• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مدخل .. إلى عتبة الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام

منذ استشهاده الفجيع في سناآباد من أرض طوس عام 203هـ .. انطلقت أناشيد القلب ترفرف مشوقة ولهى ، قاصدة إليه.
تنبعث أناشيد القلب من كلّ الأجيال ، و من كلّ البقاع المترامية: الدانية و القاصية.. لتلتقي كلّها عند ضريحه الأنور المقدس في مشهده بخراسان. لكانّها أزاهير ولاء عابقة، و نفحات عطر توّاقة إلى أنوار الملكوت الرّضويّ العظيم.
أصوات حبّ و تقديس و خشوع .. جاءت لتخترق التاريخ ، و تقف على استحياء بين يديه: تسكب الأشواق ، و تريق ما استكنّ في خلجات الفؤاد.
مشاعر تعبق بمحبة النبيّ و أهل بيته الأطياب، و اعتراف لهم بالمودّة الصادقة التي صارت فرضا قلبيّا و تشريعيّا و حياتيّا منذ يوم نزلت آية القرآن الكريم: قل: لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى .إنها قوافل الإيمان بالسبيل الرّبوبيّ و الطريق الموصل إلى الله تعالى ، يوم أطلق القرآن المجيد نداءه لمن آمنوا أن يتّخذوا الى ربّهم سبيلا يوصل ، و منهجا يبلّغهم لقاء الله و رضوانه: قل : لا أسألكم عليه أجرا إلاّ من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا ، فكانت مودّة آل بيت النبيّ و قرباه ـ من ذريّة بضعته الصدّيقة الزهراء عليها السلام ـ هي السبيل الرّبوبيّ و النهج الذي ينتهي إلي الحيّ القيّوم . وهذا الحبّ للنبيّ و أهل بيته الأطهار هو خير وسيلة تبتغى إلى الله عزّوجل : و ابتغوا إليه الوسيلة .
هي إذن وسيلة الطاهرين المطهّرين من كلّ ما يخدش و يشين ، المنزّهين التنزيه الإلهيّ الذي يعني ـ فيما يعني ـ الطّهر و النقاء المطلق ، و التوحيد اليقينيّ الخالص ، و التأهّل الفذ لقيادة العالم .. في المعتقد، و في التشريع ، و في كلّ الآفاق . القرآن الكريم هو من نطق لهم بهذه التزكية الفريدة الباقية: إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا .
و تواترت روايات الرواة و أخبار المحدّثين عامّة في أنّ آية التطهير هذه إنّما نزلت في النبيّ و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين سلام الله عليهم : الخمسة أصحاب الكساء، و لم تشمل حتى زوجة النبيّ الصالحة أمّ سلمة التي كانت حاضرة عند نزول الآية في دارها، يوم ضمّ النبيّ إليه ابنته الصدّيقة فاطمة و بعلها الصدّيق عليّا و ابنيهما الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنّة أجمعين . و قصارى ما قال رسول الله لأمّ سلمة : إنك على خير ، أو : أنت إلى خير ـ حسب اختلاف الروايات.
و مضت إرادة الله في التطهير التكويني هذا لتشمل ذريّة عليّ و فاطمة عليهما السلام ، فإذا الأئمة الاثناعشر جميعا هم ذوو القربى ، و أهل المودّة الواجبة، و هم السبيل ، و هم الوسيلة. و هم الذين أشار اليهم رسول الله صلى الله عليه و آله في حديثه المشهور في أنّ الخلفاء من بعده اثناعشر كلّهم من قريش ، أوّلهم أميرالمؤمنين عليّ، و آخرهم المهديّ الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا . و هم الذين قال فيهم الإمام عليّ عليه السلام نفسه: «إن الأئمة من قريش غرسوا من هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، و لا تصلح الولاة من غيرهم».

