السؤال : من المؤكّد أنّ العصمة الموعودة من الله تعالى لنبيّه الكريم في آية { وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } (1) لا تشير إلى خوف من النبيّ على نفسه ، وإنّما خوف من التكذيب وعدم نفاذ هذا الأمر ، فكيف استطاع عمر بن الخطّاب أن يمنعه بقولـه : إنّه ليهجر ؟
الجواب : إنّ الروايات الواردة في تفسير هذه الآية عن أهل البيت (عليهم السلام) ، وكذلك أقوال المفسّرين من الإمامية وغيرهم ، تشير إلى أنّ العصمة التي وعد الله نبيّه (صلى الله عليه وآله) في هذه الآية ، تدور بين أمرين ؛ إمّا العصمة من القتل ، أو العصمة من التكذيب حين تبليغ ما أمر الله عزّ وجلّ بتبليغه ، وكلاهما قد وفى الله سبحانه بهما لنبيّه (صلى الله عليه وآله).
ففي حديث طويل عن ابن عباس : فانزل الله تبارك وتعالى عليه : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " تهديد بعد وعيد ، لأمضين أمر الله عزّ وجلّ ، فإن يتّهموني ويكذّبوني فهو أهون عليَّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة " (2) .
وفي شرح أُصول الكافي للمولى المازندراني : قولـه : { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } من ولاية علي (عليه السلام) ، { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } ، لأنّ الولاية أصل الدين وسائر الشرائع فروع وتوابع لها ، وعدم تبليغ الأصل موجب لعدم تبليغ الفرع قطعاً ، { وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } قد وفى الله تعالى بما وعده ، حيث أنّهم عن آخرهم قبلوا منه ذلك وصدّقوه يومئذ ، وحيّوه بأحسن تحية وباركوه (3) .
وعن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا : أمر الله محمّداً (صلى الله عليه وآله) أن ينصب علياً للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقولوا : حابى ابن عمّه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه الآية (4) .
وفي المصدر ذاته : وقد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنّ الله أوحى إلى نبيّه (صلى الله عليه وآله) أن يستخلف علياً (عليه السلام) فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية تشجيعاً لـه على القيام بما أمره بأدائه (5) .
وقد وردت بعض الأقوال في تفسير هذه الآية بالعصمة من القتل (6) .
ومن خلال ذلك نعلم أنَّ العصمة للنبي (صلى الله عليه وآله) تحقّقت بشقّيها ـ سواء الخشية من القتل أو الخشية من التكذيب ـ حيث سلم النبيّ (صلى الله عليه وآله) من المنافقين والحاقدين من أن يعتدوا عليه لتنصيب علي (عليه السلام) .
وهو في هذا الموقف يشابه موقف موسى (عليه السلام) حيث توقّف عن التبليغ خشية القتل ، كما حكى الله تعالى عنه : { رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } (7) ، وقد قتل علياً (عليه السلام) من قريش نفوساً كثيرة .
وأيضاً تحقّق لـه أمر تصديقهم لـه ، وتسليمهم لعلي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين ، والولاية في وقتها في أحاديث مشهورة متضافرة نقلت وقائع تلك الحادثة ، وهذا لا ينافي حصول المعارضة بعد ذلك ، لأنّ الذي يفهم من الآية وحسب ظاهرها أنّ العصمة كانت في آن التبليغ بولاية علي (عليه السلام) ، وقد تحقّق ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله) .
____________
1- المائدة : 67 .
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 436 .
3- شرح أُصول الكافي 6 / 119 .
4- مجمع البيان 3 / 382 .
5- المصدر السابق 3 / 383 .
6- أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 9 / 8 ، الأم 4 / 168 ، بحار الأنوار 89 / 164 ، الخرائج والجرائح 3 / 1045 .
7- القصص : 33 .
( أُمّ محمّد . الكويت . 40 سنة . جامعية ) عصم النبيّ فيه من القتل والتكذيب
- الزيارات: 362