السؤال : السادة في مركز الأبحاث العقائدية الأفاضل : أرغب بمعرفة الأدلّة من كتب الفريقين حول عملية ختم الصلاة بالتكبير ثلاث مرّات ، ورفع اليدين عند كُلّ تكبيرة ، علماً بأنّني قرأتها في كتاب مفاتيح الجنان نقلاً عن مصباح المتهجّد ، وأُريد معرفة أدلّة أكثر لو سمحتم ، وجزيتم خيراً .
الجواب : هناك قاعدة لابدّ من معرفتها ، وهي أنّ مسائل الفروع والفقه لا يطالب المذهب بأدلّتها من كتب المذاهب المختلفة معه حتّى في الأُصول ، وإلاّ لأصبح جميع المختلفين غير مختلفين وعلى مذهب واحد ، ولذلك فإنّنا نقول : إنّ طلب أدلّة الفروع من الفريقين ، وفي جميع التفاصيل غير وارد قطعاً ، ومثال لذلك بأنّ يأتي نصراني ويقول : اثبتوا لي أصل الصلاة ، أو الصيام ، أو الحجّ من الأديان الأُخرى ، فهل تستطيع إثبات ذلك لـه ؟ بل إنّك سوف تجيبه بأنّ هذه الأديان مختلفة في الأُصول ، ولا يمكن بالتالي أنّ يتوافقوا في أدلّة الفروع ، لأنّ مصادر تشريعهم تختلف .
إذاً ، سوف نحتاج إلى إثبات صحّة أحد هذه الأديان أو المذاهب في العقائد ، ومن ثمّ نسلّم بمصادر تشريعها للفروع وهذا واضح ، لأنّ الفروع تتفرّع وتبتني على أُصولها ومنابعها ، وهذا أمر مسلّم لدى الجميع .
ومع ذلك فقد يتّفق في بعض المسائل الفرعية أن تكون متّفقاً عليها لدى الجميع ، وقد يكون لديك حكماً تنفرد به ، ومع ذلك تجد أدلّته في كتب المخالفين ، وقد توجد مسائل لا تجد لها دليلاً لدى المخالف ، بل في نفس المذهب الواحد قد يشذّ أو ينفرد أحد العلماء بقول لا دليل عليه ، حتّى في مذهبه نفسه ، وهذا واضح أيضاً .
ومسألتنا من المسائل التي ننفرد بها عن سوانا ، ولكن سوف نأتي بادلّتها من كتبهم أيضاً إن شاء الله تعالى .
فنقول : أمّا الأدلّة من كتب أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فمنها :
1ـ عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : لأي علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثاً يرفع بها يديه ؟ فقال : " لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لمّا فتح مكّة صلّى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثاً ... " (1) .
2ـ عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : " إذا سلّمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثاً " (2) .
وأمّا من كتب أهل السنّة فمنها :
1ـ عن ابن عباس قال : إنّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
وقال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (3) .
فلو جمعنا هذه الروايات وجعلناها رواية واحدة ، يتبيّن لنا بأنّ المراد برفع الصوت بالذكر بعد انقضاء الصلاة على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو التكبير .
2ـ عن ابن عباس في الحديث السابق قال : ما كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ بالتكبير (4) .
3ـ قال ابن حجر العسقلاني عند شرحه للحديث : وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة ، قال الطبري : فيه الإبانة عن صحّة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة ، وتعقّبه ابن بطال بأنّه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف ، إلاّ ما حكاه بن حبيب في الواضحة أنّهم كانوا يستحبّون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيراً عالياً ثلاثاً (5) .
أمّا مسألة رفع اليدين عن التكبير ، فالأدلّة العامّة تشمل كُلّ تكبير ، وهذا التكبير داخل قطعاً لعدم الفرق بينه وبين كُلّ تكبير في الصلاة ، فإنّه آخر فعل مستحبّ فيها ، فيكون حكمه حكم كُلّ تكبير في الصلاة ، واليك الأحاديث الواردة في شأنها :
1ـ عن عمير بن حبيب قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرفع يديه مع كُلّ تكبيرة في الصلاة المكتوبة (6) .
2ـ عن قتادة قال : قلت لأنس بن مالك : أرنا كيف صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقام فصلّى فكان يرفع يديه مع كُلّ تكبيرة ، فلمّا انصرف قال : هكذا كانت صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (7) .
ونفهم ـ من التأكيد على رفع اليدين مع كُلّ تكبيرة وسؤاله عن كيفية الصلاة وأخباره بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي هكذا ـ من كُلّ ذلك بأنّ الناس قد تلاعبوا بالصلاة ، وخصوصاً بهذه السنّة التي ركّز عليها قتادة ، وأكّد وجودها أنس ، فأصبحت بعد ذلك من المستغربات والسنن المهجورة عندهم ، فأكّدها ونسبها للنبي (صلى الله عليه وآله) .
3ـ عن الذيال بن حرملة قال : سألت جابر بن عبد الله الأنصاري : كم كنتم يوم الشجرة ؟ قال : كنا ألفاً وأربعمائة ، قال : وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرفع يديه في كُلّ تكبيرة من الصلاة (8) .
4ـ عن نافع قال : إنّ عبد الله بن عمر كان إذا أبصر رجلاً يصلّي لا يرفع يديه كُلّما خفض ورفع حصبه حتّى يرفع يديه (9) .
5ـ وأخيراً قال المحدّث الوهّابي الألباني : " وأمّا الرفع من التكبيرات الأُخرى ، ففيه عدّة أحاديث أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يرفع يديه عند كُلّ تكبيرة " (10) .
____________
1- علل الشرائع 2 / 360 .
2- مستدرك الوسائل 5 / 52 .
3- صحيح البخاري 1 / 204 ، مسند أحمد 1 / 367 ، المصنّف للصنعاني 2 / 245 ، صحيح ابن خزيمة 3 / 102 .
4- مسند أحمد 1 / 222 ، صحيح مسلم 2 / 91 ، سنن أبي داود 1 / 226 ، سنن النسائي 3 / 67 .
5- فتح الباري 2 / 269 .
6- سنن ابن ماجة 1 / 280 ، المعجم الكبير 17 / 49 ، تاريخ مدينة دمشق 18 / 154 .
7- المعجم الأوسط 9 / 105 .
8- مجمع الزوائد 2 / 101 ، التاريخ الكبير 8 / 105 .
9- مسند الحميدي 2 / 277 .
10- تمام المنّة : 172 .
( زين العابدين أيوبي . سوريا . 20 سنة . طالب جامعة ) الأدلّة على رفع اليدين بالتكبير
- الزيارات: 509