و لقد أنطلقت أصوات الشعراء منذ القرن الأوّل و إلى اللحظة الحاضرة.. تعبّر عمّا تكنّه من محبّة و مودّة و ولاء لأهل بيت النبّي المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين .
منها مثلا: صوت محمد بن إدريس الشافعيّ ( ت 204 هـ) في نظير قوله الذي أعلنه بصوت جهير:
يا أهل بيت رسول الله ، حبّكم         فرض من الله في القرآن أنزله
كـفاكـم من عظيم القدر أنّكم          من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

و مرّ بابن حمّاد ( في القرن الرابع ) الذي يخاطب أهل البيت بمثل قوله :
فنحن موالـيكـم تـحنّ قـلوبنا              إليكم ، إذا إلف إلى إلفـه حنّـا
ولو بضّعت أجسادنا في هواكم         إذن لم نحل عنه بحال و لازلنا
و أنتم لنا نعم التجارة، لم نكن          لنحذر خسرانا بها لا و لا غبنا
ومالي لا أثني عليكم، و ربّكم          عليكم بحسن الذكر في كتبه أثنى
وأنتم لنا غوث و أمن و رحمة           فـما منكم بدّ ، ولاعنكم مغنى

و يعترف مهيار الدّيلميّ ( ت 428 هـ ) بالسعادة العظمى التي فاز بها يوم تعرّف على أهل البيت عليهم السلام ، فتحوّل من ظلام الوثنيّة إلى نورالتوحيد:
حبّكم كان فكّ أسري من الشّرک          و فـي منـكبي له أغلال
كم تزمّلت بالمذلة ، حـتـى                   قمت في ثوب عزّكم أخـتال
بركات لكم محت من فؤادي                 ما أملّ الضلال عـمّ و خال
و لقد كنت عـالمـا أنّ إقبا                    لـي بـمدحي عليكـم إقبال

و أنشد الصنوبريّ ( ت 334 هـ) من شعره فيهم :
قل لباغي ربح بمدح           إذا ظلّ يمدح
مدح آل النبـيّ                  یاباغي الرّبح أربح
من بهم تمنح النّجاة           غدا حـيـن تمنح
و بهم تصلح الأمور             التي ليس تصلح
آل بـيت النبيّ مـالي          عنكم تـزحزح
أفلح السالكون ظلّ           هـداكـم و أنجحوا
أنا في ذاك لا سوى         ذاك أسعى و أكدح

و غير هذا كثير لا يحصى كثرة . و ما زالت الأجيال تتعاقب و القرون تطّرد آخذا بعضها برقاب بعض .. و أشعار موقف الولاء و الالتزام والمودّة لأهل البيت الطاهرين تتكاثر و تنبعث من كلّ مكان ، على الرغم من ظروف الاضطهاد و أزمنة الإرهاب.
نحن لم نحضر أزمنة الاضطهاد الغابرة ، لكننا نقرأها في بيانات أولئك المعاصرين لها، الذين ذاقوا مراراتها و اكتووا بنارها. نكتفي بوثيقتين دوّن إحداهما منصور النّمريّ ( ت 190 هـ) الذي صوّر فيها الموقف السّلطوي العبّاسيّ الذي يضطهد حتى أصوات البوح لأهل البيت بالحب و التقدير:
آل الـنـبـيّ و من يحبّـهــم             يـتـطامـنـون مخافة القـتـل
أمنوا النصارى و اليهود، و هم         من أمـة الـتـوحيـد في أزل

( و الأزل هو : الخوف) .
و هذا دعبل بن عليّ الخزاعيّ ( ت 246 هـ) يرسم أيضا بكلماته صورة عصره الرديء الذي تواصى حكّامه من بني العبّاس على شنآن أهل بيت النبيّ و بغضائهم ، و على استئصال محبّيهم . يقول دعبل :
إنّ اليـهود بـحبّها لنـبيّهـا              أمنـت بـوائق دهرها الخوّان
و كذا النصارى حبّهم لنبيّـهم         يمشون زهوا في قرى نجران
و المسلمون بحبّ آل نـبيّهم         يرمون في الآفاق بـالنيران

و كان فيما كان من أفاعيل المطاردة و التشريد والتقتيل أن أتلفت وثائق يعبّر فيها أصحابها عن موقفهم الإسلاميّ من أهل البيت . من ذلك ما قال عنه الصّوليّ: « كانت لإبراهيم بن العبّاس الصوليّ عمّ أبي في الرضا عليه السلام مدائح كثيرة أظهرها، ثمّ اضطرّ إلى أن سترها، و تتبّعها فأخذها من كلّ مكان».
و الإمام الرضا عليه السلام نفسه - و هو الثامن من أئمّة أهل البيت - قد استشهد مسموما على يد طاغية عصره " المأمون" .. كما استشهد من قبله و من بعده آباؤه و أبناؤه الطاهرون . و هذه الحقيقة قرّرها الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام في خطبة له حين قال : « لقد حدّثني حبيبي جدّي رسول الله صلّى الله عليه و آله أنّ الأمر يملكه اثناعشر إماما من أهل بيته و صفوته ، ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم».
و ممّا يدهش حقّا أنّ سرّا إلهيّا في الأئمّة الهداة من أهل البيت عليهم السلام يجتذب إليهم القلوب و يشدّ اليهم العزائم و الهمم و يوجّه إلى مزاراتهم المقدّسة الآمال .. مع ما لاقوه من فجائع و محن على امتداد القرون . من هذا السرّ المعجز أنّ الله تبارك و تعالى قد جعل لهم في قلوب المؤمنين ودّا، وجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، ممّا يعني أن محبّتهم و مودّتهم - و هي فريضة واجبة - إنما هي نازع فطريّ بعيد الغور، و دافع عميق متأصّل في باطن الإنسان.

