على الرغم من الضعف الذي انتاب هيكل الخلافة في هذا العصر ، والانحلال الذي بدأ يستشري في أوصال الدولة العباسية ، فقد بقي العباسيون على نفس المنوال الذي سار عليه أسلافهم إبان عصر القوة والازدهار في التصدّي لمدرسة الأئمة عليهالسلام وشيعتهم والنكاية بهم ؛ ذلك لأن علاقة الحاكم بالإمام تقوم على أساس ثابت ، وهو الخوف من نشاط الإمام ودوره الايجابي في الحياة الاسلامية ، والشعور بخطورة هذا الدور حتى وصل لدى الزعامات العباسية في هذا الفترة إلى درجة الرعب ، فطوقوا الإمام بحصار شديد ورقابة صارمة عليه ، وتربصوا به وبأصحابه ، وأخيراً تآمروا على حياته فسقط شهيداً في محراب الجهاد ولمّا يبلغ الثلاثين.
كان العباسيون يعيشون أوضاعاً سلبية على مستوى الالتزام الديني ، وقدّم غالبيتهم نموذجاً سيئاً في هذا الإتجاه ، فكانوا يضيقون ذرعاً بأي إمام من معاصريهم ، لما يتمتع به من سمو المكارم ومن شخصية علمية وروحية فذّة تجتذب مختلف أوساط الاُمّة ، التي ترى في الإمام الممثل الحقيقي لسيرة السلف الصالح والمصداق الأصيل لرسالة السماء ، وعندما ترى تلك الأوساط تذمّر الامام في مواقفه تجاه السلطة وعدم رضاه عنها تزداد تمسكاً به ، ومن هنا يبرز تخوف السلطة من الانقلاب على نظامها لمصلحة خط الإمامة ، الأمر الذي تحرص معه على ربط الإمام بالجهاز الحاكم وتقريبه بشتى الوسائل ؛ كالسجن كما فعل الرشيد مع الإمام الكاظم عليهالسلام ، أو ولاية العهد كما فعل المأمون مع الإمام الرضا عليهالسلام ، أو الحجز والحصار كما فعل العباسيون من المعتصم إلى المعتمد مع الإمام الجواد والهادي والعسكري عليهالسلام وذلك لدوام مراقبة الإمام وتحديد حركته وفصله عن أتباعه ومواليه ومحبّيه المؤمنين بمرجعيته الفكرية والروحية.
لقد رافق الإمام العسكري عليهالسلام أباه في رحلته المضيقة من المدينة المنورة إلى سامراء ولمّا يزل صبياً ، وذلك حينما استُدعي الإمام الهادي عليهالسلام من قبل المتوكل إلى عاصمة البلاط العباسي انذاك ، ليكون محجوزاً ومراقباً ومعزولاً عن قاعدته العريضة ، وبعد أن وافاه الأجل في سنة ( ٢٥٤ ه ) استمرّ العباسيون بسياستهم تلك تجاه الإمام العسكري عليهالسلام وكما يلي :
الإمام عليهالسلام والسلطة
- الزيارات: 599