السؤال : هل الأنبياء (عليهم السلام) والأئمّة (عليهم السلام) ينسون أو لا ينسون ؟ فهناك العديد من الآيات التي تشير للنسيان ، فهل هي تفسّر على معنى آخر ؟ وإذا ممكن بعض الأمثلة .
الجواب : لقد ثبت بالدليل العقلي القاطع : أنّ الأنبياء (عليهم السلام) ، وكذلك الأئمّة (عليهم السلام) معصومون من الذنوب والخطأ والنسيان مطلقاً ، وعلى هذا لابدّ من تأويل كُلّ الآيات القرآنية التي ظاهرها يوحي بنسبة النسيان إليهم (عليهم السلام) .
ومن الآيات التي ذكرت ، قولـه تعالى في قصّة موسى (عليه السلام) : { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا } (1) .
فإنّ هذه الآية قد يفهم منها للوهلة الأُولى نسبة النسيان للنبي موسى (عليه السلام) ، لكن لتعارض ظاهر هذه الآية مع الدليل العقلي الجازم الذي لا يقبل الشكّ على عصمة النبيّ من النسيان ، يدفعنا إلى تأويل ظاهر هذه الآية ، إلى ما يتلائم مع الدليل العقلي .
وقد ذكر في تأويلها ما روي عن ابن عباس : بلا تؤاخذني بما تركت من عهدك ، وأوّلت أيضاً : بلا تؤاخذني بما فعلته ممّا يشبه النسيان ، فسمّاه نسياناً للمشابهة ، كما قال المؤذّن لأخوة يوسف (عليه السلام) : { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } ، أي تشبهون السرّاق ، فما حصل من موسى (عليه السلام) ليس نسياناً بمعنى الغيبة ، بل بما يشبه النسيان في النتيجة ، وذلك لأنّه قدّم الأهم على المهمّ حسب علمه ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وترك الوعد بالصبر ، عندما تزاحم في مورد واحد ، فإنّه كان ملتفتاً إلى ما وعد به الخضر (عليه السلام) ، ولكنّه لم يصبر على ما رآه منه ، فما رآه لا يقاس بشيء أمام الوعد الذي قطعه للخضر (عليه السلام) .
وأمّا قولـه تعالى : { وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } (2) ، فإنّ الخطاب وإن كان موجّهاً للنبي (صلى الله عليه وآله) ، إلاّ أنّ المقصود منه الأُمّة ، وهذا موجود في القرآن في آيات أُخرى أيضاً .
أمّا قولـه تعالى في قصّة آدم : { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } (3) ، فإنّ المراد بالنسيان هنا هو أنّه عمل عمل الناسي ، بأن ترك الأمر وانصرف عنه ، كما يترك الناسي الأمر الذي يطلب منه ، وقد روي عنهم (عليهم السلام) : أنّ آدم لم ينسَ ، وكيف ينسى وهو يذكره ، ويقول لـه إبليس : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } (4) .
هذه بعض الآيات التي يجب أن تأوّل ، وهناك الكثير من الآيات الأُخرى التي يجب أن تأوّل أيضاً ، لأنّ ظاهرها يتعارض مع الحقائق الثابتة بالقطع ، فمثلاً لابدّ من تأويل : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } (5) ، وكذلك { وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً } (6) وغيرها كثير .
____________
1- الكهف : 73 .
2- الكهف : 24 .
3- طه : 113 .
4- الأعراف : 20 .
5- القصص : 88 .
6- الإسراء : 72 .
( حسين حبيب عبد الله . البحرين . 20 سنة . طالب جامعة ) تأويل ما يوحي نسيان المعصوم
- الزيارات: 450