طباعة

( نجيب العجمي ـ عمان ـ 22 سنة ـ طالب جامعة ) النواصب كفّار وإن صلّوا وصاموا

السؤال : عندي استفسار عن مدى صحّة الروايات التالية :
1ـ عن علي بن أسباط يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : " إنّ الله تبارك وتعالى يبدأ بالنظر إلى زوّار قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) عشية عرفة " ، قال : قلت : قبل نظره إلى أهل الموقف ؟ قال : " نعم " , قلت : وكيف ذاك ؟ قال : " لأنّ في أُولئك أولاد زنى ، وليس في هؤلاء أولاد الزنا " (1) ، سبحان الله كُلّ الناس أولاد زنا ؟
2ـ عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم ؟ فقال لي : " الكفّ عنهم أجمل " ، ثمّ قال : " والله يا أبا حمزة ، إنّ الناس كُلّهم أولاد بغايا ما خلا شعيتنا " (2) .
3ـ جاء في الأنوار النعمانية : روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " أنّ علامة النواصب تقديم غير علي عليه " ... ويؤيّد هذا المعنى : أنّ الأئمّة (عليهم السلام) وخواصّهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله ، مع أنّ أبا حنيفة لم يكن ممّن نصب العدواة لأهل البيت (عليهم السلام) ، بل كان له انقطاع إليهم ، وكان يظهر لهم التودّد ... .
الثاني : في جواز قتلهم واستباحة أموالهم ـ يعني بالنواصب أهل السنّة ـ (3) .
4ـ جاء في نور البراهين : وأمّا طوائف أهل الخلاف على هذه الفرقة الإمامية ، فالنصوص متضافرة في الدلالة على أنّهم مخلّدون في النار ... .
وروى المحقّق الحلّي في آخر السرائر مسنداً إلى محمّد بن عيسى قال : " كتبت إليه أسأله عن الناصب ، هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت ، واعتقاد إمامتهما ؟ ـ والمقصود بالجبت والطاغوت هما أبا بكر وعمر ـ فرجع الجواب : من كان على هذا فهو ناصب " (4) .
الجواب : فقد ذكرت أربعة كتب رأيت فيها ما استفزّك حين أشكل عليك أمر ما رأيت ، ولعلّك ظننت أنّ كُلّ كتاب ما ضمّ بين دفتيه هو حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وليس الأمر كذلك ، فكُلّ كتاب تراه لشيعي أو سنّي أو غيرهما ، يُؤخذ منه ويُقبل ما فيه إذا لم يعارض كتاب الله وسنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله) .
ولمّا كان كتاب الله تعالى ثابتاً بالتواتر عند جميع المسلمين ، فلسنا بحاجة إلى بحث ثبوته ، ولكن سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم ترد كذلك ، بل نقلت أحاديثها عن طريق الإسناد ، وفي رجاله ربما كان من لا تُقبل روايته ، لجهة من جهات الرفض المذكورة في كتب الدراية وغيرها ، لذلك يلزمنا النظر في رجال السند أوّلاً ، فإن سلّم نظرنا إلى المتن لئلا يكون معارضاً لما صحّ وثبت من كتاب الله تعالى ، أو لضروري من ضروريات العقيدة الإسلامية ، ممّا أجمع عليه المسلمون ، لأنّ الحديث النبوي الشريف تعرّض لدخيل فيه أباطيل ، وكذلك ما ورد عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) .
لذلك كان الشيعة أقوم قيلاً حين أخضعوا جميع الأحاديث والأخبار للنظر سنداً ومتناً ، بخلاف أهل السنّة الذين أطّروا بعض الكتب الحديثية ـ كصحيح البخاري ومسلم وغيرهما ـ بما جاوز الحدّ ، حتّى غلوا في صحيح البخاري ، فقالوا : أنّه أصحّ كتاب بعد كتاب الله ، وأنّ من روى عنه البخاري فقد جاز القنطرة ، ونحو ذلك في غيره من كتب الصحاح عندهم ، وهذا ما جعلهم في حيرة حين وجدوا في البخاري ومسلم ـ فضلاً عن غيرهما ـ رجالاً ليسوا بأهل للرواية عنهم .
