تعرّض الإمام العسكري عليهالسلام خلال خلافة المعتز والمهتدي والمعتمد إلى السجن أكثر من مرة ، وكانوا يوكلون به أشخاصاً من ذوي الغلظة على آل أبي طالب والعداء لأهل البيت عليهالسلام من أمثال : علي بن اوتامش (1) ، وأقتامش (2) ، ونحرير (3) ، وعلي بن جرين ، وكان المعتمد يسأل علي بن جرين عن أخباره عليهالسلام في كلّ مكان ووقت ، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل (4) ، كما كان العباسيون يدخلون على بعض مسؤولي السجن ومنهم صالح بن وصيف ، فيوصونه بأن يضيق عليه ويؤذيه (5).
وكانوا لا يفارقونه حتى في الاعتقال حيث كانت الرقابة السرية تطارده وأصحابه بدسّ الجواسيس بين أصحابه في السجن ، وكان أحدهم يدّعي أنه علوي وهو جُمحي ، وقد هيّأ كتاباً جعله في طيات ثيابه كتبه إلى السلطان يخبره بما يقولون ويفعلون (6).
ويصف أبو يعقوب إسحاق بن أبان طريقة حراسة السجن الذي يودع فيه الإمام عليهالسلام ومراقبته الصارمة بقوله : « إن الموكلين به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه عليهالسلام بالليل والنهار ، وكان يُعزَل الموكلون ويولّى آخرون بعد أن تجدّد عليهم الوصية بحفظه والتوفّر على ملازمة بابه » (7).
أما موقف الإمام عليهالسلام من السجن والسجانين ، فهو إقامة الحجة الواضحة عليهم عن طريق أفعاله وزهده وعبادته وصلاحه ، وقد استطاع من خلال هذا الأسلوب أن يفرض هيبته على غالبيتهم ، حتى أن بعضهم يرتعد خوفاً وفزعاً بمجرد أن ينظر إليه ، قال بعض الأتراك الموكلون به حينما كان في سجن صالح بن وصيف : « ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه ، ولا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا » (8).
وحينما حلّ في سجن علي بن أوتامش ، وكان شديد العداوة لآل البيت عليهمالسلام غليظاً على آل أبي طالب ، فضلاً عن أنه اُوصي من قبل السلطة بأن يفعل به ويفعل على ما جاء في الرواية ، لكنه تأثر بهدي الإمام عليهالسلام ومكارم أخلاقه ، فوضع خده على الأرض تواضعاً له ، وكان لا يرفع بصره إليه اجلالاً وإعظاماً ، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة واحسنهم فيه قولاً (9).
وحينما أوصى العباسيون صالح بن وصيف عندما حبس أبو محمد الحسن العسكري عليهالسلام عنده بأن يضيق عليه ، قال لهم صالح وهو يعلن اعتذاره وعجزه عن هذا الأمر : « ما أصنع به وقد وكلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه ، فقد صاروا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم » (10).
____________________
(1) في بعض المصادر : بارمش أو نارمش.
(2) راجع : أصول الكافي / للشيخ الكليني ١ : ٥٠٨ / ٨ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي من كتاب الحجة ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ ١٤٠٥ ه ، الإرشاد للشيخ المفيد ٢ : ٣٢٩ ـ مؤسسة آل البيت عليهمالسلام ـ قم ـ ١٤١٣ ه ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٦٢.
(3) راجع : أصول الكافي ١ : ٥١٣ / ٢٦ من الباب السابق ، الإرشاد ٢ : ٣٣٤.
(4) إثبات الوصية / المسعودي : ٢٥٣ ـ انصاريان ـ قم ـ ١٤١٧ ه ، مهج الدعوات / السيد ابن طاووس : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٤.
(5) أصول الكافي ١ : ٥١٢ / ٢٣ من الباب السابق ، الإرشاد ٢ : ٣٣٤ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٦٢.
(6) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٧٠ ، إعلام الورى ٢ : ١٤١ ، الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي ٢ : ٦٨٢ / ١ و ٢ ـ مدرسة الإمام المهدي عليهالسلام ـ قم ، بحار الأنوار ٥٠ : ٥٤ / ١٠ و ٣١٢ / ١٠.
(7) بحار الأنوار ٥٠ : ٣٠٤ / ٨٠ عن عيون المعجزات.
(8) الكافي ١ : ٥١٢ / ٢٣ من الباب السابق ، الإرشاد ٢ : ٣٣٤.
(9) الكافي ١ : ٥٠٨ / ٨ من الباب المتقدم ، الإرشاد ٢ : ٣٢٩.
(10) الكافي ١ : ٥١٢ / ٢٣ من الباب المتقدم ، الإرشاد ٢ : ٣٣٤.
ثانياً : إيداعه عليهالسلام السجن
- الزيارات: 2075