و كان مزار الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا سلام الله عليه - و ما يزال - مهوى الأفئدة و منتجع القلوب الصادية ، يلتمس الناس فيه السلامة والأمان، و يتطلّبون عنده المدد المعنويّ و العون في كلّ ما يهمّهم من أمر الدنيا و الآخرة. أو يعبّرون عمّا يعتلج في سرائرهم من الأسى و الحزن لمصائب العترة الطاهرة، ممّا يكشف عن الولاء الإيمانيّ و الاستعداد للنصرة والفداء.
و تطول القائمة بأسماء الشعراء و الأدباء الذين اتجهت هممهم تلقاء المزار الرضويّ في طوس .. بادئة من مطلع القرن الثالث حيث استشهد الإمام ، و مارّة بالأجيال بعد الأجيال، حتى إذا وصلت إلى القرون المتأخرة كثرت القصائد و الأشعار كثرة ظاهرة، و تعدّدت دوافع القاصدين و الزائرين ، لكنّها كلّها تظلّ في ضمن الإطار الإيمانيّ الوسيع الذي يتخذ عنوانا له من «الولاية» و من « المودّة في القربى» .. التي هي الأجر الذي نقدّمه إلى النبيّ العظيم على تحمّله مشاقّ أداء الرسالة و تبليغ الدين الإلهيّ القيّم.
هذا الشاعر دعبل المعاصر للإمام الرضا عليه السلام ينشد أبياته البكائيّة المتفجّعة:
يـا حـسرة تـتردّد               و عبرة ليس تـنفـد
على عليّ بن موسى         بن جعفر بن مـحمّد
قضى غريبا بطوس             مثل الحسام المجرّد

و من بعده يتشبّع عليّ بن أحمد الخوافي ( القرن الثالث) بعبقات أرض طوس المسعودة بمزار الرضا عليه السلام:
يـا أرض طـوس سقاك الله رحمته              ماذا ضمنت من الخيرات يا طوس ؟!
طابت بقاعك فـي الـدنـيا، و طيّبها            شـخـص زكيّ بسناآباد مـرمـوس
شخص عزيز على الإسلام مصرعه           فـي رحـمـة الله مغمور و مغموس
يا قـبـره .. أنـت قـبر قد تضمّنه                عـلـم و حلم و تطهير و تـقـديس
فافخر بـأنّك مـغبـوط بـجثـتـه                  و بـالملائكة الأطهـار مـحـروس

و يخشع عليّ بن عيسى اربلي ( ت 693 هـ) حين يذكر زيارة هذه البقعة الطوسيّة المباركة حيث الضريح الطاهر، فتغمر الزائر نسائم الفردوس العابقة:
والثم الأرض إن مررت علي مشـ         ـهد خير الورى عليّ بن موسـى
و ابـلـغنـه تـحـيّة و سـلاما         كشذى المسك من عليّ بن عيسى

و نلتقي في القرون المتأخّرة بأصوات عديدة، تجيء مشهد الرضا طلبا للأمن و أملا في النجاة من الشدائد و الكربات ، فتحظى بما تطلب و تظفر بما تؤمّل . نقرأ مثل هذا في شعر عبدالباقي العمريّ (1204-1279للهجرة) :
إن كـنت تخـشى نكبة         مـن جائر أو غـادر
لذ بالرضا ابن الكاظم         ابن الصادق ابن الباقر

