السؤال : اخوتي الأعزّاء : ما هو موقف المسلمين من نهي عمر لمتعة الحجّ ؟ ودمتم موفّقين .
الجواب : لقد عارض المسلمون هذا النهي الصريح من عمر ، وإليك الروايات الدالّة على ذلك مختصرة :
1ـ روى مالك : " عن محمّد بن عبد الله ، أنّه سمع سعد بن أبي وقّاص ، والضحّاك بن قيس ، عام حجّ معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال الضحّاك بن قيس : لا يفعل ذلك إلاّ من جهل أمر الله عزّ وجلّ ! فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي ! فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى عن ذلك ، فقال سعد : قد صنعها رسول الله وصنعناها معه " (1) .
وللقارئ أن يمعن جيّداً في قول الضحّاك : لا يفعل ذلك إلاّ من جهل أمر الله عزّ وجلّ ، إذ إنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ هي من أوامر الله الصريحة في القرآن الكريم ، لكنّها أصبحت عنده بسبب نهي عمر عنها مخالفة لأمر الله !!
وهذا من أسوأ آثار البدعة في الدين ، إذ تتحوّل الشريعة إلى بدعة عند الجهلة .
2ـ روى الترمذي : " عن ابن شهاب : أنّ سالم بن عبد الله حدّثه : أنّه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال عبد الله بن عمر : حلال .
فقال الشامي : إنّ أباك قد نهى عنها ! فقال عبد الله بن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أمر أبي يتبع أم أمر رسول الله ؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله ، فقال : لقد صنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (2) .
3ـ عن ابن تيمية : " وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس في المتعة ، فقال له : قال أبو بكر وعمر ، فقال ابن عباس : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقولون : قال أبو بكر وعمر " (3) .
4ـ روى الهيثمي : " عن الحسن : أنّ عمر بن الخطّاب أراد أن ينهى عن متعة الحجّ ، فقال له أُبي : ليس ذلك لك ، قد تمتّعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فأضرب عمر " (4) .
لكن هذا الإضراب كان مؤقّتاً ، فقد نهى عنها فيما بعد .
ثمّ إنّ المتأخّرين قاموا بحفظ كرامة عمر ، فحرّفوا الكلم عن مواضعه ، وأوّلوا نهي عمر بوجهين :
1ـ قال القرطبي : " وذلك أن يحرم الرجل بالحجّ حتّى إذا دخل مكّة ، فسخ حجّه في عمرة ، ثمّ حلّ وأقام حلالاً حتّى يهل بالحجّ يوم التروية " (5) .
وهذا كما ترى ، لا يوافق ما مرّ من النصوص ، خصوصاً ما نقلناه من المناظرة بين سعد والضحّاك بن قيس ، ومن وقف على النصوص الكثيرة ، والمناظرة الدائرة بين النبيّ وأصحابه ، وبين الصحابة أنفسهم يقف على أنّه نهى عن حجّ التمتّع .
روى البخاري : عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعلياً ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلمّا رأى علي ـ أي النهي ـ أهل بهما : لبيك بعمرة وحجّة قال : " ما كنت لأدع سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لقول أحد " (6) .
2ـ إنّ نهي عمر عن متعة الحجّ لأجل اختصاص إباحة المتعة بالصحابة في عمرتهم مع رسول الله فحسب .
ويكفينا في الردّ عليه ما نقله ابن القيّم : " فإنّ هذه الآثار ـ أي الدالّة على الاختصاص بالصحابة ـ بين باطل لا يصحّ ، عمّن نسب إليه البتة ، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا تعارض به نصوص المعصوم " (7) .
ففي صحيحة الشيخين وغيرهما عن سراقة بن مالك قال : متعتنا هذه يا رسول الله لعامنا هذا أم للأبد ؟ قال : " لا بل للأبد " (8) .
قال العيني في قولـه تعالى : { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ } (9) : " وهذا عام ، وأجمع المسلمون على إباحة التمتّع في جميع الأعصار ، وإنّما اختلفوا في فضله ، وأمّا السنّة فحديث سراقة : المتعة لنا خاصّة أو هي للأبد ؟ قال : " هي للأبد " ، وحديث جابر المذكور في صحيح مسلم في صفة الحجّ نحو هذا .
ومعناه : أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتّع ، ولا يرون العمرة في أشهر الحجّ ، فجوّزوا ، فبيّن النبيّ أنّ الله قد شرع العمرة في أشهر الحجّ ، وجوّز المتعة إلى يوم القيامة " (10) .
____________
1- الموطّأ 1 / 344 ، الجامع الكبير 2 / 159 .
2- الجامع الكبير 2 / 159 ، مسند أبي يعلى 9 / 415 .
3- الفتاوى الكبرى 2 / 460 .
4- مجمع الزوائد 1 / 285 .
5- الجامع لأحكام القرآن 2 / 392 .
6- صحيح البخاري 2 / 151 .
7- زاد المعاد 2 / 191 .
8- أُنظر : صحيح البخاري 3 / 114 ، صحيح مسلم 4 / 37 .
9- البقرة : 196 .
10- عمدة القاري 9 / 284 .
( ... . الكويت ـ 20 سنة ) موقف المسلمين من نهي عمر
- الزيارات: 337