طباعة

أحد الزنادقة يصير مؤمنا


وروى هشام بن الحكم، قال: كان بمصر زنديق يبلغه عن أبي عبد الله (عليه السلام) أشياء، فخرج إلى المدينة ليناظر الإمام (عليه السلام) فلم يصادفه بها، وقيل: إنه خارج بمكة، فخرج إلى مكة ونحن مع أبي عبد الله (عليه السلام) فانتهى إليه وهو في الطواف، وكان اسمه عبد الملك وكنيته أبو عبد الله، فدنا من الإمام وسلم، فقال له الإمام (عليه السلام): ما اسمك؟ قال: عبد الملك، قال: فما كنيتك؟ قال: أبو عبد الله، فقال الإمام (عليه السلام): فمن هذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض أم ملوك السماء؟ وأخبرني عن ابنك عبد إله السماء أم عبد إله الأرض؟ قل ما شئت تخصم، فسكت، فلم يحر جوابا.
ثم قال له الإمام: إذا فرغت من الطواف فأتنا، فلما فرغ الإمام (عليه السلام) أتاه الزنديق فقعد بين يديه، ونحن مجتمعون عنده، فقال الإمام للزنديق: أتعلم أن للأرض تحتا وفوقا؟ قال: نعم، قال: فدخلت تحتها؟ قال: لا، قال: فما يدريك ما تحتها؟ قال: لا أدري، إلا أني أظن أن ليس تحتها شئ، فقال الإمام (عليه السلام): فالظن عجز فلم لا تستيقن، ثم أردف قائلا: أفصعدت إلى السماء؟ قال: لا، قال: أفتدري ما فيها؟ قال: لا، قال: عجبا لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب، ولم تنزل إلى الأرض ولم تصعد إلى السماء، ولم تجز هناك فتعرف ما خلقهن، وأنت جاحد بما فيهن، فهل يجحد العاقل ما لا يعرفه؟ قال الزنديق: ما كلمني بها أحد غيرك.
فقال الإمام (عليه السلام): فأنت من ذلك في شك، فلعله هو، ولعله ليس هو، فقال الزنديق: ولعل ذلك، فقال الإمام (عليه السلام): أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم، ولا حجة للجاهل، يا أخا أهل مصر تفهم عني فإنا لا نشك في الله أبدا، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان ويرجعان، قد اضطرا ليس لهما مكان إلا مكانهما، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان؟ وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا؟ اضطرا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما، والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر. فقال الزنديق: صدقت.
ثم قال الإمام (عليه السلام): يا أخا أهل مصر، إن الذي تذهبون إليه وتظنون من الدهر، إن كان الدهر يذهب بهم فلم لا يردهم؟ وإن كان يردهم لم لا يذهب بهم؟ القوم مضطرون يا أخا أهل مصر، ألم ترى السماء مرفوعة والأرض موضوعة؟ لم لا تسقط السماء على الأرض؟
لم لا تنحدر الأرض فوق ما تحتها؟ أمسكها والله خالقها ومدبرها، قال الزنديق: أمسكهما الله ربهما، سيدهما، خالقهما، مدبرهما.
قال: فآمن الزنديق على يدي الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فقال حمران بن أعين[96]: جعلت فداك، إن آمنت الزنادقة على يدك فقد آمن الكفار على يد أبيك.
فقال المؤمن الذي كان زنديقا للإمام: اجعلني من تلامذتك، فقال الإمام: يا هشام بن الحكم، خذه إليك.
فعلمه هشام، وأصبح المؤمن الجديد، معلم أهل الشام وأهل مصر الإيمان، وهكذا الهداية حلت بقلبه، وحسنت طهارته حتى رضي بها الإمام أبو عبد الله (عليه السلام).
وهناك حوار ومناظرات عديدة جرت بين الإمام (عليه السلام) والزنادقة في التوحيد، وكذلك مع بعض الفرق من الملل والنحل المنحرفة عن جادة الصواب والحق كما أسلفنا الإشارة إليها.
نكتفي بهذا القدر روما للاختصار، وستأتي بعض المناظرات مع الزنادقة في الفصل اللاحق بإذن الله، والله نسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل، ومنه نستمد التوفيق والتسديد.
العبد المنيب
حسين الشاكري
دار الهجرة - قم المشرفة
الخاتم من شهر صفر الخير سنة ١٤١٨
____________________
[96] وهو أخ زرارة بن أعين الشيباني ومن خاصة أصحاب الإمامين الصادقين (عليهما السلام).