• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

منقذ البشرية

منقذ البشرية الامام المهدي عليه السلام
لقد جاءت الرسالات السماوية لتبشر بيوم يتحقق فيه وعد الله ويتم نوره ولو كره المشركون والكافرون والمنافقون، وبما أن القرآن الكريم هو آخرها وخاتمها وخلاصتها وصفوتها، فهو معني أكثر من سابقيه بالإشارة إلى ذلك اليوم الموعود، الذي تتخلص فيه الأرض ومن عليها من الظلم، ويستتب فيها الأمن والعدل وتقام شريعة الله وتحيا سنة رسوله وأحكام دينه بعد اندراسهما. ولو لم يكن ذلك الإيمان قائما في عقيدة المسلمين لما كان للإسلام معنى ولا لمفاهيمه قيمة، وهو الذي أصبح اليوم محاصرا ومحاربا ومشوها فهما وتطبيقا عند الكثيرين.
لقد أنبأنا القرآن الكريم بأن الإسلام كرسالة خاتمة كان معتقدا لدى الأنبياء السابقين ببعض أو بكل تفاصيله وعنصر غيب مأمورين بالإيمان به والتبليغ عنه، وكونه من المحتمات الواقعة في آخر الزمان، ونتيجة لحركة الإصلاح والخير والتقوى التي سلكها خلص البشرية، لتكون الأرض بما فيها تحت طائلة أحكامهم الإلهية ولا شيء غيرها. قال تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون".
والإيمان بيوم الخلاص أو اليوم الموعود ليس حكرا على الشرائع السماوية، فحتى النظريات المستوحاة من الفلاسفة والمفكرين، تعتقد كذلك بيوم تتم فيه فكرتها وتقوم البشرية على قوانينها. ولعل ذلك الإيمان نابع من الإحساس بشحنة الأمل التي تدفع معتقد الفكرة قدما في الزمن للعمل بلا كلل لنشرها والسعي إلى إقامتها.
ونظرية دولة العدل الإلهية ومجتمع الإسلام الحق، جاء بها القرآن الكريم وبشربها الرسول الأعظم (ص) مصرحا بتفاصيلها، التي لم يصلنا منها إلا ما نجا من براثن الطواغيت والظالمين، الذين كانوا يضيقون ذرعا بتلك النظرية ويرون فيها خطرا محدقا يهدد عروشهم، فكان سعيهم دائبا لطمسها وتمييعها، بل لعل الطريف أن فيهم من سعى إلى إلصاق ذلك اللقب بنفسه كالمهدي العباسي (775) والهادي (785) والمهتدي (869) والقائم (1031) وكان أول ملوك الفاطميين يلقب بالمهدي (934).
أما من ظهر يحمل لقب المهدي في شتى أنحاء البلاد الإسلامية فذلك عائد لإيمان المسلمين الراسخ بأن المهدي حقيقة وأن الهداية دور رباني متحقق الوقوع، وتسمية الأبناء به يأتي تيمنا وتفاءلا بعقيدة مترسخة فيهم عبر العصور.
يقول الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره الشريف، في بحثه حول المهدي: "إن فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل، قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله عموما، وفي روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام خصوصا، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك. ولقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي (ص) من طرق اخوتنا أهل السنة، كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة فكان أكثر من ستة آلاف رواية. هذا رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها المسلم عادة". ص63.
إن أحاديث بلغت تلك الكثرة لهي دليل على صحة الشخصية المنتظرة ونقطة توافق منطقي بين فريقين من المسلمين تجمعهم أصول وفروع كثيرة وقضايا مشتركة أهمها على الإطلاق هذا الأمل الذي نحن بصدده والذي يجمعنا إلى غد أفضل ومستقبل يكتنفه العدل والأمن تحت قيادة فذة مقتدرة تجمع المسلمين والبشرية قاطبة على قانون واحد وأحكام صحيحة ثابتة تماما كما جاء بها الرسول الأعظم (ص) وأنزلت عليه أول مرة.
