طباعة

( آمال . الأردن . سنّية . 30 سنة . طالبة ثانوية ) منهم المؤمن ومنهم المنافق

السؤال : هناك بعض الأحاديث الموضوعة ، والتي تقلّل من شأن صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فبعض الصحابة تقدّسونهم وبعضهم تسبّونهم ؟ ونحن من أين نعلم ما في نفوس البشر ، حتّى ولو كانوا منافقين ؟ بل الله أعلم بهم .
الجواب : تقديس أحد أو التبرّي من أحد لا يكون صحيحاً ما لم تكن هناك قرائن على استحقاق ذلك الشخص منزلة التقديس أو التبرّي ، ونحن الإمامية ننتهج منهجاً عقلائياً لا يحيد عن الفطرة والوجدان ، وتؤيّده أدلّة صحيحة صريحة .
والشيعة الإمامية يرفضون التقديس الاعتباطي الذي لا يستند إلى دليل ، ولا يقرّه عقل ، بل يرفضه القرآن الكريم بقولـه تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } (1) ، وقولـه تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } (2) ، وهكذا نهى الله تعالى عن مساواة المؤمن بالكافر أو بالمنافق .
هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى فإنّ تقديسنا لصحابي أو عدمه تؤيّده سيرته وأحواله ، إذ ذلك مرهون بالاستقراء التاريخي الذي تفرضه سيرة هذا وأحوال ذاك ، وإذا كنّا نتردّد في حديثٍ أو حديثين ونتهمهما بالوضع والكذب ، فلا يمكننا أن نتهم التاريخ كُلّه بالوضع وعدم الصحّة ، إذ ذلك إلغاء لكثير من الحقائق ، واتهام أكثر الأُمور بالتشكيك وعدم التصديق .
والتحقيق : إنّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان منهم الصالحين ، ومنهم المنافقين الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولعلّ استعراضاً لسيرة الكثير من الصحابة سيعطيكِ تصوّراً آخر عن موقفكِ من جميع الصحابة ، بما فيهم أُولئك الذين أباحوا سبّ علي (عليه السلام) على منابر الشام أربعين عاماً ، وقد قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) فيه : " من سبّ علياً فقد سبّني " (3) .
وكان معاوية يدعو أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى سبّ علي ، كالمغيرة بن شعبة ، وبسر بن أرطاة ، وأمثالهما .
فإنّ بسر بن أرطاة صعد على منبر البصرة ، فشتم علياً (عليه السلام) ، ثمّ قال : نشدت الله رجلاً علم أنّي صادق إلاّ صدّقني ، أو كاذب إلاّ كذّبني ، فقال أبو بكرة : اللهم إنا لا نعلمك إلاّ كاذباً ، قال : فأمر به فخنق (4) .
وكان المغيرة بن شعبة ـ لمّا ولي الكوفة ـ يقوم على المنبر ويخطب ، وينال من علي (عليه السلام) ويلعنه ويلعن شيعته (5) .
فإذا كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يصرّح بأن : " من سبّ علياً فقد سبّني " ، وكان معاوية وبعض الصحابة يسبّون علياً (عليه السلام) ، ممّا يعني أنّهم كانوا يسبّون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما قالت أُمّ سلمة حينما سمعت بعضهم يسبّ علياً (عليه السلام) : من منكم سبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقيل لها : معاذ الله ، فقالت : سمعت رسول الله يقول : " من سبّ علياً فقد سبّني " (6) .
هذه سيرة بعض الصحابة ، فهل بإمكاننا أن نتردّد في التبرّي من هؤلاء بحجّة الصحبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟!



___________
1- غافر : 58 .
2- الأنعام : 50 .
3- مسند أحمد 6 / 323 ، ذخائر العقبى : 66 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، نظم درر السمطين : 105 ، الجامع الصغير 2 / 608 ، كنز العمّال 11 / 573 و 602 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 132 و 30 / 179 و 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 250 و 294 ، ينابيع المودّة 1 / 152 و 2 / 102 و 156 و 274 و 395 ، جواهر المطالب 1 / 65 .
4- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 128 .
5- مسند أحمد 4 / 369 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 244 ، المستدرك على الصحيحين 1 / 385 .
6- مسند أحمد 6 / 323 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، مجمع الزوائد 9 / 130 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، المناقب : 149 ، جواهر المطالب 1 / 66 .