السؤال : هل الإنسان بإرادته هو الفاعل ؟ أم الله هو خالق الإرادة ، والإنسان متروك له حرّية الاختيار ؟ { وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } ، وشكراً جزيلاً .
الجواب : إنّ أصحاب المناهج الفكرية في مسألة أفعال الإنسان ، اعتقدوا بأنّ الأمر ينحصر في القول بالجبر أو التفويض ، وأنّه ليس هناك طريق ثالث يسلكه الإنسان الباحث لتفسير أفعال العباد ، فقد كان الجنوح إلى الجبر في العصور الأُولى لأجل التحفّظ على التوحيد الأفعالي ، وأنّه لا خالق إلاّ هو ، كما أنّ الانحياز إلى التفويض كان لغاية التحفّظ على عدله سبحانه .
فالأشاعرة جنحوا إلى الجبر حرصاً على الأصل الأوّل ، والمعتزلة إلى الثاني حرصاً على أصل العدل ، وكلا الطرفين غفل عن نظرية ثالثة يوافقها العقل ويدعمها الكتاب والسنّة ، وفيها الحفاظ على كلّ من أصلي التوحيد والعدل ، مع نزاهتها عن مضاعفات القولين ، فإنّ في القول بالجبر بطلان البعث والتكليف ، وفي القول بالتفويض الثنوية والشرك .
فهذه النظرية الثالثة هي مذهب الأمر بين الأمرين ، الذي لم يزل أئمّة أهل البيت (عليه السلام) يحثّون عليه ، وخلاصة هذا المذهب :
أنّ أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ، ونحن أسبابها الطبيعية ، وهي تحت قدرتنا واختيارنا ، ومن جهة أُخرى هي مقدورة لله تعالى ، وداخلة في سلطانه ، لأنّه هو مفيض الوجود ومعطيه ، فلم يجبرنا على أفعالنا حتّى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي ، لأنّ لنا القدرة والاختيار فيما نفعل ، ولم يفوّض لنا خلق أفعالنا حتّى يكون قد أخرجها عن سلطانه ، بل له الخلق والحكم والأمر ، وهو قادر على كلّ شيء ومحيط بالعباد .
وهذا بحث دقيق شريف ينبغي الاطلاع عليه ، وللتوسعة يراجع كتاب الإلهيّات للشيخ السبحانيّ ، بحث مناهج الاختيار ، وكتاب عقائد الإمامية للشيخ المظفّر (قدس سره) .
أمّا آية { وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } (2) ، فالظاهر من السياق أنّ ( ما ) موصولة بقرينة قوله تعالى : { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } (1) ، ويكون معنى الآية : أتعبدون الأصنام التي تنحتونها ، والله خلقكم أيّها العبدة والأصنام التي تعملونها .
فتتمّ الحجّة على المشركين بأنّهم ومعبوداتهم مخلوقات لله سبحانه ، فلا وجه لترك عبادة الخالق وعبادة المخلوق ، أمّا لو قلنا بأن ( ما ) في الآية مصدرية، فتفقد الآية الثانية صلتها بالأُولى ، ويكون مفاد الآيتين : أتعبدون الأصنام التي تنحتونها والله خلقكم أيّها العبدة وخلق أعمالكم وأفعالكم ؟
والحال أنّه ليس لعملهم صلة بعبادة ما ينحتونه ، ولو قلنا بذلك لتمّت الحجّة لغير صالح نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) ولانقلبت عليه ، إذ عندئذ ينفتح لهم باب العذر بحجّة أنّه لو كان الله سبحانه هو الخالق لأعمالنا ، فلماذا توبّخنا وتنددنا بعبادتنا إيّاهم .
____________
1- الصافّات : 96 .
2- الصافّات : 95 .
( نوفل . المغرب . 26 سنة ) فعلنا بإرادتنا وبقدرة من الله
- الزيارات: 395