الحديث:
عن عبد الله بن مسعود قال كنت عند النبي (ص) إذ مر فتية من بني هاشم كأن وجوههم المصابيح فبكى النبي (ص) قلت ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال انا أهل بيت قد اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وانه سيصيب أهل بيتي قتل وتطريد وتشريد في البلاد حتى يتيح الله لنا راية تجيء من المشرق من يهزها يهز ومن يشاقها يشاق، ثم يخرج عليهم رجل من أهل بيتي اسمه كاسمي وخلقه كخلقي تؤوب إليه أمتي كما تؤوب الطير إلى أوكارها فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا". دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص 235.
وحتى نبسط النظرية أكثر نقول لاشك بأن كل المسلمين يدركون أن الشريعة بما تحتويه من قرآن وسنة تحتاج إلى من يحركها ويضعها موضعها في الأمة حتى يمكنها من أداء دورها. وهذا الإدراك نابع من وجهتين الأولى وجهة عقلية تعتمد على الأدلة المنطقية في بيان وجوب القائم على أي شريعة لتتمكن من التحقق والاستمرار ومن دون ذلك لا يمكن لها أن تستمر وأن تجد حظها. والثانية وجهة دينية شرعية فرضتها النصوص الكثيرة الصريحة والمشيرة إلى كون اليوم الموعود الذي بشرت به رسالات الله تعالى سيكون نتيجة إعداد الهي يتمثل في تهيئة القائد وتمكينه من يوم خلاص الأمة من أعدائها ومغتصبي خيراتها ومفرقي دينها واستخلاص أعوانه وأنصاره من سواد الأمة.
إن نظرية الإمامة التي طرحها أئمة أهل البيت الاثني عشر عليهم السلام الذين بشر بهم رسول الله (ص) في حديث الاثني عشر خليفة الذي أجمع الحفاظ قاطبة على نقله، والذي مر إخباره عنهم مطموسا مغيبا فلم يصلنا عبر أكثر الرواة غير عددهم وكونهم من قريش هذا عند اخوتنا من أهل السنة. هو أول الخيط الذي أخذنا بطرفه، والذي يجب على كل مؤمن أن يأخذ به لأن الإسلام الذي جاء به النبي الأكرم (ص) دين كامل متكامل. إن الإمامة وقد يطلق عليها الولاية وظيفة من الوظائف الإلهية المتصلة بأحكام الشريعة اتصال الحفظ والفهم والتطبيق والقيمومة عموما على الدين بكل تفاصيله، هي مشمولات الخالق تعالى له وحده حق التعيين والاختيار. قال تعالى مخاطبا رسوله: " ليس لك من الأمر شيء ".
فإذا كان صلى الله عليه وآله وسلم ليس له من الأمر شيء فكيف يكون لعامة الناس الحق في اختيار لم يرقوا إليه ولا هو من مشمولاتهم ولا من اختصاصهم ولا كانت لديهم فكرة عنه؟.
لما كان الحكم منبثقا منه تعالى، راجعا إليه بالنظر فان الحكومة الإسلامية لا بد أن تكون من نفس النسيج راجعة إليه قانونا وتعيينا.
إن تنكب المسلمين عن الإمامة الإلهية إلى الإمامة البشرية قد أدى إلى إنحراف الحاكمية عن المسار المسطر لها وتعطيل أحكام الله تعالى الواحدة تلو الآخرى فانهدمت نتيجة ذلك أعمدة الدين وانفصمت عراه بحيث أصبح الحق باطلا والباطل حقا ولم يعد للدين أهمية ولا قيمة عند حكام المسلمين وعوض أن يكون أساسا للحياة أصبح هامشيا وعنوانا ومطية لكل من هب ودب. فسعى لركوبه الظالم ووالجاهل والمنافق وحتى الكافر أصبح له رأي ويريد أن يطوع الإسلام حسب رؤيته، كما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تعمل ذلك الآن. إن من ضمن الغيب الذي يجب على المسلم أن يؤمن به كما في قوله تعالى: " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب..." هو الاعتقاد الراسخ الذي لا يزحزحه شيء بأن الله تعالى سيأذن بإتمام نوره وتطبيق شريعته الخاتمة في يوم آت علمه عنده، وإن من أسباب مجيء ذلك اليوم سببان رئيسيان.