و غير هذا من شعر المتأخّرين كثير. و من قبل هذا و ذاك روى الجوينى (644-720 هـ) في ( فرائد السّمطين 197:2) أنّ الشيخ أبا الحسن محمد بن قاسم الفارسيّ النيسابوريّ " كان يخالف الزيارة. و في المنام رأى النبيّ صلّى الله عليه و آله واقفا خلف الصندوق ( أي ضريح الإمام الرضا ) يصلّي . و سمع الشيخ هاتفا من السماء يقرأ هذا الشعر:
من سرّه أن يرى قبرا برؤيته           يفرّج الله عـمّـن زاره كربه
فليأت ذا القبر، إنّ الله أسكنه         ذرّيّة من رسول الله مـنتجبه

و في ( تهذيب التهذيب 339:7) وردت شهادة لأحد كبار المحدّثين بشأن الزيارة الرضوّية. قال أبوبكر محمّد بن المؤمّل : « خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة ( 223-311 هـ) و عديله أبي عليّ الثقفيّ مع جماعة من مشايخنا ، و هم إذ ذاك متوافرون إلى عليّ بن موسى الرضا بطوس - يعني إلى قبره. قال : فرأيت من تعظيمه - يعني ابن خزيمة - لتلك البقعة و تواضعه لها و تضرّعه عندها ما تحيّرنا».

و هذه قصيدة معاصرة أنشدها قائلها (أبويقين البصري ) في مشهد الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، حين ورد
إ لى زيارته عام 1418 هـ و هناك رأى - و هو ينشد - ما رأى ، و نال من غاياته ما نال :