وعليك أن تراجع مقدّمة فتح الباري لابن حجر لتجد أنّ المتكلّم فيه بالضعف من رجال البخاري ثمانون رجلاً ، والمتكلّم فيه بالضعف من رجال مسلم مئة وستّون رجلاً (5) .
أمّا الشيعة فقد قالوا : سائر الكتب ـ ما عدا القرآن الكريم ـ تخضع للفحص ، فما وافق كتاب الله تعالى فهو حقّ ، وما خالف فهو زخرف يضرب به عرض الجدار ، فإذا عرفت فلنذكر لك ما اشتبه عليك علمه ، وغلب عليك وهمه .
1ـ ما ذكرته عن علي بن أسباط ، ففي سنده انقطاع ، وهو ما يسمّى بالمعضَل ، وجهالة الرواة فيما بين علي بن أسباط وبين أبي عبد الله (عليه السلام) ، وهذا كاف في ردّه وعدم حجّيته ، ومع الإغماض عمّا في سنده ، فالمراد أُولئك الذين لم يأتوا بواجبات الحجّ كاملاً ، لأنّ من واجباته طواف النساء ، ومن لم يأت به حرمت عليه النساء ، وبعض المذاهب لا يرون للحجّاج الإتيان به ، لذلك كانت مباشرتهم لنسائهم حرام ، ومن ولد من نكاح حرام فهو ولد زنا ، فهذا معنى قولـه (عليه السلام) على تقدير صحّة الرواية سنداً .
وممّا ينبغي التنبيه عليه في المقام ، أنّ لعلي بن أسباط كتاب نوادر ، وكتب النوادر أقلّ مرتبة في القبول من غيرها ، لأنّ ما يذكر في أبواب النوادر لا يعتمد عليه كما سيأتي مزيد بيان عن ذلك في آخر الأجوبة ، وأخيراً لاحظ كتاب الخلاف للطوسي (قدس سره) حول طواف النساء ووجوبه عندنا .
2ـ ما ذكرته عن أبي حمزة ففي سنده مجهولان ، وهما : علي بن العباس والحسن بن عبد الرحمن ، وهذا يكفي في سقوط الاستدلال بالخبر ، ولو أغمضنا عن ذلك ورجعنا إلى المتن لوجدنا بقية الخبر ولم تذكره ، فيه بيان وتفسير لما استنكرت ، والخبر بنصّه كما في المصدر .
عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم ؟ فقال لي : " الكفّ عنهم أجمل " ، ثمّ قال : " والله يا أبا حمزة ، إنّ الناس كُلّهم أولاد بغايا ما خلا شعيتنا " ، قلت : كيف لي بالمخرج من هذا ؟
فقال لي : " يا أبا حمزة كتاب الله المنزل يدلّ عليه ، أنّ الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ، ثمّ قال عزّ وجلّ : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } ، فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا .
والله يا أبا حمزة ، ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلاّ كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً ، ولو قد ظهر الحقّ لقد بيع الرجل الكريمة عليه نفسه فيمن لا يزيد ، حتّى أنّ الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله ويطلب النجاة لنفسه ، فلا يصل إلى شيء من ذلك ، وقد أخرجونا وشيعتنا من حقّنا ذلك بلا عذر ولا حقّ ولا حجّة " .
3ـ وما ذكرته عن الأنوار النعمانية ، فأوّل ما فيه أنّ النبوي المذكور مرسل ، فلا ندري من رواه ، وعمّن رواه ، لنعرف الحال في أُولئك الرجال ، والذي ذكره بعده فهو من اجتهاد المؤلّف ، فلا يعبّر إلاّ عن رأيه الشخصي ، ولا يلزمنا ذلك بشيء ، إذ لسنا مقلّدين له ، ورأيه كآراء غيره من الناس فمن ارتضاه قبله ، ومن لم يقبله رفضه .
4ـ وما ذكرته عن نور البراهين ، فإنّ مؤلّفه هو مؤلّف الأنوار النعمانية ، وللرجل اجتهادات شخصية لسنا ملزمين بها ، وما نقله عن المحقّق الحلّي في آخر السرائر ، فإنّ آخر السرائر هو باب النوادر ، ممّا استطرفه من كتب الآخرين، فهو لا يعني التزامه بصحّة ما فيه كما صرّح بذلك في كتاب السرائر ، وإنّ ما يوجد في باب النوادر لا يعمل به .