الأول:
هو من قبله تعالى وهي مسألة الهداية والشخص الموكل بها.
قال تعالى: " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد "
و قال أيضا: " إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ".
و قال أيضا: "أولئك الذين هداهم الله فيهداهم اقتده ".
ولا شك أن الله تعالى عندما خاطبنا عن الذين أنعم عليهم وهداهم قد أشار في مضمون الآيات إلى أشخاص بعينهم وكلف رسوله (ص) بالإبلاغ عنهم وإظهارهم على الملا من الناس وإلا كان المعنى فضفاضا لا فائدة منه وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لذلك ينصرف اعتقادنا إلى أن الله قد حدد دور الهداية والهادي وعين أصحابها وكلف رسوله الأكرم (ص) بإبلاغ ذلك للناس وعلى الناس أن يختاروا أما طريق الذين أنعم عليهم، وإما طريق الشيطان. قال تعالى: " وهديناه السبيل إما شاكرا وإما كافورا " والله تعالى عندما يرشدنا إلى أتباع الصادقين عندما قال: " يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " ليس على سبيل المجاز أو التعميم بل على سبيل الحقيقة والتخصيص، نظرا لعدم شمولية الصدق في كل الناس، وهو كما نعلم ليس مظهرا حتى نتبع صاحبه وإنما هو جوهر وجبلة لا يعلم أصحابها غيره تعالى. كما إن الكذب والشر مساوىء لا يميزها إلا هو، لذلك خاطب رسوله (ص) قائلا: " وممن حولك من الأعراب ومن أهل المدنية منافقون مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم".
إذا نخلص إلى القول بأن الهداية لطف الهي، جعله الله تعالى استمرارا لرحمته وعنايته كالنبوة، بل هو إمتداد لها في دور الحفظ والهداية، والمتمثل في شخص الإمام. اقتضته سنة الله تعالى في خلقه لتكون ردئا للنبوة، وازرا للرسالة، في استكمال المسيرة، وتجذير المفاهيم والقيم، التي أرادها الباري تعالى، لخير البشرية وصالحها العام.
الثاني:
من الناس وهم المعنيون بالامتثال للأمر والاتباع، منهم نواة إقامة الدين وفيهم الجماهير المؤمنة والعاملة لذلك الهدف والساعية نحو خالقها ودينها وإمامها. فإذا توفر ذلك الجانب فإن المولى تعالى سيحقق لنا رغبتنا.
و لقائل أن يقول: طالما أن الإمامة لطف فأين هو الإمام الآن كي نتبعه؟
و السؤال في حد ذاته عملي ووجيه إلا أن السائل نسي نفسه ومجتمعه ومحيطه ونسي أيضا كلام ربه، قال تعالى: " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وكما كنت أشير إلى أن الإمامة لطف فإن اللطف الإلهي لا ينقطع تماما كالشمس التي لا ينقطع أثرها على كوكب الأرض وقد غطاها السحاب.
و المهدي عليه السلام أوضح من الشمس وغيبته أجلى من السحاب، غير أن كل من لم يدرك حقيقة الإمامة الربانية لا يمكنه بأي حال من الأحوال يفهم حقيقة المنقذ والمخلص الذي على يديه سيتم نور الله ويقام دينه بحيث لا يبقى على وجه الأرض دين غير الإسلام الحق وهدي غير هدي أئمة أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومنزل الوحي ومختلف الملائكة عليهم السلام.
وغيبة الإمام عليه الإسلام أو حضوره، هي نتيجة لحركة المجتمع المسلم، وكد المؤمنين فيه وإن قلوا.
أما الاتباع والاقتداء، فإن خط الإمامة موجود على مر الزمن محكوم بمجموعة القوانين التي صرح بها الأئمة عليهم السلام مستمدة من روح القرآن وتعاليمه ضابطة لدور القيادة. لم يفت ثلة الإيمان عبر التاريخ الطويل من أن تنهل من فيض الإمامة الصافي وتلجأ إليها في أحلك الظروف وأشدها خطرا على أرواحهم، في حين كان غيرهم يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض.