تـطـاولَت ِ الا عنـاق ُ ترنو إ لى المَدى
فـأذّن َ فـيـها الـوجـدُ وانتَبه َ الصدى
علـى قـلـق ِ الـرُّؤ يـا تُبعثِـرُ شوقَها
وتنسِـج ُ من نأي ِ الـمسـافـات ِ فَرقدا
تسـيرُ على هَدْي ِ الـقـلـوب ِ، وتَنثَني
بها ألف ُ جُرح ٍ يعشَـق ُ النزف َ مَورِدا
يؤ مِّـل ُ فيـهـا كـل ُّ قـلـب مُـرادَه
وتَـرقُص ُ في أوداجِهـا لوعة ُ الـردى
وما اخـضـَـرَّ فيها للنُّبوءات ِ مطمَـح ٌ
تـنـأى فـألفـى بحرَهاالغَمـرَ مُزبِـدا
مضـى فجرُها، وانداح َ صبـح ٌ مطرَّزٌ
ومال َ بـهـا شَـوطُ الغروب ِ تمـرُّدا
تصـابى .. وأطياف ُ المَشيب ِ تشُـدّه ُ
إ لى غير مـا تهـوى أمانيه ِ مقصـدا
وَلوع ٌ بأيّـام ِ الـوصـال ، تـهُـزُّه ُ
لـيـاليه ِ.. ما أبقَـت عليـه ولا رِدا
تعـرّى سـوى ثوب ِ الضـميـر يلُفُّه ُ
وكـابَـرَ لـيـل َ الحزن حتّى تعوَّدا
ومـرّ عـلـى الـدّنيا.. كأن ّ أُهَيلَها
قـدِ امتلا وا حِقـدا عليه ، مُذِ ابتَـدا
فـلا مَـسَحت نَوءَ الغُبـارِ لـه يـدٌ
ولا مـدّ للـدّنيـا على قَـيـدِه يـدا
ولا خُلُق ُ الا يّام ِ أرعَــش َ كفَّـه ُ
ولا اعتاض َ من دُنياه ُ.. حتّى تزوّدا
إلـى أن تـفانى قلبُـه ُ وجـفونُـه ُ
فدأً لِمـا قـد كـان صَـرحا فيُفتَدى
سـعى بمُفاداة ِ الضـمير، يحُثُّهـا
فتَـرفِده ُ حِسّـا كريـمـا مُجـرَّدا
ولو رَدّدت ْ كل ُّ الجِـراح ِ نشـيدَه ُ
لَكان زمـان ُ الـمسـتحيل ِ مُردِّدا
فلا يومُـه ُ يغشى مُناه ُ، فـينجـلي
مخاض ٌ، ولا في سعيه ِ يرتجي الغدا
لواعجُـه ُ الظميـأُ مـا جـن َّ ليلُها
ولا عف َّ نَزْق ٌ من هواها، ولا اهتدى
أرِيحِي رِكابا يكـسِـرُ البِيدَ ضاربـا
وقلبا بما تحوي الـجـراح ُ مهـدّدا
فإ ن ْ قيل : صبرٌ،فالمسافات ُخطـوُها
ثـقيـل ٌ علينا.. أسلَم َ الليل َ مِقـوَدا
أرى شـاطـئ َ الا يّام عنّا قُلوعُـه ُ
تَنـأت ْ، وبابا عن أمانيـه ِ مُوصَـدا
أيَضعَن ُ رَحلي ، والوِهـادُ تَنوشُـه ُ
هواجِرُها، حتّى غدا الصَّقرُ أرمَدا ؟!
وكيف انقطاعي عن وجوه ٍ كأنّهــا
بُدورُ تمام ٍ تجعل ُ الحُزن َ أسعـدا ؟!
أيُنصِـفني رَيب ُ الزمان ، فأمتـطي
إ لى العبَقات ِ البِيض سَرجا مُنضَّدا ؟!
أطوف ُ بدارٍ لابن ِ موسى ، تطاولَت ْ
بهـا الـقِمم ُ الشـمّأُ توّجَهـا الهدى
رحاب ٌ كأن ّ النجم َ بعض ُ حِجارِها
تَرقـرَق َ فيها الصخــرُ حتّى تَورّدا
مضـى حـلَك ُ الا يّام عنهـا، كأنّما
تكشّـف َ عنها الكون ُ بِرّا وسُـؤ ددا
فلا مَلَك َ المأمون ُ مِن بعض ِ مجدِها
وتحـت يـدَيهـا مُلكُـه ُ قـد تبدّدا
ومِن قائل ٍ للغيم : دونك ِ فامطـري ،
خَراجُك ِ يأتيني .. وإ ن ْ كان أبعدا
تحَشـرَج َ.. لا مُلك ٌ يدوم ُ، ولا يدٌ
تصول ُ، ولا جيـش ٌ هناك تحشَّـدا
تناهَبَه ُ الموت ُ الزُّوام ، فـلم يجِـدْ
سوى حسَرات ِ الموت ِ جمعا ومُفرَدا
فهَم ُّ بأن ّ المُلك َ ضـاع َ ولم يـدُم
وخوف ُ احتِراب ِ الوارثين َ له بدا
فأقبل َ نحو اللّه ِ يخزى ، كـأنّـه ُ
تلحّف َ أبرادَ الشياطين ِ وارتـدى
فلم يَبق َ مِن ذكـراه إ لاّ عجاجـة ٌ
من الا ثم ، لا خيرا أقام ولا اهتدى
