طباعة

١٣ - مناظرة هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد في الإمامة


وعن يونس بن يعقوب، قال: كان عند أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من أصحابه فيهم حمران بن أعين ومؤمن الطاق وهشام بن سالم والطيار وجماعة من أصحابه، فيهم هشام بن الحكم وهو شاب، فقال أبو عبد الله: يا هشام. قال: لبيك يا ابن رسول الله!
قال: ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟ قال هشام: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إني أجلك وأستحييك، ولا يعمل لساني بين يديك.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أمرتكم بشئ فافعلوه.
قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، وعظم ذلك علي، فخرجت إليه، ودخلت البصرة يوم الجمعة، وأتيت مسجد البصرة، فإذا أنا بحلقة كبيرة، وإذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتزر بها من صوف وشملة مرتد بها، والناس يسألونه، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي، ثم قلت:
أيها العالم، أنا رجل غريب، أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال: اسأل. قلت له: ألك عين؟ قال: يا بني أي شئ هذا من السؤال، إذن كيف تسأل عنه؟ فقلت: هذه مسألتي. فقال: يا بني سل، وإن كانت مسألتك حمقى.
قلت: أجبني فيها، قال: فقال لي: سل. فقلت: ألك عين؟
قال: نعم.
قال: قلت: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان والأشخاص. قال: قلت: ألك أنف؟ قال: نعم. قال:
قلت: فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة.
قال: قلت: ألك لسان؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: أتكلم به.
قال: قلت: ألك أذن؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الأصوات.
قال: قلت: ألك يدان؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بهما؟ قال: أبطش بهما، وأعرف بهما اللين من الخشن.
قال: قلت: ألك رجلان؟ قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع بهما؟ قال: أنتقل بهما من مكان إلى مكان.
قال: قلت: ألك فم؟ قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أعرف به المطاعم والمشارب على اختلافها.
قال: قلت: ألك قلب؟ قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أميز به كلما ورد على هذه الجوارح.
قال: قلت: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال: لا.
قلت: وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة؟
قال: يا بني إن الجوارح إذا شكت في شئ شمته أو رأته أو ذاقته ردته إلى القلب، فتيقن بها اليقين وأبطل الشك.
قال: فقلت: فإنما أقام الله عز وجل القلب لشك الجوارح؟ قال: نعم.
قلت: لا بد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح، قال: نعم.
قلت: يا أبا مروان، إن الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها إماما، يصحح لها الصحيح
وينفي ما شكت فيه، ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم، ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟!
قال: فسكت ولم يقل لي شيئا. قال: ثم التف إلي فقال لي: أنت هشام؟ قال: قلت: لا، فقال لي: أجالسته؟ فقلت: لا. قال: فمن أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة.
قال: فأنت إذن هو. ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه، وما نطق حتى قمت. فضحك أبو عبد الله، ثم قال: يا هشام، من علمك هذا؟
قلت: يا ابن رسول الله؟ جرى على لساني.
قال: يا هشام، هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم .( وموسى[43] (
_____________________
[43]  الاحتجاج: ٣٦٧