ارث المرأة في التشريع الاسلامي
إن مبدأ توريث المرأة كان خطوة كبيرة للثورة الاسلامية الاولى الاُم ، في مجتمع كان يفرض الحرمان التام على النساء ، فكانت المرأة في الجاهلية محرومة منه ، إذ كان الذكر هو الوارث الوحيد ، وإذا لم يكن بين الاولاد ذكور ذهب الميراث إلى الاعمام ، كما أخرج مسلم بن الحجّاج القشيري النيشابوري في الصحيح عن عمر بن الخطاب قال : «واللّه إن كنا في الجاهلية ما نعدّ للنساء أمراً ، حتى أنزل اللّه فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم»( [1] ) ، وذلك في أيام معركة اُحد ، حيث قتل الصحابي سعد بن الربيع وخلّف بنتين ، فجاء عمّهما واستولى على ميراثهما ولم يترك لهما شيئاً ، فجاءت أمهما إلى النبي(صلى الله عليه وآله) شاكية ، فاستمهلها إذ لم يكن مسبوقاً بشيء في ذلك ، فعندئذ نزلت آية المواريث ، فدعا عمهما وقال له : « أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فلك » .
وكذا نرى المرأة الاوربية في العصور الوسطى حتى عصر النهضة الصناعية الكبرى محرومة من الارث عموماً ; ففي بريطانيا كان يذهب جميع الموروث إلى الابن الاكبر ، فلم تكن تُحرم منه البنات فقط ، بل حتى سائر البنين غير الاكبر ، وعند الساميّين القدماء والسومريّين أعطت شريعة اوراغو حق الارث للبنت بشرطين : أن تكون وحيدة والدها ، وعازبة بعد لم تتزوج . وفي شريعة حمورابي كذلك تحرم منه المتزوّجة ، وإنما تورث العازبة ، بينما حصص الميراث في الاسلام شاملة للاولاد جميعاً بنات وبنين ، اعزاباً ومتزوجين ، إلاّ أن حصة البنات من الميراث نصف حصة البنين .
وأما مسألة اعادة النظر في هذه الحصص ـ مع تطور المجتمع الاسلامي ـ ليكون الجنسان متساويين في ذلك ، فإنما يتوقعه وينظره من لم ينظر في اصول الفقه في الاسلام ، فلا يعرف ماهي أدلة الاحكام في الاسلام ، ولا يعرف ما أجاب به اولياء الاسلام عن هذا التساؤل القديم .
فقد روى الصدوق في علل الشرائع بسنده عن هشام بن سالم عن الاحول قال : « قال لي ابن أبي العوجاء : ما بال المرأة الضعيفة لها سهم واحد وللرجل القوي الموسر سهمان ؟ قال الاحول : فذكرت ذلك للصادق(عليه السلام) فقال: على الرجال النفقة والعاقلة والجهاد ، وعدّ غيرها وقال : وليس هذه عليها ، فلذلك جُعل له سهمان ولها سهم » .
وروى فيه بسنده عن عبد اللّه بن سنان قال : « قلت للصادق(عليه السلام) : لاي علة صار الميراث للذكر مثل حظ الاثنين ؟ قال : لما جُعل لها من الصداق » .
وروى فيه بسنده عن أخيه محمد بن سنان أنه كتب إلى الرضا(عليه السلام)بمسائل ، فكتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : « علة إعطاء النساء نصف ما يُعطى الرجال من الميراث ، لان المرأة إذا تزوجت أخذت وأعطاها الرجل ، فلذلك وُفّر عليه ، ولان الانثى في عيال الذكر إن احتاجت فعليه أن يعولها وعليه نفقتها ، وليس على المرأة أن تعول الرجل ، وإن احتاج فلا تؤخذ هي بنفقته ، فلذلك وُفّر عليه »( [2] ) .
وفي دية المرأة ، وهي العوض المالي عن قتلها خطأً ، انفرد بعض فقهاء القرن الاول والثاني ، ومنهم ابو حنيفة ، بالفتوى بتساويها مع الرجل ، واستند الجصّاص الحنفي في ذلك إلى الحديث النبوي الشريف المتفق عليه في خطبة حجة الوداع قال : « المسلمون تتكافأ دماؤهم » ، وزاد مساواة الاحرار وسائر العباد حتى من غير المسلمين ، بتعميم المسلمين على الناس ، وهو سواء عند أبي حنيفة والشافعي( [3] ) ، في حين حكم اكثر الفقهاء بأن ديتها نصف دية الرجل ، والجاري على ألسنة العامة من الناس هو أن الدية هي ثمن الدم ، وعليه فتنصيفها يعني أن دم المرأة أرخص من دم الرجل بمقدار النصف منه( [4] ) ، ولنا أن نهمل ما يجري على ألسنة العوام من الناس من أن الدية هي ثمن الدم ، لجريانه على ألسنة العامة دعوى بلا دليل ، ولنا أن نسحب ما أجاب به اولياء الاسلام من ائمة اهل البيت(عليهم السلام) على السؤال عن مناصفة ارثها ، إلى هذه المسألة عن مناصفة ديتها ، فالسؤال عن المناصفة وهي جارية في البابين ، ولا فرق في البين .
___________________________________
([1]) صحيح مسلم 4:140.
([2]) علل الشرائع 2:294 و 293، ط. بيروت.
([3]) احكام القرآن للجصّاص 1:143.
([4]) المقال السابق في مجلة النهج السورية: 21.