السؤال : لي تعقيب على بطلان كون الخلفاء من بعد الرسول غير مبشّرين بالجنّة .
هناك حديث للرسول (صلى الله عليه وآله) يقول ما مضمونه : ( إنّ الله اطلع على أهل بدر ، فقال : أعملوا ما شئتم ، فإنّي قد غفرت لكم ) ، وكان الخلفاء من الذين شهدوا بدراً .
ولقد كانوا من الذين جاهدوا مع الرسول الكريم في بدايات الدعوة ، فهل يحقّ لنا الآن أن لا نذكرهم بخير ؟ بسبب خلافهم مع الإمام علي ، ولماذا عاش الإمام معهم دون مشاكل كبيرة ؟ الرجاء أعطونا إجابة شافية .
الجواب : الحديث الذي اعتبرته دليلاً على مدّعاك لا يصمد أمام النقد لوجوه :
1ـ الحديث من أحاديث الآحاد ، وهي مضطربة الطرق والإسناد .
2ـ معارضة هذا الحديث لمجموعة كبيرة من الآيات القرآنيّة ، والروايات التي رواها الثقات .
3ـ اختلفت دلالة الأحاديث ، لكن أغلبها يشير إلى احتمال حصول الغفران على سبيل الظنّ ، لا كما نقلته على سبيل اليقين.
ولو سلّمنا صحّة سند الأحاديث ، فكلّه مشروط بسلامة العاقبة ، ولا يجوز أن يخبر الحكيم مكلّفاً غير معصوم ، بأن لا عقاب عليه ، فليفعل ما يشاء ، كما وأنّه أمّا أن يكون قصد النبيّ : اعملوا ما شئتم من أعمال الشرّ ، أو يكون قصده : اعملوا ما شئتم من أعمال الخير والبر .
فإن قالوا : أراد أعمال الخير والبر ، قيل لهم : هذا غير مستنكر أن يكون الله قد غفر لهم ما كان منهم من كراهية الجهاد في هذه المواطن ، كما أخبر عنهم في قوله : { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } (1) إلى آخر القصّة .
فهذه أحوال كلّها مذمومة من أهل بدر ، فجائز أن يكون الله قد غفر لهم من بعد بأفعال جميلة ظهرت منهم ، ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : استأنفوا عمل الخير بالطاعة ، وحسن العمل والتسليم ، وإن كان هذا فيهم كذلك ، فليس هذا حالاً يوجب لأهل بدر كلّهم النجاة ، بل يوجب لمن استأنف منهم أعمال الخير بالمسارعة إلى الطاعة والانقياد بالرضا ، والتسليم إلى ما قد وعدهم الله من المغفرة والعفو عن الدين .
أمّا الذين وصفهم فيه بالأعمال المذمومة ، ومن قصّر في ذلك ، وجرى إلى خلاف ما يرتضيه الله منه ، حمله من بعض معانيه ممّا يلزم غيره من المسلمين .
وإن قالوا : إنّه أراد بقوله : اعملوا ما شئتم من الأعمال السيّئة ، كان هذا القائل جاهلاً متخرّصاً ، لأنّ هذا يوجب إباحة المحارم لأهل بدر ، والتحليل لهم ما حرّمه على غيرهم في الشريعة ، من الزنا والربا ، وشرب الخمر ، وقتل النفس التي حرّم الله قتلها ... .
وإن قالوا : إنّ الله قد علم أنّهم لا يأتون بشيء من ذلك ، قيل لهم : إن كان هذا كما وصفتم ، فقوله : اعملوا ما شئتم وهم لا يعملون ، لا معنى له ولا فائدة فيه ، وليس هذا من قول الحكيم .
وإن قالوا : إنّما أراد بذلك إظهار جلالة منزلتهم للناس ، وتبيين فضيلتهم بتحليل المحارم ، والإباحة للمحظورات ، فيجعل للجاهل سبيلاً إلى الدخول في ذلك ، أو في شيء منه ، قيل لهم : هذا ما لا يستقيم عند ذوي عقل ولا فهم .
مع ما يقال لهما كيف يصحّ ما يقولون : إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) قال للزبير : ( إنّك تقاتل عليّاً ، وأنت ظالم له ) ، فلو كان أباح لهم ما زعمتم ، لكان قوله (صلى الله عليه وآله) للزبير : تقاتل عليّاً وأنت ظالم له ، ظلماً من الرسول (صلى الله عليه وآله) ، واعتداء على الزبير ... (2) .
وحتّى لو غضضنا النظر عن دلالة الحديث ، فإنّ إقرارك بوجود الخلاف بينهم وبين الإمام علي (عليه السلام) وحده يكفي لعدم استحقاقهم للجنّة ، لأنّ الخلاف الذي تذكره ليس هو خلافاً شخصيّاً ، بل خلاف يفصح عن عصيانهم لأوامر النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعدم امتثال أوامره ، وإذا كنت شيعيّاً كما تقول ، فأنت تعترف قطعاً باغتصاب الخلفاء الثلاثة للخلافة ، وهذا من أعظم الكبائر .
وما ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) يكفي ، إذ قال : ( أنا فرطكم على الحوض ، ولأنازعن أقواماً ثمّ لأغلبن عليهم ، فأقول : يا ربّ أصحابي أصحابي ! فيقال إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) ! (3) ، وقال (صلى الله عليه وآله) : ( والذي نفسي بيده لأذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل ) (4) .
أمّا عدم إيصال الخلاف إلى حدّ الاقتتال ، فذلك لعهد عهده له رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن لا يفرّق بين المسلمين ، والإسلام ما يزال بعد في أوّله .
____________
1- الأنفال : 5 .
2- كنز العمّال 11 / 340 ، الإصابة 2 / 460 ، الإمامة والسياسة 1 / 92 ، ينابيع المودّة 2 / 389 .
3- مسند أحمد 1 / 384 و 402 ، صحيح مسلم 7 / 68 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 602 ، مسند أبي يعلى 9 / 102 و 126 ، كنز العمّال 14 / 418 .
4- مسند أحمد 2 / 467 ، صحيح مسلم 7 / 70 ، فتح الباري 11 / 414 ، كنز العمّال 14 / 420 .
( حسين مردان . العراق . 39 سنة . مهندس ) ما ورد في تأييده مردود
- الزيارات: 314