و أنا أبحث عن إجابة لسؤال يتعلق بطول عمر الإمام المهدي عليه السلام، بادرني الحديث الذي يقول: " لو لم يبق في عمر هذه الدنيا إلا يوم واحد لطوله الله تعالى حتى يخرج رجلا من أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا".
إن الذي يمكنه أن يغير سنته في إطالة يوم يمكنه أن يغيرها في إطالة عمر شخص ما كمثل يومنا الذي نعده 24 ساعة سيتغير يوم القيامة إلي يوم مقداره خمسون ألف سنة مما كنا نعد في الدنيا. كما أن الذي سلب النار خاصية الإحراق وجعلها بردا وسلاما، وفلق البحر وشق فيه طريقا بلا حائل، وعرج بالرسول الأعظم إلى فضاءات ليس فيها ما يحتاجه البشر من هواء، وإن الذي غيب أهل الكهف ثلاثمائة سنة، هو الذي غيب سيدنا الخضر عليه السلام آلافا من السنين، وهو الذي أطال عمر سيدنا نوح إلى ألفي وخمسمائة سنة على ما في بعض الروايات، هو نفسه من بيده إطالة عمرالإمام المهدي عليه السلام. فخرق السنن الإلهية ممكن من أجل إظهار المعاجز لأصحابها ولما تقتضيه المصلحة من الظهور والتخفي. وطالما أن الإمام المهدي هو آخر الأئمة الهداة فإن عمره محكوم بالطول حتى يظهر الله تعالى به دينه الحق ولا التفات لمن يتكلم بلا حجة واتخذ من الشك دينا وحياة.
أحاديث الإمام المهدي عند جمهور المسلمين:
لم يشذ عدد من العلماء الجمهور عن قاعدة الاعتراف بالحق والاصداع بالصواب، فأخرجوا روايات رسول الله (ص) التي تتحدث عن الإمام المهدي عليه السلام وأفردوا لها بابا، بل منهم من أخرج كتابا خصصه بالمسألة نذكر منهم:
جلال الدين السيوطي في الهدف الوردي في أخبار المهدي.
ابن حجر العسقلاني في القول المختصر في علامات المهدي المنتظر.
يوسف بن يحي الدمشقي في عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر.
الكنجي الشافعي في البيان في أخبار صاحب الزمان.
أما العلماء الذين أخرجوا الروايات التي تنبئ بظهوره فهم عديدون منهم:
مسلم النيسابوري أشار إلى الشخص ولم يشر إلى اسمه – الترمذي في سننه ج4 ص565 – ابن ماجه في سننه ج2 ص368 من كتاب الفتن – أبو داود في سننه ج 4 ص107. النسائي في الخصائص – البيهقي في سننه – الطبراني في معجمه ص566 – ابن حجر في الصواعق- سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة- والحاكم في مستدركه د4 ص557 كفاية الطالب ص 486 – الحاوي للفتاوي ج2 ص58. -البرهان في علامات المهدي ص94 كنز العمال للمتقي الهندي ج14 ص264. البيان في أخبار صاحب الزمان ص479. العقائد الإسلامية للسيد سابق.
الحديث من طرق العامة:
عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله (ص): "المهدي مني أجلي الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين". (أبو داود ج 2 ص 422 والحاكم في المستدرك ج 4 ص 557)
وكما كنا أشرنا فقد بلغت أحاديث الإمام المهدي من الكثرة عند أغلب الفرق الإسلامية فمنهم من أفرد لها كتابا وقد أشرنا إلى بعضهم عند اخوتنا من (أهل السنة) ومنهم من أفراد لها بابا، ومنهم من أخرج الروايات في أبواب الملاحم والفتن وأشراط الساعة، وكلهم متسالمون على صحة ورودها عن رسول الله (ص).
أما أتباع أهل البيت عليهم السلام، فإن عددا من العلماء الأفذاذ قد ألف كتبا عن الإمام المهدي عليه السلام، فضلا عن إخراج الروايات العديدة الصحيحة السند القطيعة الدلالة على صحة الدعوى.
