السؤال : قد طرح عليّ هذا السؤال : هل معاوية كان مؤمناً قبل الفتنة على الأقل في نظرك أنت ؟ أُريد الجواب للتأصيل فقط لا غير ، وبعدها أنا سأكمل ، فأجبته : بنعم ، فأجابني الزميل المخالف بهذا الجواب : سيّدنا علي (رضي الله عنه) يقول : نعم ، حتّى في وقت الحرب ، وكما وعدتك ... من كتبك .
الأوّل : عن جعفر عن أبيه أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول لأهل حربه : " إنّا لم نقاتلهم على التكفير لهم ، ولم نقاتلهم على التكفير لنا ، ولكنّا رأينا أنّا على حقّ ، ورأوا أنّهم على حقّ " (1) .
الثاني : قال علي (عليه السلام) : " وكان بدء أمرنا أنّا التقينا بالقوم من أهل الشام ، والظاهر أنّ ربّنا واحد ، ونبيّنا واحد ، ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا ، والأمر واحد إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان ، ونحن منه براء " (2) .
الثالث : عن جعفر عن أبيه : " أنّ علياً (عليه السلام) لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ، ولكنّه كان يقول : هم إخواننا بغوا علينا " (3) .
الرابع : قال علي (عليه السلام) : " إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم : اللهم أحقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ... " (4) .
أذكرك بقوله تعالى : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } (5) .
وبالإضافة للآية ... يكفيك الأحاديث المذكورة ، فما ردّي ؟ هل هذه حجّة علينا أنّ الإمام علي (عليه السلام) شهد لمعاوية عليه من الله ما يستحق بأنّه مسلم ، فسؤالي هل معاوية كان مسلماً ؟
أرجو الإفادة والمساعدة ، بارك الله بكم ، وجزاكم الله ألف خير في الدفاع عن هذا الإسلام المحمّدي الأصيل .
الجواب : الإسلام الظاهري لا ننفيه عن أيّ أحد يدّعي الإسلام ، ويتشهّد الشهادتين ، إلاّ أن يأتي بكفر بواح ، أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة عناداً للحقّ ، وتكذيباً للرسول (صلى الله عليه وآله) .
فنحن لا ننفي إسلام معاوية أو غيره في هذه الدنيا ، وإنّما نعتقد بأنّ من يخالف الحقّ ، ولم يتولّ أهل البيت (عليهم السلام) فهو ليس بمؤمن بالمعنى الأخص في الدنيا ، وليس بمسلم حقيقي عند الله في الواقع ، وهو يستحقّ النار في الآخرة .
ودليلنا على ذلك حديث الافتراق ، قال (صلى الله عليه وآله) : " وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كُلّها في النار إلاّ واحدة " (6) ، فبيّن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)بأنّ جميع الفرق هي أُمّته الإسلامية ، وتنتسب ظاهراً ـ وفي هذه الدنيا ـ إلى الإسلام ، ولكن الفرقة الناجية منها هي واحدة فقط ، فهي المسلمة حقّاً ، وهي المتبعة للحقّ وتستحقّ الجنّة .
فهؤلاء المحاربين لأمير المؤمنين(عليه السلام) لا نخرجهم عن الإسلام في هذه الدنيا ، فنجري عليهم حكم الإسلام والمسلمين ، ودليلنا ما ورد من قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله " (7) ، وقال عن إسناده ابن حجر : " ورجاله رجال الصحيح " (8) .
وأمّا ما أوردت من نصوص عن أئمّتنا (عليهم السلام) فهي تدلّ على ما قدّمنا من إثبات إسلامهم الظاهري ، ولكن لم يثبت نجاتهم في الآخرة أبداً .
وأمّا الأحاديث والآية التي ذكرتها لإثبات إسلامهم ، فقد أثبتنا نحن أيضاً الإسلام الظاهر ، ولا تدلّ على أكثر من ذلك ، وكذلك وصف الإمام (عليه السلام) لهم بأنّهم إخواننا بغوا علينا ، أو أنّهم رأوا أنّهم على حقّ ، فهذه الأوصاف ليست كُلّية ، وتشمل كُلّ فرد فرد ، وإنّما فيهم المنافق وفيهم الفاسق ، وفيهم المعاند وفيهم الجاهل الخ .
وخصوصاً قول الإمام (عليه السلام) : " والظاهر أنّ ربّنا واحد " ، فإنّ الإمام (عليه السلام) يبيّن أيضاً بأنّهم مسلمون ظاهراً ، بل هي تدلّ على بغيهم ، ولو تأمّلت بالآية الكريمة لما وجدتها تثبت ذلك لهم بعد البغي { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } ، فالآية غير متعرّضة بالمرّة لمن لا يفئ إلى أمر الله ، فلا تستطيع إثبات الإيمان لمن أصرّ وبقي على بغيه من خلال هذه الآية ، فهي عليك لا لك .
ويكفينا لحكمنا هذا بالتفريق بين حالهم في الدنيا وحالهم في الآخرة ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمّار ـ في أوّل أيّام الهجرة النبوية الشريفة ، عندما كانوا يبنون المسجد النبوي الشريف ـ : " ويح عمّار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنّة ، ويدعونه إلى النار " (9) .
فانظر يا أخي هداك الله كيف تجهد نفسك ، وتجعلها في صفّ مَن يدعو إلى النار وتتولاّه ، وتدافع عنه بهذه القوّة ، وتأتي بأحاديث وتقول : وكما وعدتك ... من كتبك ... .
اتق الله يا أخي ، ودافع وجاهد عن الحقّ ، وعن الدعاة إلى الجنّة ، وكن معهم ، وجاهد وعاند الدعاة إلى النار ، وكن ضدّهم وتبرأ منهم .
____________
1- قرب الإسناد : 93 .
2- شرح نهج البلاغة 17 / 141 .
3- قرب الإسناد : 94 .
4- شرح نهج البلاغة 11 / 21 .
5- الحجرات : 9 .
6- سنن الدارمي 2 / 241 ، سنن ابن ماجة 2 / 1322 ، سنن أبي داود 2 / 390 ، الجامع الكبير 4 / 135 ، المستدرك 1 / 128 ، المعجم الكبير 8 / 273 .
7- مسند أحمد 3 / 33 و 82 ، المستدرك 3 / 123 ، مجمع الزوائد 5 / 186 و 6 / 244 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 154 ، خصائص أمير المؤمنين : 131 ، مسند أبي يعلى 2 / 341 ، صحيح ابن حبّان 15 / 385 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 451 ، أُسد الغابة 4 / 32 .
8- مجمع الزوائد 5 / 186 .
9- مسند أحمد 3 / 91 ، صحيح البخاري 1 / 115 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 523 ، صحيح ابن حبّان 15 / 554 ، المعجم الكبير 12 / 301 ، صحيح مسلم 8 / 186 .
( الموسوي ـ العراق ـ 20 سنة ـ طالب ) مسلم في الظاهر
- الزيارات: 401