طباعة

١١٨ ـ باب في الاستطاعة


عن العالم عليه السلام قال : سئل أميرالمؤمنين عليه السلام فقيل له : أنبئنا عن القدر ، يا أميرالمؤمنين ، فقال : « سر الله فلا تفشوه » فقيل له الثاني : أنبئنا عن القدر ، يا أميرالمؤمنين فقال : « بحر عميق لا تلحقوه » فقيل له الثالث : أنبئنا عن القدر ، يا أميرالمؤمنين ، فقال : « طريق معوّج فلا تسلكوه » ثم قيل له الرابعة : أنبئنا عن القدر ، يا أميرالمؤمنين ، فقال : « ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ».
فقيل : يا أميرالمؤمنين ، إنما سالناك عن الإستطاعة التي بها نقوم ونقعد ، فقال عليه السلام : « استطاعة تملك مع الله ، أم دون الله ؟ » قال : فسكت القوم ، ولم يحيروا جواباً ، فقال عليه السلام : « إن قلتم أنكم تملكونها مع الله قتلتكم ، وإن قلتم دون الله قتلتكم » فقالوا : كيف تقول يا أميرالمؤمنين ؟ قال : « تملكونها بالذي يملكها دونكم فإن أمدكم كان ذلك من عطائه ، وإن سلبكم كان ذلك من بلائه ، إنما هو المالك لما ملككم ، والقادر لما عليه أقدركم ، أما تسمعون ما يقول العباد يسألونه الحول والقوة ، حيث يقولون : لا حول ولا قوة إلا بالله ».
فسئل عن تاويلها ، فقال : « لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ، ولا قوة على طاعته إلا بعونه ».
قال العالم عليه السلام : كتب الحسن بن أبي الحسن البصري ، إلى الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، يسأله عن القدر ، فكتب إليه : « اتبع ما شرحت لك في القدر ، ممّا اُفضي إلينا ـ أهل البيت ـ فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر ، ومن حمل المعاصي على الله عز وجل فقد فجر ، وافترى على الله افتراءً عظيماً ، إن الله تبارك وتعالى لايطاع بإكراه ، ولا يعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد في الهلكة ، ولكنه المالك لما ملكهم ، والقادر لما عليه أقدرهم ، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن لهم صاداً عنها مبطئاً ، وان ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمن عليهم فيحول بينهم وبين ما ائتمروا به فإن فعل وإن لم يفعل فليس هو حاملهم عليهم قسراً ، ولا كلفهم جبراً بتمكينه إياهم بعد إعذاره وإنذاره لهم ، واحتجاجه عليهم ، طوقهم ومكنهم وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما إليه دعاهم ، وترك ما عنه نهاهم ، جعلهم مستطيعين لأخذ ما أمرهم به من شيء غير آخذيه ، ولترك ما نهاهم عنه من شيء غير تاركيه ، والحمدلله الذي جعل عبادة أقوياء [ لما ] 1 أمرهم به ، ينالون بتلك القوة ، ونهاهم عنه ، وجعل العذر لمن لم يجعل له السبب جهداً متقيلاً » 2.
__________________
1 ـ أثبتناه من البحار ٥ : ١٢٤ / ٧١.
2 ـ تحف العقول : ١٦٢ باختلاف في ألفاظه ، من « كتب الحسن بن أبي الحسن ... ».