السؤال : إنّي شيعي من جنوب لبنان ، لقد تعرّفت على هذا الموقع عن طريق أخي ، وأنا قد واجهت بعض المشاكل في الحديث عن أهل البيت مع الإخوة السنّة ، وإنّي حاولت أن أحدّد إجاباتي في كُلّ وقت يطرح عليّ سؤال ما ، ولكن وفي وقت من الأوقات تحدّثت مع أخي ، وقال لي تراسل مع هذا المركز الذي سوف يساعدك قي مواجهة هذه المشكلة .
والمشكلة على وجه التحديد هي : تكفير المذهب الوهّابي للمذهب الشيعي ، واعتقادهم بأنّهم هم المذهب المسلم المسالم المسلمين ، فأتمنّى منكم أن ترسلوا لي بعض الأحاديث والدلائل على مناقشة هذا الموضوع بطريقة الكتاب ، وعبر طريق المستندات السنّية ، التي تثبت القول ، وذلك لفقر مناطقنا الشيعية بهذه الكتب ، وشكراً .
الجواب : إنّ تكفير أهل القبلة أمر مردود على صاحبه ، ومرفوض كتاباً وسنّة ، قال تعالى في كتابه الكريم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... } (1) .
وعن ابن عباس قال : لحق المسلمون رجلاً في غنيمة له ، فقال : السلام عليكم ، فقتلوه ، وأخذوا غنيمته ، فنزلت هذه الآية : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } تلك الغنيمة (2) .
وأيضاً عن ابن عباس قال : مر رجل من سليم على نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه غنم فسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّم عليكم إلاّ ليتعوّذ منكم ، فقاموا إليه فقتلوه ، وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فأنزل الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ ... } (3) .
فقد دلّت الآية الكريمة على أنّ من أظهر أدنى علامات الإسلام ـ كالتحية ـ تجري عليه أحكامه ، من عصمة ماله ودمه .
عن ابن عباس في قولـه : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا } ، قال : حرّم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد أن لا إله إلاّ الله لست مؤمناً ، كما حرّم عليهم الميتة ، فهو آمن على ماله ودمه ، فلا تردّوا عليه قولـه (4) .
وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " إيّاكم والظنّ فإنّه أكذب الحديث " (5) ، وقال تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } (6) ، وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } (7) ، ومعلوم أنّه لم يرد حقيقة العلم بضمائرهنّ واعتقادهنّ ، وإنّما أراد ما ظهر من إيمانهنّ من القول .
وقال تعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا } ، وذلك عموم في جميع الكفّار ، وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأُسامة بن زيد ، حيث قتل الرجل الذي قال : لا إله إلاّ الله ، فقال : إنّما قالها متعوّذاً ، قال : " هلاّ شققت عن قلبه " (8).
وقال سيّد سابق في فقه السنّة : وفي ميدان الحرب والقتال ، إذا أجرى المقاتل كلمة السلام على لسانه ، وجب الكفّ عن قتاله ، يقول الله تعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا } (9) .
نقول : فما بالك بالذي يشهد الشهادتين ، ويؤمن بالمعاد ، ويأتي بما أوجب الله تعالى عليه ، من صلاة وصيام وزكاة وحجّ وغيرها من فروع الدين ، هل يحقّ لأحد ـ ممّن يدّعي الإسلام ـ أن يكفّره ؟ أو يقاتله ؟ أو يعتدي على ماله ؟
ويسبي ذراريه ؟ وهو ما يفتي به علماء الوهّابية بحقّ من خالفهم من المسلمين ، ويخصّون بالذكر أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ، يبتغون بذلك عرض الحياة الدنيا ، كما هو الواقع الذي تحكي عنه الآية السابقة ، فبئس ما يصنعون .
وقد ورد في السنّة الشريفة من الأحاديث والمواقف الدالّة على النهي الشديد عن تكفير أهل القبلة ، وأهل الشهادتين وقتالهم ، نذكر جملة منها :
1ـ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " لا تكفّروا أهل ملّتكم ، وإن عملوا الكبائر " (10) .
2ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " لا تكفّروا أحداً من أهل قبلتي بذنب ، وإن عملوا الكبائر " (11) ، نقول : نعم إنّ الكبائر توجب العقاب لا الكفر .
3ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " بني الإسلام على خصال : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والإقرار بما جاء من عند الله , والجهاد ماض منذ بعث رسله إلى آخر عصابة تكون من المسلمين ... فلا تكفّروهم بذنب ، ولا تشهدوا عليهم بشرك " (12) .
4ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " بني الإسلام على ثلاث ، أهل لا إله إلاّ الله لا تكفّروهم بذنب ، ولا تشهدوا عليهم بشرك " (13) .
5 ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " إذا أحدكم قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما " (14) .
6ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " لا يرمي رجل رجلاً بالفسق ، ولا يرميه بالكفر إلاّ ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك " (15) .
7ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " من كفّر أخاه فقد باء بها أحدهما " (16) .
8ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " أيّما رجل مسلم كفّر رجلاً مسلماً ، فإن كان كافراً وإلاّ كان هو الكافر " (17) .
9ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله " (18) .
10ـ وقال (صلى الله عليه وآله) : " كفّوا عن أهل لا إله إلاّ الله ، لا تكفّروهم بذنب ، فمن أكفر أهل لا إله إلاّ الله فهو إلى الكفر أقرب " (19) .
وعن الزهري : أخبرني محمود بن الربيع قال : سمعت عتبان بن مالك يقول : غدا عليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال رجل : أين مالك بن الدخشن ؟ فقال رجل منّا : ذلك منافق لا يحبّ الله ورسوله ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " ألا تقولوه يقول لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله " قال : بلى ، قال : " فإنّه لا يوافي عبد يوم القيامة به ، إلاّ حرّم الله عليه النار " (20) .
وعن ابن ظبيان : " سمعت أُسامة بن زيد بن حارثة يحدّث قال : بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الحرقة من جهينة ، قال : فصحبنا القوم فهزمناهم ، قال : ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجل منهم ، قال : فلمّا غشّيناه قال : لا إله إلاّ الله ، فكفّ عنه الأنصاري ، فطعنته برمحي حتّى قتلته .
قال : فلمّا قدمنا بلغ ذلك النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : فقال لي : " يا أُسامة ، أقتلته بعدما قال لا إله إلاّ الله " ؟ قال : قلت : يا رسول الله إنّما كان متعوّذاً ، قال : " أقتلته بعد أن قال لا إله إلاّ الله " ؟ قال : فما زال يكرّرها عليّ حتّى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم " (21).
وعن الزهري قال : حدّثنا عطاء بن يزيد : أنّ عبيد الله بن عدي حدّثه : أنّ المقداد بن عمرو الكندي ـ حليف بني زهرة ـ حدّثه ، وكان شهد بدراً مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، أنّه قال : يا رسول الله إن لقيت كافراً فاقتتلنا ، فضرب يدي بالسيف فقطعها ، ثمّ لاذ بشجرة وقال : أسلمت لله ، أأقتله بعد أن قالها ؟
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " لا تقتله " ، قال : يا رسول الله ، فإنّه طرح إحدى يدي ، ثمّ قال ذلك بعدما قطعها أأقتله ؟ قال : " لا تقتله ، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال " (22).
لمّا خاطب ذو الخويصرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بقوله : اتق الله ... قال خالد بن الوليد : يا رسول الله ! ألا أضرب عنقه ؟ قال (صلى الله عليه وآله) : " لا ، لعلّه أن يكون يصلّي " ، فقال خالد : كم مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " إنّي لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشقّ بطونهم " (23).
وفي هذه الأحاديث نجد الدلالة واضحة في النهي عن تكفير أهل القبلة ، وأهل الشهادتين كذلك ، والنهي عن رمي الناس بالكفر أو الشرك لأدنى ذنب أو خلاف .
ومن أقوال العلماء في النهي عن تكفير أهل القبلة والناطقين بالشهادتين ، قال ابن حزم عندما تكلّم فيمن يكفّر ولا يكفّر : " وذهبت طائفة إلى أنّه لا يكفّر ولا يفسّق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا ، وإنّ كُلّ من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنّه الحقّ ، فإنّه مأجور على كُلّ حال ، إن أصاب فأجران ، وإن أخطأ فأجر واحد .
وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي ، وهو قول كُلّ من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة ، لا نعلم منهم في ذلك خلافاً أصلاً " (24).
وعن أحمد بن زاهر السرخسي ـ أجلّ أصحاب الشيخ أبي الحسن الأشعري ـ قال : " لمّا حضرت الشيخ أبا الحسن الأشعري الوفاة في داري ببغداد قال لي : أجمع أصحابي ، فجمعتهم ، فقال لنا : أشهدوا على أنّي لا أقول بتكفير أحد من عوام أهل القبلة ، لأنّي رأيتهم كُلّهم يشيرون إلى معبود واحد ، والإسلام يشملهم ويعمّهم " (25).