هذا باختصار جواب ما ذكرته عن تلك الكتب ، والآن لزيادة الإيضاح والإفصاح كيلا تستوحش من وصف النواصب بالكفر ، أذكر لك جملة أحاديث نبوية مذكورة في مصادرها السنّية :
1ـ أخرج الهيثمي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسمعته وهو يقول : " أيّها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً " ، فقلت : يا رسول الله وإن صام وصلّى ؟
قال : " وإن صلّى وصام ، وزعم أنّه مسلم ، احتجر بذلك من سفك دمه ، وأن يؤدّي الجزية عن يد وهم صاغرون ، مثل لي أمّتي في الطين ، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته " رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه : من لم أعرفهم (6) .
أقول : لماذا لم يذكرهم ؟ لئلا يوجد من يعرفهم .
2ـ أخرج الحاكم بإسناده عن ابن عباس : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : " يا بني عبد المطلب ، إنّي سألت الله لكم ثلاثاً ، أن يثبّت قائمكم ، وأن يهدي ضالّكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء ، فلو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام ، ثمّ لقى الله وهو مبغض لأهل بيت محمّد دخل النار " ، هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم (7) .
ورواه الطبري في ذخائر العقبى ، وابن أبي عاصم في كتاب السنّة ، والطبراني في المعجم الكبير ، والمتّقي الهندي في كنز العمّال وغيرهم .
3ـ قال (صلى الله عليه وآله) : " من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ، ثمّ منكراً ونكيراً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة " (8) .
قال الفخر الرازي : " آل محمّد (صلى الله عليه وآله) هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكُلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولاشكّ أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل " (9) .
فبعد هذا عليك أن تميّز بين المحبّ لهم والمبغض لهم ، فالمحبّ مؤمن والمبغض كافر كما مرّ في الحديث ، فعلى هذا كان عدّ النواصب كفّاراً ، وإن صلّوا وصاموا كما مرّ في الحديث الأوّل ، ولو راجعت معاجم اللغة تجد تعريفهم بأنّهم قوم يبغضون الإمام علي (عليه السلام) .
قال الفيروز آبادي الشافعي : " والنواصب والناصبية وأهل النصب : المتدينون ببغضة علي ، لأنّهم نصبوا له ، أي عادوه " .
إذاً ، فالميزان هو بغض الإمام في علامة النصب ، فأينما مبغض فهو ناصبي ، وهو كافر بنصّ ما سبق في الحديث : " ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً " ، مضافاً إلى ما ورد من أحاديث نبوية في علي خاصّة ، نحو قولـه (صلى الله عليه وآله) : " من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني " (10) .
ونحو قولـه (صلى الله عليه وآله) : " لا يحبّ علياً إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق " (11) ، إلى غير ذلك ممّا يطول بيانه .


_____________
1- الكافي 8 / 285 .
2- الأنوار النعمانية 2 / 307 .
3- نور البراهين 1 / 57 .
4- مقدّمة فتح الباري : 9 .
5- مجمع الزوائد 9 / 172 .
6- المستدرك 3 / 148 .
7- الكشف والبيان 8 / 214 ، الجامع لأحكام القرآن 16 / 23 ، تفسير الثعالبي 5 / 157 ، التفسير الكبير 9 / 595 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 / 219 .
8- التفسير الكبير 9 / 595 .
9- القاموس المحيط 1 / 123 .
10- ذخائر العقبى : 65 ، المستدرك 3 / 130 ، مجمع الزوائد 9 / 132 ، المعجم الكبير 23 / 380 ، الجامع الصغير 2 / 554 ، كنز العمّال 11 / 601 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 270 ، الصواعق المحرقة 2 / 360 ، الجوهرة : 66 ، الوافي بالوفيات 21 / 179 ، جواهر المطالب 1 / 63 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 293 .
11- المعجم الكبير 23 / 375 ، كنز العمّال 11 / 622 ، تهذيب الكمال 15 / 233 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 295 ، ينابيع المودّة 2 / 85 و 274 .