السؤال : حين نذكر دلالات حديث المنزلة ، وأنّ الاستثناء من أدوات العموم ، ممّا يعني ثبوت جميع المنازل للإمام علي (عليه السلام) التي كانت لهارون (عليه السلام) ما عدا النبوّة ، فإنـّهم يردّون بشبهة : بأن لو كان هذا هو المعنى الذي نذهب إليه في الحديث ، فيجب أن يكون علي (عليه السلام) نبيّاً في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، كما كان هارون نبيّاً في حياة موسى (عليه السلام) ، وذلك بدليل قوله : ( إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ) ، ممّا يستلزم كون علي (عليه السلام) نبيّاً في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فما هو ردّكم ؟
الجواب : من المسلّم أن لا نبيّ في زمن نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) غيره .
ثمّ إن حديث المنزلة ، وإن كان يثبت للإمام علي (عليه السلام) كلّ ما كان ثابتاً لهارون (عليه السلام) ، ومنها نبوّته في حياة موسى (عليه السلام) ، إلاّ أنّ هناك قيود وتخصيصات في غير هذا الحديث ، أخرجت كون علي (عليه السلام) نبيّاً في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
هذا ويمكن أن يردّ الأشكال بجواب آخر : بأنّ كلمة ( بعدي ) في الحديث يمكن أن تكون عامّة ، فتشمل البعدية الرتبية ، بالإضافة إلى البعدية الزمانية ، فمعنى لا نبيّ بعدي ، أي : لا نبيّ بعدي من جهة الرتبة ، كما أنّه لا نبيّ بعدي من جهة الزمان .
أي بمعنى : لا نبيّ بعد زماني ، فأنا خاتم الأنبياء ، وفي زماني لا نبيّ بعدي له رتبة النبوّة حتّى تصل له ، إن لم أكن موجوداً وحاضراً معكم .
ويؤيّد هذا الاستعمال ، أي استعمال البعدية بمعنى الرتبية ، ما ورد في قضية بريدة ، حيث قال : بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعثين إلى اليمن ، على أحدهما علي بن أبي طالب ، وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال : ( إذا التقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتما فكلّ واحد منكما على جنده ) .
قال : فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا ، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرّية ، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه ، قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخبره بذلك ، فلمّا أتيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) دفعت الكتاب فقرأ عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
فقلت : يا رسول الله ، هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل ، وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما أرسلت به ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( لا تقع في علي ، فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ، وأنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ) (1) .
أي هو وليّكم بعدي في الرتبة ، بمعنى أن لم أكن حاضراً وموجوداً معكم فالولاية من بعدي تكون له ، فعلي وليّ عليكم في حياتي أن لم أكن موجوداً بينكم ، وإلاّ فالولاية لي .
هذا بالإضافة إلى أن الاستثناء في الحديث متّصل ، وأنّه لابدّ من أن يكون متّصلاً ، وأنّه لا يصحّ حمله على الانقطاع ، لوجوب حمل الاستثناء دائماً على الاتصال ما أمكن ، ولعدم وجود شرط الاستثناء المنقطع في هذا الحديث ، وهو وجود مخالفة بوجه من الوجوه .
وعليه فمعنى الحديث يكون : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة ، لأنّه لا نبيّ بعدي ، فحذف لفظ النبوّة الذي هو المستثنى في الحقيقيّة .
وفي بعض الروايات وردت فيها لفظ النبوّة ، ففي كتاب البداية والنهاية لابن كثير قال : ( عن عائشة بنت سعد، عن أبيها : أنّ عليّاً خرج مع رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، حتّى جاء ثنية الوداع ، وعلي يبكي يقول : ( تخلّفني مع الخوالف ) ؟!
فقال (صلى الله عليه وآله) : ( أو ما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة ) ، وهذا إسناده صحيح ولم يخرّجوه (2) .
إذاً لعلي (عليه السلام) ما لهارون إلاّ النبوّة ، فليست له لا في حياة النبيّ ولا بعد حياته (صلى الله عليه وآله) .
____________
1- مسند أحمد 5 / 356 ، مجمع الزوائد 9 / 127 ، تحفة الأحوذيّ 5 / 294 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 98 ، شرح نهج البلاغة 9 / 170 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 189 ، البداية والنهاية 7 / 380 ، ينابيع المودّة 2 / 490 .
2- البداية والنهاية 7 / 377 .
( أحمد جعفر . البحرين . 19 سنة . طالب جامعة ) كلّ ما ثبت لهارون يثبت لعلي إلاّ النبوّة
- الزيارات: 408