيته به في مقامه في الجنّة ، إلاّ أن تقولوا بعدم شمولها للنبيّ (صلى الله عليه وآله) وخروجه من هذا العموم ، كما في قضية الإرث .
____________
1- الكافي 1 / 199 ، البقرة : 124 .
2- البقرة : 253 .
3- الإسراء : 55 .
4- الرعد : 4 .
5- آل عمران : 61 .
6- الطور : 21 .
( حبيب . الدانمارك . سنّي . 20 سنة ) علي أفضل من إبراهيم
- الزيارات: 366