وقال القاضي الإيجي : " جمهور المتكلّمين والفقهاء على أنّه لا يكفّر أحد من أهل القبلة " (26).
وقال المنّاوي : " فمخالف الحقّ من أهل القبلة ليس بكافر ، ما لم يخالف ما هو من ضروريات الدين ، كحدوث العالم وحشر الأجساد " (27).
بل إنّنا نجد أنّه قد جاء عن ابن تيمية ما هذا لفظه : " جميع أُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) موحّدون ، ولا يخلّد في النار من أهل التوحيد أحد " (28).
ولا تظنّ أنّ ابن تيمية يريد بأهل التوحيد أمراً غامضاً معقّداً أكثر ممّا هو وارد في الروايات الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) السالفة الذكر ، من النطق بالشهادتين والإتيان بالفرائض وعدم جحدها .
وقال الإمام الشافعي : " فأعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن فرض الله أن يقاتلهم حتّى يظهروا أن لا إله إلاّ الله ، فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها " (29).
وقال القاضي عياض : " اختصاص عصم النفس والمال بمن قال : لا إله إلاّ الله ، تعبير عن الإجابة إلى الإيمان ، أو أنّ المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحّد ، وهم كانوا أوّل من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه ، فأمّا غيرهم ممّن يقرّ بالتوحيد ، فلا يكتفي في عصمته بقوله لا إله إلاّ الله ،إذا كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده ، ولذلك جاء في الحديث الآخر : وأنّي رسول الله ، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة " (30).
وبعد هذا لم نجد عند الوهّابيين ما ينهضون به لتكفير المسلمين ، ومنهم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) من دليل راجح ، سوى شبهات احتطبوها هنا وهناك من قشور فهم سقيم للشريعة المقدّسة ، فانكبّوا على المسلمين يكفّرونهم لمجرّد التوسّل بالأولياء ، أو لمجرّد زيارة قبورهم ، أو الدعاء عند أضرحتهم الشريفة ، وأمثال هذه الأُمور التي بيّن موارد جوازها علماء المسلمين من جميع المذاهب الإسلامية ـ عدا المخالفين في ذلك لأدلّة الجواز الواردة في القرآن والسنّة كالوهّابيين مثلاً ـ بما لا مزيد عليه .
____________
1- النساء : 94 .
2- صحيح البخاري 5 / 182 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 174 و 6 / 326 ، جامع البيان 5 / 305 ، أسباب نزول الآيات : 115 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 336 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 551 ، الدرّ المنثور 2 / 199 ، فتح القدير 1 / 502 .
3- أسباب نزول الآيات : 115 .
4- جامع البيان 5 / 305 ، الدرّ المنثور 2 / 201 .
5- مسند أحمد 2 / 539 ، مسند الشهاب 2 / 97 أحكام القرآن للجصّاص 2 / 350 و 360 و 3 / 397 ، تفسير الثعالبي 5 / 273 .
6- الإسراء : 36 .
7- الممتحنة : 10 .
8- مسند أحمد 5 / 207 ، صحيح مسلم 1 / 67 .
9- فقه السنّة 2 / 596 .
10- نصب الراية 2 / 35 ، كنز العمّال 1 / 215 .
11- الجامع الكبير 2 / 43 ، كنز العمّال 1 / 215 .
12- كنز العمّال 1 / 29 .
13- المصدر السابق 1 / 277 .
14- مسند أحمد 2 / 18 و 60 و 112 ، صحيح البخاري 7 / 97 ، صحيح مسلم 1 / 57 ، الجامع الكبير 4 / 132 .
15- مسند أحمد 5 / 181 ، صحيح البخاري 7 / 84 ، الجامع الصغير 2 / 464 .
16- مسند أحمد 2 / 142 ، تاريخ بغداد 9 / 64 .
17- كنز العمّال 3 / 635 .
18- المعجم الكبير 18 / 194 ، مجمع الزوائد 8 / 73 .
19- المعجم الكبير 12 / 211 ، الجامع الصغير 2 / 275 ، مجمع الزوائد 1 / 106 .
20- صحيح البخاري 8 / 54 .
21- المصدر السابق 8 / 36 .
22- المصدر السابق 8 / 35 .
23- المصدر السابق 5 / 111 .
24- الفصل بين الملل والأهواء والنحل 3 / 247 .
25- اليواقيت والجواهر : 50 .
26- المواقف في علم الكلام 3 / 560 .
27- فيض القدير 5 / 12 .
28- مجموع الفتاوى 11 / 487 .
29- الأُم 7 / 311 .
30- بحار الأنوار 65 / 243 .