لم يمكنني حصر التآليف الخاصة بالإمام المهدي عليه السلام، لكني أشير على سبيل الذكر كتاب: بحث حول المهدي للشهيد محمد باقر الصدر. يوم الخلاص للشيخ على الكوراني. منتخب الأثر في أحوال المنتظر. الإمامة وقائم القيامة. موسوعة السيد محمد الصدر عن الإمام المهدي (تاريخ الغيبة الصغرى – تاريخ الغيبة الكبرى- علامات ما بعد الظهور.)
أما أولئك الذين ينكرون الإمام المهدي فإنهم لم يبنوا نكرانهم على قاعدة صحيحة بحيث إنهم حاولوا بعدم اعترافهم بحقيقة الإمام المهدي عليه السلام إيقاع أتباعهم في الإنكار وإبعادهم عن معرفة واقع الإمامة الإلهية. ويمكنني القول بأن المهدي عليه السلام، كان من المسائل المجمع على صحتها بين المسلمين في القرون الأولي، ولم يشذ عن ذلك الإجماع أحد، ولم يظهر منكر للروايات المتحدثة عن الإمام المهدي عليه السلام، إلا في العصور المتأخرة حيث كثرت الفرق والمذاهب وأدلى في الدين كل بدلوه،. ولما كانت الإمامة الإلهية أصل لإمامة المهدي عليه السلام فان القائلين بعدم النص بعد الرسول (ص) قد وقعوا في إشكال وحدة القيادة في نهاية المطاف ولم يعد لمبدا الشورى في اختيار القائد أساس وواقع، فلم يروا بدا من إنكار حقيقة الإمام المهدي هربا من انكشاف بطلان اختيار الناس بعد الرسول (ص). وبمقارنة بسيطة نرى أن المسلمين القائلين بمبدا التنصيص الإلهي على الإمام بعد الرسول (ص) قد احتجوا بما عندهم وعند مخالفيهم من أن الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عددهم اثني عشر إماما كعدد نقباء بني إسرائيل، أولهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم الإمام المهدي عليه السلام. وإذا صح الإمام الأول والإمام الأخير، مع نقلهم عن رسول الله أيضا: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا". صح بقية الأئمة وبطلت إمامة السقيفة، وما تلاها من دكتاتوريات كانت أساسها الأول، لم تجن على المسلمين غير ويلات ونكبات وضياع للكرامة والشرف والدين، والدليل ما نحن فيه الآن من ضياع للحكومة والقيادة والفكر، والناس بين لا مبال وتائه لا يدري أين يؤخذ به.
الإمامة رأس الدين وسنامه وعزه، به يراعى ويقوم ومن دونه يتلاشى ويزول. هي القائم عليه حفظا وتطبيقا، وعليه فإنها لابد أن تكون من جنس التشريع وضمن قوانينه وليست بخارجة عنه.. إن الآيات التي تناولت الحكم والحاكمية عديدة والروايات التي تحدثت عن الإمارة والقيادة تفسيرا وتحديدا كثيرة بما لا يدع مجالا للشك أن ذلك المنصب الهام والخطير غير منسي ولا متروك، بل هو حاضر في كلام الله تعالى وفي حديث رسوله الكريم (ص). وتعالى الله ورسوله من أن يغفلا عن أساس بقاء الدين واستمراره، وكيف يكون العكس والإمامة صنو النبوة وفرعها المنحدر منها. بل هي ربيبة الوحي ونتاجه وأثر بقائه. فإبراهيم مثلا كان نبيا ورسولا ثم إماما. قال تعالى: "إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين".
الإمامة وظيفة إلهية، وعهد منه تعالى لصفوته من خلقه، مستثنى منه بالنص كل من ظلم، والظلم متعدد الأوجه أسوأه الشرك بالله تعالى: "إن الشرك لظلم عظيم". والشرك صفة باطنة لا يعلمها إلا الله تعالى، لذلك كان التعيين من قبله أحق وأولى، لأنه الأعلم بالأصلح، والمتصرف الأوحد في دينه، وهو العارف فيمن تتوفر فيه شروط العفة والتقوى والصدق وكل المكارم الباطنة التي لا يدركها إلا من يعلم السر وأخفى، ومن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وعليه، فان مواصلة الإصرار على القول بان الله تعالى فوض لعباده اختيار الإمام، ضرب من الجحود والتقول على الله بالبهتان والزور، ونسبة النقص في دين الله وشريعته، باعتماد نظرية الغاصبين للإمامة تحت مبررات كاذبة، سقطت لبطلانها وافتضحت بمرور الزمن عند امتحان الأدلة، ووقوف الحق ببراهينه التي انقضت كاهل الباطل.، والحق أحق أن يتبع.