ودونك َ أبراج َ المكارم ، ينطفـي
بريق ُ الدُّنا في أرضِهـا متوسِّـدا
ويَنهَل ُ عَبّا من خِضَـم ِّ بُحـورِها
شفاعتُه ُ والعِزُّ والهَـدْى ٍُّ والنَّـدى
أرى أرض َطوس ٍصفحة َالمجد، عانقَت ْ
علوَّ السـما، تَسـتاف ُ عطراً مُورّدا
علي ُّ بن ُ موسى رُكنُها وشـميمُها
فـأعظِم ْ به إ رثا كريما وسيّـدا
عَطَفْنـا على القبـرِ الزكي ِّ رِحـالَنا
وعن َّ بنا شـوق ٌ لنبغيـه ِ مـقصـدا
وما شاقَنـا طـورُ الهوى ، غيـرَ أنّنا
سَعَينا لنَرقى في الجِنـان ِ ونـخلُـدا
دِمـانا هي الشـوق ُ المجنَّـح ، يمتطي
سُروج َ مَـدانا إ ن ْ تنأى وإ ن بـدا
أزِيحِـي عن القلب الرُّكام َ، فإ نّمـا
جنـاحي عـلى طـول البلادِ تَمـدَّدا
يرِف ُّ كقلبـي في حِمـاك ِ لا رتقـي
إ لـى ذروة ٍ للعـرش ِ كـي أتعَبّـدا
وهاك ِ اضربي للمجـدِ فسطاطَ عِـزّة ٍ
أحـطُّ به رَحلي ، وألقـاه ُ مُنـجِـدا
أُمـرِّغ ُ خـدّي بالتـراب ، وأحتَمـي
بقلعـة ِ عِـزٍّ حين أدخُـل ُ مشـهدا
أتَيـت ُ إ لى سلطـان ِ آل ِ محمّـدٍ
لا مـدح َ سـلطان َ الا مامـة ِ والهدى
أتَيتُـك َ يَحـدوني نَـداك َ تـشـوُّقا
وألـف ُ لسـان ٍ في نوالك قد شـدا
أُغنّي هوى ً، حتّى استشاطَ بي َ الجوى
فبِـت ُّ على أعتابِك َ الغُـرِّ مُنـشِدا
وللطائـرِ الغِـرّيدِ لحـن ٌ يـروقُـه ُ
فيُمسـي بمـا يُملـى عليـه مُغـرِّدا
فكيف إ ذا ألفـى مـن القـدس ِ باحـة ً
بها صـرح ُ آل ِ المصطفى قد تجـدّدا ؟!
أطل َّ على الا يّـام ِ من فضـل ِ كفّـه ِ
عطـأٌ، فألفَينـاه ُ فـي البَذل ِ مُفـرَدا
تزوّدَ منه العالَمـون َ، فـأذعَـنـت ْ
لـه كـل ُّ آفـاق ِ الـحيـاة تـودُّدا
فيـا مَلِكا للـخـافقَين ِ، يـشُـدُّنـي
إلى عرشِـه ِ شوق ٌ، وأرجو به النَّدى
توضّـأت َ بالا مجـادِ من كل ّ طارف ٍ
وكل ّ تلـيدٍ حُزت َ عـزّا وسـؤ ددا
ويا ملِك َ البطحـأ، دَعْني أصوغُهـا
قِلادة َ شِـعرٍ في هـواك َ تجسَّـدا
فإ ن ْ تبتغي شأوا فقد جُزت َ عاليـا
تبوّأت َ في أعلى السِّماكَين ِ مَـقـعَدا
ويا عبَقات ِ الفخـر، دونك ِ فاسجُدي
على بابه ِ من حيث ُ وافَيت ِ مسـجدا
أبا اليُمن ِ، دَعْني أستجِـن ُّ من الا سى
لا سـلُك َ دربا من نَـداك َ مُـعـبَّدا
وأشدو بما شأت معالِيك َ، واعـطِني
من العمرِ ما قد ضاع َ من أمسِـه سُدى
أنا عبدُك َ الشـادي بمجدِك ، مُولَـع ٌ
بمدحِـك ، فاطلِق ْ لي لسـاناً ومِـزوَدا
واطلق ْ عِنـان َ الشِّعرِ من كضّة ِ الا سى
واطْلِق ْ رِكابي في نوالِك َ والـيَـدا
فيا عِـزّ ما قد نِلتَه ُ يابن َ فـاطـم ٍ
فروحـي وأرواح ُ الا نام ِ لك َ الفِدا
بك َ اللّه ُ أعطـانا مُنـانا، وبُورِكَـت ْ
خُطانـا، فوافَيناك َ في المجدِ أوحـدا
فيابن َ ربيـع ِ المَكرُمات وبحــرِها
تبوّأت َ في الفـردوس ِ دارا ومَقعـدا
تطـوف ُ بك َ الدنيا حَجيجـاً، وتنحني
لقبـرِك َ تيجـان ُ الملوك تعـبُّـدا
ويا وارثا فخـرَ الوصـي ِّ ونجلِـه ِ
ويا علَمـا للذاكـرين َ ومُقتـدى
َطَطت ُ رِحالي بين كفّيك َ ظامـئاً
ألا.. فاسقِني من نبعِك َ الثرِّ مَورِدا
فأنت نعيـم ُ اللّه والنعمـة ُ التي

