طباعة

( عبد الأمير . البحرين . ... ) أسباب غيبة الإمام المهدي

السؤال : ما هي الأسباب والحكم من غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) ؟
الجواب : إنّ غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) كانت ضرورية لابدّ للإمام منها ، نذكر لك بعض الأسباب التي حتمت غيابه (عليه السلام) :
1ـ الخوف عليه من العباسيين :
لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبّوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كُلّ حجرٍ ومدرٍ ، ولم يرعوا أيّة حرمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في عترته وبنيه ، ففرض الإقامة الجبرية على الإمام علي الهادي ، ونجله الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) في سامراء ، وإحاطتهما بقوى مكثّفة من الأمن ـ رجالاً ونساءً ـ هي لأجل التعرّف على ولادة الإمام المنتظر (عليه السلام) لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعن أوصيائه الأئمّة الطاهرين : أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأنّه هو الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام (عليه السلام) ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن .
فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام (عليه السلام) ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : " إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره " ، قلت : ولَمِ ؟ فقال (عليه السلام) : " يخاف " ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل (1) .
ويقول الشيخ الطوسي : " لا علّة تمنع من ظهوره (عليه السلام) إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ لـه الاستتار " (2) .
2ـ الامتحان والاختبار :
وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمام (عليه السلام) ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : " أمّا والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه " (3) .
ولقد جرت سنّة الله تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } (4) ، وقال تعالى :
{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } (5) .
وغيبة الإمام (عليه السلام) من موارد الامتحان ، فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه ، وصفت نفسه ، وصدّق بما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدّة غير محدّدة ، أو أنّ ظهوره بيد الله تعالى ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها .
3ـ الغيبة من أسرار الله تعالى :
وعُلّلت غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) بأنّها من أسرار الله تعالى ، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق ، فقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : " إنّما مثله كمثل الساعة ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلاّ بغتة " (6) .
4ـ عدم بيعته لظالم :
ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام (عليه السلام) أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، فعن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه ، عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال : " كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه " ، قلت لـه : ولم ذلك يا بن رسول الله ؟ قال (عليه السلام) : " لأنّ إمامهم يغيب عنهم " ، فقلت : ولِمَ ؟ " لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف " (7) .
وأعلن الإمام المهدي (عليه السلام) ذلك بقولـه : " إنّه لم يكن لأحد من آبائي (عليهم السلام) إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي " (8) .
هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) ، وأكبر الظنّ أنّ الله تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب أُخرى أيضاً لا نعلمها إلاّ بعد ظهوره (عليه السلام) .

____________
1- علل الشرائع 1 / 246 ، كمال الدين وتمام النعمة : 481 .
2- الغيبة للشيخ الطوسي : 329 .
3- الإمامة والتبصرة : 125 ، الكافي 1 / 336 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 191 .
4- الملك : 2 .
5- العنكبوت : 2 .
6- كفاية الأثر : 168 و 250 ، ينابيع المودّة 3 / 310 .
7- علل الشرائع 1 / 245 ، عيون أخبار الرضا 2 / 247 .
8- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 292 .