إذا فمسألة الإمام المهدي جزء لا يتجزأ من الإمامة العامة بما اشتملت عليه من نصوص تنوعت وتعددت، منها ما هو قرآني، ومنها ما هو نبوي، ومنها ما هو عقلي، ومنها ما هو تاريخي متصل بالأمم السابقة، وينتهي إلى ما أحصي على الغاصبين للإمامة من أخطاء وتجاوزات في مقابل النص، بلغت الحد الذي لا يمكن معه القبول بدعوى إمامة السقيفة، وحرية اختيار البعض دون البعض الآخر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
آيات الوعد الإلهي الدالة على الإمام المهدي عليه السلام:
جاء في القرآن الكريم عدد من الآيات التي تناولت مسألة الإمام المهدي، فتحدثت عن الأثر الذي سيتركه مجيئة والنتيجة التي يراد منها ظهوره، استكمالا لحركة الصالحين وأتباعهم على الأرض واختتاما لها في نهاية المطاف.:
1- قال تعالى: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض". القصص الآية5 و6 أخرجها الحافظ الحسكاني والقندوزي الحنفيان، وقالا بنزولها في الإمام المهدي عليه السلام.
2- وقال تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون". سورة الانبياء الآية 105 أخرجها سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص 510
3- قال تعالى: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون". سورة التوبة الاية33 ينابيع المودة ص510
4- قال تعالى: "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله لا أن يتم نوره ولو كره الكافرون". سورة التوبة الآية 32 ينابيع المودة ص114
5- قال تعالى: "فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا*ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا". سورة الإسراء الآيتين 5و6 أخرجها البحراني في تفسير البرهان ج2 ص406و407
6- قال تعالى: "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون". سورة النور الاية55
إن عقيدة المسلمين في مجيء اليوم الذي يقام فيه حكم الله في أرضه، فتأخذ شريعته الخاتمة طريقها للتطبيق الحق في العالم، لتحيا به سنن النبي (ص) على يد المهدي الموعود، لهي من العقائد التي لا تقبل الشك ولا تحتمل وجها آخر. لأن بشارة النصر واقامة الدين واحقاق الحق، ونشر العدل وإبادة البغي والظلم، قد صرح بوقوعها في آخر الزمن الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتناقلتها الروايات الصحيحة وتسالم بها العقلاء وكل منكر لها مدفوع إما بعصبية مريضة، أو جهل بأبسط قواعد المنطق، وإذا نحن سلمنا بمجيئ ذلك اليوم فلا بد له من قائم به، وهو من الخطورة والعظمة بحيث أن صاحبه يجب أن يكون في مستوى ذلك الحدث أوأعظم.
لم يستطع الذين أنكروا شخصية الإمام المهدي وظهوره ليملأ الأرض قسطا وعدلا، أن ينكروا يوم نصر الإسلام وهيمنته على الأرض، لأنهم ولسبب بسيط ليس لديهم الجرأة على رد الآيات القرآنية، وانما هم مدفوعين في تعنتهم لمعارضة عقيدة المسلمين الشيعة الذين قد مضت بيعتهم للإمام المهدي جيلا بعد جيل. إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
إن الإيمان بالمهدي المنتظر، وترقب ظهوره هو خلاصة الدين الحنيف في العيش من أجل حصول تلك الحقيقة، والعمل في أن يكون المؤمن في دائرتها عنصرا فاعلا فيها، لأنه لا خير في دين بلا قيادة ربانية كما لا خير في جسد بلا روح.
