السؤال : ذكر الرواة بأنّ بعض الأنصار كان في السقيفة ، مع أنّ مصادر الشيعة يذكرون بأنّ الأنصار كانوا مع الإمام علي (عليه السلام) ما عدا ثلاثة أو خمسة ، ومنهم بشير الأنصاري أبو النعمان .
هل الصحابي سعد بن عبادة يريد أن يأخذ الخلافة ؟ لأنّه كان موجوداً وعشيرته تريد أن تبايعه ، أم أنّه شعر بريحة الخيانة من جهة عمر ؟ أو علم من الأخبار لأنّه رئيس عشيرة وعيونه أخبرته بنية القوم ؟
ودمتم موفّقين ، والله يحفظكم من كُلّ شرّ ، ويجعلكم نوراً يستضئ به المؤمنون .
الجواب : لاشكّ ولا ريب أنّ الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، كما ذكرت ذلك كتب الفريقين ، والظاهر أنّ المقصود من الاجتماع ، اجتماع بعضهم لا اجتماع كُلّهم من أوسهم وخزرجهم ، ولكن كم مقدارهم ؟ فبعض كتبنا كالاحتجاج للعلاّمة الطبرسي (قدس سره) عبّرت هكذا : " وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ... " (1) .
ويمكن أن بعض كتبنا ذكرت مجموعة قليلة ، وسواء قلنا إنّهم كانوا خلقاً كثيراً أم أنّهم كانوا مجموعة قليلة ، كان المعروف بينهم أنّ الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الإمام علي (عليه السلام) .
وأمّا بالنسبة إلى قضية سعد بن عبادة ، فتتّضح من خلال ما نقله العلاّمة الطبرسي في الاحتجاج حول قصّة السقيفة ، حيث قال :
" ثمّ اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلمّا سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر ، فمضيا مسرعين إلى السقيفة ، ومعهما أبو عبيدة بن الجرّاح ، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ، فتنازعوا الأمر بينهم ، فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار : إنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجرّاح أو عمر ، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر ، وكلاهما أراهما لـه أهلاً .
فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدّمك يا أبا بكر ، وأنت أقدمنا إسلاماً ، وأنت صاحب الغار وثاني اثنين ، فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به .
فقال الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم ، فنجعل منّا أميراً ومنكم أميراً ونرضى به ، على أنّه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار .
فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين : وأنتم يا معشر الأنصار ، ممّن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم الله أنصاراً لدينه ، وكهفاً لرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته ، وفيكم محل أزواجه ، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأوّلين بمنزلتكم ، فهم الأمراء وأنتم الوزراء .
فقال الحباب بن المنذر الأنصاري : يا معشر الأنصار ، أمسكوا على أيديكم ، فإنّما الناس في فيئكم وظلالكم ، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم .
وأثنى على الأنصار ثمّ قال : فإنّ أبى هؤلاء تأميركم عليهم ، فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون منّا أمير ومنهم أمير .
فقام عمر بن الخطّاب فقال : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إنّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وأُلو الأمر منهم ، ولنا بذلك على من خالفنا الحجّة الظاهرة ، والسلطان البيّن ، فيما ينازعنا سلطان محمّد ، ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلاّ مدل بباطل أو متجانف بإثم ، أو متورّط في الهلكة محبّ للفتنة .
فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال: يا معشر الأنصار امسكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، وإن أبوا أن يكون منّا أمير ومنهم أمير ، فأجلوهم عن بلادكم ، وتولّوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم والله أحقّ به منهم ، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت ، من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، والله لئن أحد ردّ قولي لأحطمن أنفه بالسيف .
قال عمر بن الخطّاب : فلمّا كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام ، فإنّه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنهاني رسول الله عن مهاترته ، فحلفت أن لا أكلّمه أبداً .
قال عمر لأبي عبيدة : تكلّم ، فقام أبو عبيدة بن الجرّاح وتكلّم بكلام كثير ، وذكر فيه فضائل الأنصار ، وكان بشير بن سعد سيّداً من سادات الأنصار ، لمّا رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده ، وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلّم في ذلك ورضى بتأمير قريش ، وحثّ الناس كُلّهم لاسيّما الأنصار على الرضا ، بما يفعله المهاجرون .
فقال أبو بكر : هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيّهما شئتم ؟
فقال عمر وأبو عبيدة : ما نتولّى هذا الأمر عليك أمدد يدك نبايعك .
فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما ، وكان سيّد الأوس ، وسعد بن عبادة سيّد الخزرج ، فلمّا رأت الأوس صنيع سيّدها بشير ، وما ادعيت إليه الخزرج من تأمير سعد ، أكبّوا على أبي بكر بالبيعة ، وتكاثروا على ذلك وتزاحموا ، فجعلوا يطأون سعداً من شدّة الزحمة ، وهو بينهم على فراشه مريض .
فقال : قتلتموني ، قال عمر : اقتلوا سعداً قتله الله ، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال : والله يا بن صهّاك ، الجبان في الحرب ، والفرّار الليث في الملا والأمن ، لو حرّكت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة .
فقال أبو بكر : مهلا يا عمر مهلا ، فإنّ الرفق أبلغ وأفضل ، فقال سعد : يا بن صهّاك الحبشية ، أما والله لو أنّ لي قوّة النهوض ، لسمعتها منّي في سككها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ، ولالحقّنكما بقوم كنتما فيهم أذناباً أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتما.
ثمّ قال للخزرج : احملوني من مكان الفتنة ، فحملوه وأدخلوه منزله ، فلمّا كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر ، أن قد بايع الناس فبايع ، فقال : لا والله حتّى أرميكم بكُلّ سهم في كنانتي ، وأخضب منكم سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ما أقلّت يدي ، فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي ، ثمّ وأيم الله لو اجتمع الجنّ والأنس عليّ لما بايعتكما ، أيّها الغاصبان حتّى أعرض على ربّي ، وأعلم ما حسابي .
فلمّا جاءهم كلامه ، قال عمر : لا بدّ من بيعته ، فقال بشير بن سعد : إنّه قد أبى ولجّ وليس بمبايع أو يقتل ، وليس بمقتول حتّى يقتل معه الخزرج والأوس ، فاتركوه فليس تركه بضائر ، فقبلوا قولـه وتركوا سعداً ، فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعواناً لصال بهم ولقاتلهم ، فلم يزل كذلك مدّة ولاية أبي بكر حتّى هلك أبو بكر ، ثمّ ولي عمر وكان كذلك ، فخشى سعد غائلة عمر ، فخرج إلى الشام فمات بحوران في ولاية عمر ، ولم يبايع أحداً .
وكان سبب موته أن رمي بسهم في الليل فقتله ، وزعم أنّ الجنّ رموه ، وقيل أيضاً أنّ محمّد بن سلمة الأنصاري تولّى ذلك بجعل جعل لـه عليه ، وروي أنّه تولّى ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل خالد بن الوليد ... " إلى نهاية كلامه (قدس سره) .
__________
1- الاحتجاج 1 / 91.
( علي طاهر . السعودية . 40 سنة ) كما في الاحتجاج للطبرسي
- الزيارات: 357