السؤال : أخوتي أنا سنّي المذهب ، وأودّ أن أعرف ما هو المذهب الشيعي ؟ والفرق بينه وبين المذاهب الأُخرى ؟ وما هو حقيقة الذي نسمعه عنهم ؟ وجزاكم الله خيراً .
الجواب : الشيعة الإمامية اتباع أهل البيت (عليهم السلام) الذين أمرنا بالتمسّك بهم ، وهكذا جميع المسلمين مأمورون بذلك بأدلّة نثبتها من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الشريفة ، منها قولـه تعالى : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } (1) ، ومنها حديث الثقلين : " إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً " (2) .
ومنها حديث الغدير الذي يثبت الإمامة لأمير المؤمنين علياً (عليه السلام) وهو الخليفة لرسوله الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يجب أن يتبعه المسلمون دون غيره ، وهذا هو الأساس في الاختلاف وانشقاق المسلمين إلى فرقتين هم الشيعة والسنّة .
فالشيعة يرون أنّ الإمام علي (عليه السلام) هو الأحقّ بالخلافة بنصّ الرسول (صلى الله عليه وآله) على ذلك ، وأنّ المتقدّمين عليه ما هم إلاّ غاصبين لها منه ، وأنّهم بتوليهم ذلك المنصب حرفوا الأُمّة عن مسارها الذي أراده الله لها ، وتسبّبوا في انشقاق المسلمين إلى تلكما الفرقتين .
أمّا أهل السنّة فيرون أنّه لا يوجد نصّ على نصب علياً (عليه السلام) للخلافة ، وإنّما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك الأُمّة سدى ، وفوّض للمسلمين اختيار الخليفة من بعده ، فاختار بعض المسلمين في السقيفة أبا بكر ، وكاد أن يقع بين المسلمين القتال على ذلك ، إلاّ أنّه مع ذلك يدعون الإجماع على خلافة أبي بكر ، ونحن نكذّب هذا الإجماع ، لأنّ أفضل المسلمين وهم أهل بيت الرسول ظلّوا يرفضون خلافة أبي بكر ، وأعلنوا معارضتهم لذلك ، ومعهم غيرهم من المهاجرين والأنصار .
هذا بالإضافة إلى الأدلّة الكثيرة التي نثبتها تنصّ على خلافة الإمام علي (عليه السلام) من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والتي بثبوتها لا يبقى أي مجال لخلافة أبي بكر سواء تمّ الإجماع أم لم يتمّ .
إذاً منشأ الخلاف هو النزاع على تولّي أمر المسلمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولا يخفى عليك أنّ هذا المنصب منصب مرموق تطمح لـه العيون ويتنافس عليه الكثيرون ، ولعلّك تدرك أنّ أيّ ملك أو زعيم قوم عندما يجعل لـه خليفة من بعده ، لابدّ أن يتعرّض إلى معارضين يرفضون هذا التعيين ، وقد لا يتمّ لهذا الخليفة تولّي الأُمور أن لم يستخدم القوّة ، وهذا هو فعلاً ما حصل مع الإمام علي (عليه السلام) ، لكن الذين عارضوا الإمام علي (عليه السلام) ، قد عارضوا بفعلهم ذاك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي نصّ على خلافة علي (عليه السلام) ، بل قد عارضوا الله تعالى الذي أوحى إلى رسوله أن يبلّغ ما أمر به من تنصيب علي (عليه السلام) للإمامة ، بقولـه تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } (3) ، والذي حصل بتنصيب علياً (عليه السلام) إكمال الدين لقولـه تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } (4) .
ومن الجدير ذكره أنّ الشيعة تعتبر منصب الإمامة على أنّه رئاسة في الدين والدنيا ، لا كما يقصره غيرهم على أنّه رئاسة في أُمور الدنيا .
واستمر الخلاف وانشقاق المسلمين والذي أدّى بالتبع نتيجة الاعتقاد السابق إلى أن يختلف الشيعة عن السنّة في الأخذ بتعاليم دينهم ، ففي حين تمسّك الشيعة الإمامية بأئمّتهم الاثني عشر المعصومين ، الذين اختارهم الله ليكونوا هداة إلى دينه ، وأوصياء لنبيّه من بعده ، ومنهم أخذوا أحكام دينهم افترق بقية المسلمين إلى فرق ومذاهب تبعاً لعلمائهم وفقهاءهم ورؤساءهم .
وهذا ممّا وسّع الخلاف وافترق المسلمون في العقائد والأحكام ، إلاّ أنّ الأمر المهمّ الذي نتمسّك به نحن الإمامية أنّنا نقول بعصمة الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) ، الذي يجعلنا نختلف عن باقي المسلمين ، الذين أخذوا معالم دينهم من أشخاص يقرّون بخطئهم ويعترفون بعدم عصمتهم .
ولأنّه ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّ أُمّته ستفترق من بعده إلى فرق كثيرة ، وأنّ واحدة هي فقط الناجية ، يجعل حتماً على الجميع البحث عن تلك الفرقة الناجية ، ونحن بحمد الله ليس لدينا أدنى شكّ في أنّ المراد بتلك الفرقة الناجية هي فرقة أهل البيت (عليهم السلام) ، والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) .
فعليك أن تبحث عن تلك الفرقة الناجية ، ويكفيك للوصول إليها والتعرّف عليها أن تحكّم عقلك ، وتنساق وراء الأدلّة العلمية دون الأقوال .
وأن ما تسمعه من أقوال عن الشيعة لابدّ أن تميّز بعضه عن بعض ، فقسم منه نحن لا نقول به ، بل يقول به بقية الفرق القريبة منّا ، وقسم آخر لا يعرض بالشكل الذي نقول به بل يضاف عليه أو ينقص منه بحيث يشوّه محتواه .
فعليك إذاً أن تسألنا لنجيبك أو تقرأ كتبنا لتتعرّف على حقيقة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .
____________
1- الشورى : 23 .
2- فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245 .
3- المائدة : 67.
4- المائدة : 3 .