إن الأمة الإسلامية اليوم، وهي في أحرج أوقاتها بحاجة إلى الالتفاف حول ثوابت دينها، وأصول عقيدتها، والإمامة الهادية هي إحدى ركائزها الهامة، والتي من دونها لا يستقيم حكم الهي، وعليه فإنه لا بد لأفرادها الذين وعوا تلك الركائز، وخبروا أصول تلك العقائد، أن يعرفوا من لم يعرف، ويقيموا الحجة على المنكر والجاحد، ليتخلى عن إنكاره وجحوده أو يتجنبه المسلمون. لأن الحقيقة تقول إن من سعى إلى فصل الدين عن الحياة هو الذي أنكر وظيفة الإمامة وسعى إلى التشكيك في الإمام المهدي عليه السلام.
إن السبب الذي غيب الإمام عليه السلام عن بسط يده في الأمة، هو من الأمة ذاتها والخلل فيها والعيب منها، لأن الدارس للتاريخ وما جاء فيه من تفنن الأمة في التفريط في دينها، واهدار الفرص المتكررة لنهظتها وصلاح أمرها، بل وفي موالاتها للظالمين مندوحة في بقائها على حال من السقم والمرض والوهن، وبقاء الإمام في مجتمع يكاد يخلو من وازع الإرادة الحقة والتربية السليمة، والسعي إلى إدراك المعاني الحقيقية للصفوة التي أرادها الباري تعالى قادة للأمم ومنارة هدي للشعوب. وعليه فاللوم ملقى علينا والتهمة مناطة بنا فهما وتطبيقا.
إن الأمل هو الشعور الدافع فينا لمزيد التحفز والبذل، ومسألة الإمام المهدي هي من محصل ذلك الأمل الذي يختلج في صدورنا، ونسعى إلى تحقيقه باستقامتنا والتزامنا بأحكام الله تعالى ومبايعتنا لله تعالى، البيعة التي لا تبقي للدنيا وزينتها في قلوبنا مكانا. عندها يكون الفرج بإذنه تعالى وتتم كلمته في عباده وينجز وعده الحق. قال تعالى: "وقل اعملوا على مكانتكم إننا عاملون وانتظروا إننا منتظرون".
ليس لدي في الختام إلا أن أتوج هذه الخواطر بدعاء زمن الغيبة، سائلا المولى العلي القدير أن يتقبل من المؤمنين والمؤمنات أعمالهم ويزكيها، ويوفقنا جميعا لمرضاته انه ولي التوفيق.
اللهم عرفني نفسك، فانك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني نبيك، فانك أن لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فانك إن لم تعرفني حجتك ظللت عن ديني. اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني... اللهم ثبتني على دينك، واستعملني لطاعتك ولين قلبي لولي أمرك، وعافني بما امتحنت به خلقك، وثبتني على طاعة ولي أمرك الذي سترته على خلقك وبإذنك غاب عن بريتك، وأمرك ينتظر، والعالم غير المعلم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليك في الإذن له بإظهار أمره وكشف ستره، فصبرني على ذلك حتى لا أجد تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت، ولا كشف ما سترت، ولا البحث عما كتمت، ولا أنازعك في تدبيرك، ولا أقول لم وكيف وما بال ولي الأمر لا يظهر وقد امتلأت الأرض من الجور فأفوض أموري كلها إليك..."
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة، اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه وما قصرنا عنه فبلغناه.
اللهم صل على حجتك في أرضك، وخليفتك في بلادك، الداعي إلى سبيلك، والقائم بالقسط والفائز بأمرك، ولي المؤمنين ومبير الكافرين، والصادع بالحكمة، والموعظة الحسنة والصدق، وكلمتك وعيبتك وعينك في أرضك، المترقب الخائف، والولي الناصح، سفينة النجاة، وعلم الهدى، ونور أبصار الورى، مفرج الكرب، ومزيل الهم، وكاشف البلوى صلوات الله عليه وعلى آبائه الأئمة الهادين والقادة الميامين، ما طلعت كواكب الأسحار، وأورقت الأشجار، وغردت الأطيار. اللهم انفعنا بحبه، واحشرنا في زمرته وتحت لوائه... عندما تدعوا كل أناس بإمامهم.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page