طباعة

( محمّد إبراهيم الإبراهيم . الكويت . ... ) مسألة كون الأرض على قرن ثور

السؤال : سادتي الكرام ، لقد قرأت في الروايات والأحاديث : ( إنّ الأرض على قرن ثور ) ، فكيف ذلك ؟ ونسألكم الدعاء .
الجواب : وردت عدّة روايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، تنصّ على ردّ الروايات الغامضة إليهم (عليهم السلام) لتوضيحها وبيانها ، ولا يصحّ طرحها أو تفسيرها حسب المذاق والمزاج ، ومن تلك الروايات :
1ـ عن محمّد بن عيسى قال : أقرأني داود بن فرقد الفارسي كتابه إلى الإمام أبي الحسن الثالث (عليه السلام) وجوابه بخطّه ، فقال : نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك (عليهم السلام) ، قد اختلفوا علينا فيه ، كيف العمل على اختلافه ؟ إذ نرد إليك فقد أختلف فيه ؟
فكتب (عليه السلام) : ( وقرأته ما علمتم أنّه قولنا فألزموه ، وما لم تعلموا فردّوه إلينا ) (1) .
2ـ عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا ، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عليكم فيه فقفوا عنده ، وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا ) (2) .
3ـ عن جابر قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب ، لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد (صلوات الله عليهم) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه ، وما اشمأزت قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى الله وإلى الرسول ، وإلى العالم من آل محمّد ، وإنّما الهالك أن يحدّث أحدكم بشيء منه لا يحتمله ، فيقول : والله ما كان هذا ، والإنكار هو الكفر ) (3) .
وهذه الرواية التي ذكرتموها من الروايات الغامضة التي لا نعرف بيانها وتفسيرها ، فنردّ علمها إلى أهلها .
كما وجّه السيّد هبة الدين الشهرستاني في كتابه هذه الرواية بقوله : ( نعم ، إنّما يستشكل المعترض فيما ورد في الشريعة : من أنّ الأرض خلقت على الحوت ، أو على قرن الثور ، ونحو ذلك ) (4) .
ولذا لم يؤمن بهذه الأخبار كثير من الفضلاء ، وأوّلها جماعة إلى المعاني الباطنية .
وقد منّ الله تعالى عليّ بفتح مقفلها ، وحلّ مشكلها بتقدير المضاف ، وهو أمر شائع عند البلغاء ، والمعنى : أنّ الأرض خلقت على شكل قرن ثور ـ بناءاً على القول المختار في هذه العصور ـ فيكون التناسب بين هيئة الأرض وهيئة قرني الثور من جهات :
الأُولى : أنّ وضع القرون في الثيران على الاستدارة من طرفي اليمين والشمال ، وكذلك الأرض مستديرة من طرفيها المشرق والمغرب ، فيناسب ذلك ما في بعض الأخبار من أنّ قرناً من قرني ذلك الثور في المشرق ، والقرن الآخر في المغرب .
ومن الغريب أنّ استدارة القرن بهذه الكيفية مخصوص بنوع الثيران ، ليس لباقي الأنعام وذوات القرون مثله على ما استقريناه .
الثانية : أنّ شكل القرنين في الثور مسطّح من طرفيه الأعلى والأسفل ، ومحدّب مستدير من جانبيه اليمين واليسار ، وقد عرفت استكشاف نيوتون وإصرار من تأخّر عنه على أنّ الأرض مستديرة الجانبين مسطّحة القطبين ، وذكرنا أنّ هذا المعنى المستخرج بالآلات الدقيقة والأفكار الحادّة مستفاد من أخبار وافرة عن النبيّ وعترته الطاهرة (عليهم السلام) .
الثالثة : أنّ جرم الأرض على الدوام واقع في طرف مدار بيضوي ، وكذلك قرنا الثور واقعان في موضع من رأسه ، لو فرض خطّ وهميّ من موضعهما إلى ذقنه ، بحيث يحيط بتمام رأسه ذلك الخطّ ظهر شكل المدار البيضوي ، ولو اعتبرت المدار بدن الثور أيضاً كان قرناه واقعين في موضع من البدن ، لو فرض خطّ وهميّ من موضعهما إلى موضع الذنب بحيث يحيط بجثّته ذلك الخطّ ظهر أيضاً شكل المدار البيضوي .
فالحدس يطمئن بأنّ الحجج (عليهم السلام) لم يجدوا مساغاً لتوضيح هذه العلوم والأسرار لجهّال عصرهم ، فأدرجوها في طيّ كلماتهم ورمزوها في ضمن إشاراتهم لأجل ذلك ، وضربوا للإشارة إلى مطلوبهم تمثالاً جامعاً لأكثر الجهات بأخصر العبارات ، حتّى إذا تلى بعدهم على أهل العلم والتحقيق استخرجوا من طيّه السرّ الدقيق .


____________
1- بصائر الدرجات : 544 .
2- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 232 .
3- الكافي 1 / 401 .
4- إلهيّئة والإسلام : 58 .