السؤال : كيف يرى الله بالرؤية القلبية ؟ لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( ويلك ما كنت أعبد ربّاً لم أره ) (1) .
الجواب : إنّ الرؤية على قسمين : رؤية مادّية حسّية بصرية ، ورؤية معنوية قلبية عقلية .
أمّا بالنسبة إلى القسم الأوّل : فالله تعالى منزّه عن الرؤية المادّية الحسّية البصرية ، لقوله تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ... } (2) ، ولقوله تعالى لموسى (عليه السلام) : { ... لَن تَرَانِي ... } (3) ، ولقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لذعلب اليماني : ( لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ) (4) ، يعني : أنّ رؤيته ليست بالعين وبمشاهدة القوّة البصرية الجسمانية ، فإنّ هذه غير جائزة على الله تعالى ، لما يستلزمه من الجسمية والمكانية والجهتية وغيرها ، والله تعالى منزّه عن ذلك لقوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } (5) .
وأمّا بالنسبة إلى القسم الثاني : وهو الرؤية المعنوية القلبية العقلية ، وهي أن ينتقل بنا العقل من معلوم إلى مجهول ، ومن شاهد محسوس إلى شاهد غائب .
فلقد رأت العيون الخلق ، وحكم العقل وجزم بوجود الخالق ، واعتقد القلب وآمن ، وهذا ما عناه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله لذعلب : ( تدركه القلوب بحقائق الإيمان ) ، أي آمن القلب حقّاً وواقعاً ؛ لأنّه رأى بعين الحسّ والعقل .
وبعبارة أُخرى : تدركه القلوب ـ أي تدركه العقول الصافية عن ملابسة الأبدان ـ بحقائق الإيمان ، أي بالأنوار العقلية الناشئة من الإيمان القوي ، والعلم والإذعان الخالص بوجود الباري عزّ وجلّ ، وأنّ الإيمان إذا اشتدّ يصبح مشاهدة قلبية ورؤية عقلية .
ولا يخفى أنّ إدراك القلوب فوق إدراك العيون ، لعدم وقوع اللبس والاشتباه في إدراكها بخلاف إدراك العيون ، فيقع اللبس والاشتباه فيها كثيراً ، ولبعضهم : لئن لم تَرَكَ العينُ فقد أبصركَ القلبُ .
والخلاصة : أنّ الإنسان المؤمن إذا وصل إلى أعلى مراتب الإيمان ، بحيث حصل له القطع واليقين والعلم المتين بوجود الخالق العظيم ، من خلال الآثار والحقائق والآيات الدالّة عليه ، سوف يرى الله تعالى ـ بقلبه ووجدانه وعقله المذعن الخالي عن المادّيات ، والصافي من الشكوك والأوهام ـ رؤية نورانية معنوية .
__________
1- الكافي 1 / 98 .
2- الأنعام : 103 .
3- الأعراف : 143 .
4- شرح نهج البلاغة 10 / 64 .
5- الشورى : 11 .
( المستجير بالله . السعودية . ... ) ممكنة بالرؤية القلبية
- الزيارات: 394