طباعة

( معد البطاط . استراليا . 30 سنة ) الآيات النازلة في حقّهم لا تعمّ الجميع

السؤال : السؤال كما طرحه الأخوة السنّة :
قال تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (1) .
وقال تعالى : { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } (2) .
وروى الكليني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : " كان الناس أهل ردّة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلاّ ثلاثة " ، فقلت : ومن الثلاثة ؟ فقال : " المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي " (3) ، فأين ذهب الذين ذكرهم الله تعالى ؟
فائدة : جاء في الكافي في حديث أبي بصير عن المرأة التي جاءت إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، تسأل عن أبي بكر وعمر ، فقال لها : " تولّيهما " ، قالت : فأقول لربّي إذا لقيته : إنّك أمرتني بولايتهما ؟ قال : " نعم " (4) .
أرجو أن تبيّنوا هل الروايتين صحيحتين ؟ مع ذكر السند ، وخدش الرواية أو صحّتها ، مع ذكر المصادر تفصيلاً ، وشرح للآيات التي تتكلّم عن رضا الله ، وآية بيعة الشجرة ، والسلام .
الجواب : نرجو الانتباه إلى النقاط التالية للإجابة على الموارد التي ذكرتموها :
أوّلاً : إنّ الآيتين في مجال ذكر فضيلة الهجرة والنصرة واتباعهما ، ولا إشكال فيه من حيث المبدأ ، ولكن لا تدلاّن على تأييد جميع المهاجرين والأنصار ، حتّى ولو انحرفوا عن الخطّ السليم ، وغاية ما يمكن أن يدّعى أنّ فيهما إطلاق ، وقد ثبت في محلّه : أنّ الإطلاق محمول على المقيّد إن ثبت التقييد ـ أي إن لم يرد قيد فالإطلاق محكم ، وإلاّ فلا ـ وفي المقام قد ثبت بالأدلّة الواضحة : انحراف جماعة عن الخطّ النبوي الذي رسمه لهم صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله) .
مضافاً إلى أنّ في الآية الأُولى توجد قرينة صارفة عن الإطلاق ، وهي " من " التي تدلّ على التبعيض ، لأنّ الأصل فيها أن تكون تبعيضية لا بيانية ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فإنّ رضا الله كان لعدد منهم لا لجميعهم .
وممّا يدلّ على هذا الوجه الآية التي تلت الآية الأُولى في سورة التوبة هي : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } (5) أليس أهل المدينة من الأنصار ؟ فكيف نجمع بين الآيتين بغير ما ذكرناه ؟
وأيضاً على سبيل المثال يقول أصحاب السير : بأنّ أُمّ حبيبة ـ زوجة الرسول(صلى الله عليه وآله) ـ هاجرت مع زوجها الأوّل ، والذي كان مسلماً آنذاك إلى الحبشة ـ في هجرة المسلمين إليها ـ وهناك ارتدّ زوجها وصار ما صار ، إلى أن رجعت هي مع المسلمين إلى المدينة .
وهنا ، أفهل يحقّ لنا أن ندخل هذا المرتدّ تحت شمول الآية استناداً إلى صدق الهجرة عليه ؟!
وبالجملة : فإنّ الآيتين لا تدلاّن نصّاً أو مضموناً على ما يدّعيه بعضهم ، بل أنّهما تدلاّن على اقتضاء الهجرة والنصرة للفضيلة إن لم يكن هناك مانع ، والحال نحن نعلم بطروّ المانع في بعضهم ، وهو تخلّفهم عن طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) .
وأمّا الروايات التي وردت في مصادرنا الخاصّة عن الارتداد ، فهي وإن كانت موجودة في بعض الموارد ، ولكن معناها العدول والانحراف عن وصية الرسول (صلى الله عليه وآله)، بالنسبة لإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) لا غير ، وهذا ثابت تاريخيّاً .
ثمّ إنّه قد ورد في بعض كتب التاريخ ـ مثل تاريخ الطبري ـ : أنّ العرب ارتدّوا كُلّهم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) عدا فئة في المدينة والطائف ، فكيف لا يثير هذا المطلب التساؤل عندهم ؟!
وأمّا الرواية التي نقلت عن الكافي ففيها : أنّ السند ضعيف ، بسبب ورود معلّى بن محمّد ، الذي ضعّفه كُلّ من النجاشي وابن الغضائري في رجالهما ، وعليه ورد تضعيف المجلسي لسند الرواية (6) .
ومع غضّ النظر عن سندها ، فهي محمولة على التقية ـ جمعاً بينها وبين باقي الروايات ـ ، مضافاً إلى أنّ في تتمّة الحديث إشارة واضحة لنية الإمام (عليه السلام) ، إذ يرجّح القائل بالبراءة ، فهو (عليه السلام) يشير إلى مراده بترجيح ذلك القائل ، ومن ثمّ يؤكّد على مقصوده بآيات كريمة ، ويقول : إنّ هذا نوع من التخاصم ، أي إنّه (عليه السلام) أبدى رأيه بلسان أحد أصحابه .
وعليه فلا غرابة في حديث الإمام (عليه السلام) إذ إنّ ظروف التقية ـ وجود حاكم سفّاك من جلاوزة بني أُمية وهو يوسف بن عمر الثقفي ، كما ذكرته الرواية ، على اطلاع قريب من المرأة السائلة " أُمّ خالد " ، وأيضاً نشر آراء وأفكار أحد المنحرفين القريبين للسلطة " كثير النوا " ـ كانت تفرض عليه أن يذكر الحقيقة بشكل دقيق ، حتّى لا يثير مؤيّدي الخطّ المنحرف لدى وصول الخبر إليهم ، وفي نفس الوقت يعلن الحقّ لذوي البصيرة .


___________
1- التوبة : 100 .
2- الحشر : 8 .
3- الكافي 8 / 245 .
4- المصدر السابق 8 / 101 .
5- التوبة : 101 .
6- مرآة العقول 25 / 244 .