* * *

تضـوّرَ جُرحي أن يطـول َ به المـدى
ورف ّ فؤ ادي حيث ُ أعطيت ُ مَوعِـدا
ترقـرَق َ دمعـي من حنيـن ٍ مولَّـه
يخُـض ُّ دمي ما إ ن تبـاكى وإ ن شدا
تفـرَّدَ ما بي من ضَـرام ٍ أخـالُـه
يجـوس ُ بي الدنيا فأهجُـرُ مرقـدا
أُمرِّغ ُ بالسُّــهدِ الطـويل ِ حكايتي
فيَسـتل ُّ منّي الحـزن ُ قلبا مُسـهَّدا
أتَيتُـك َ تبكـي كـربلأُ بلَوعـتـي
ويصـرخ عاشـورأُ بالقلب مُرعِدا
أتَيتُـك َ وجهـا غالَه ُ الشوق ُ والجفا
وأنت ضـمين ٌ أن يعـودَ مُـورَّدا
وحقِّك َ يا شيخ َ الجواد.. تجسّدت ْ
معـانيك أعلامـا ونهجـك مُرشِـدا
وكيف يظـن ّ البغـى ٍُّ أنّك لم تَـلِد
وريثا لعهدِ اللّه في الدين سـيّدا ؟!
فجأ الجوادُ المرتجى .. ألف ُ كوكب ٍ
تخِرُّ على أقدامِه ِ البِيض ِ سُجّـدا
وكان - كما قد كنت َ للناس - لُجّة ً
من النـور موّار السـنا مُتـوقّـدا
فأنتُم سُـيوف ُ اللّه والعصمـة ُ التي
بَـراها لنا كي يسـتبين َ بـها الهدى
وأنتُم هُـداة ُ الا نبيـأِ وفـخـرُهم
وأنتُم سِـراج ٌ لن يخورَ ويـخمُـدا
ونخبُك َ في كفّي مزجـت ُ به المُنى
لا رشِفهـا ريّـانة ً تُـذهِـل العِـدا
يضيق ُ بى ٍَّ الكون ُ الفسـيح ، فينجلي
فَضـاك قَصيّـا واسـعا يُعجِز المَدى
فأفتـرِش ُ الدنيا بـسـاطا مُمـهّـدا
أعودُ به ممّـا أفـضــت ُ مُسـدّدا
فأنت رضى اللّه ِ الكريم ِ ووجهُـه ُ
وقدرتُه العظمى ، وكنـت المويّـدا
ملكت ُ بك َ الدنيـا و أرجو بك َ الغدا
إ ذا صـرت ُ في قبري رهينا مُوسَّدا
وفي ظلّك َ الا وفى سـأسعد آمِنـا
إ ذا قام في الخلق الحسـاب ُ مُشدّدا
أميرَ النمـأ الثرّ.. قد تاه َ مـركبي
بلُجّتك َ العظمـى وقلبي تَـجـرَّدا
وأدلجت ُ في عمق ِ الغُيـوب ِ تبحُّرا
وحاشـاك َ عنّي أن تَحيـدَ وتبعُـدا
فأشرقت َ يا شـمس َ الشموس بخافقي
لا لقاك َ في أعلى السـماوات ِ مُوفِدا
إ لى ٍَّّ من النـورِ القـديم ملائـكـا
بهـا نَفَحـات ٌ من جميلِك َ سُجّـدا
تفيض ُ على هذي الجـراح ، فتنطفي
لواعِجُها.. حتّى أرى العيـش َ أرغَدا
أنيـس َ النفوس المُرتجى فيض ُ كفّه ِ
أنال ُ به حظّـا وأبـلُغ ُ مـقصـدا
رؤ وف ٌ، كريـم ٌ، وارف ٌ ظل ُّ مجدِه ِ
عزيـزٌ، مديـدٌ، ما يزال ُ مُمجَّـدا
به طَيّـب َ اللّه ُ البـلادَ، فأشـرقت ْ
بها الشمـس ُ من كفَّيه ِ أن ْ تتهَجّدا
بذِكرٍ هو النورُ المبين ، تـحشّدت ْ
ملائكـة ُ الرحمـان ِ فيه ليُحمَـدا
فيا ذل َّ مَن قد نـاصَبوك َ عـداوة ً
غدَوا في حَفيرِ الحِقدِ خِـزيا مُبدَّدا
أحالَهُـم ُ بُغـض ُ الزكى ٍّّ، فأصبحوا
رمـادا.. رميم ُ العـارِ فيه تجسَّـدا
فأنتُـم سِـراج ُ اللّه ِ مِن قَبـل ِ آدم ٍ
بكـم خلـق َ اللّه ُ الخليقـة َ وابتَـدا
منابـرُ نورٍ يُستدل ّ بـها المـدى
ويختِـم فيكم حيث شـأ ليُعـبَـدا
فخُذْ سيّـدي من كف ّ عبدِك َ دُرّة ً
من المدح ِ، فيها حـبُّكُم جأَ مُنشِدا
ففي مدحِكُم فـخرٌ وعِزُّ ومَـوئل ٌ
فأرددْ عليه ِ العطف َ بِـرّا مؤ كَّـدا
فيابن َ رسـول ِ اللّه ، هذي مَقـالتي
وأنت ضَميـن ٌ أن ْ أعـودَ مُسـدَّدا


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page