وبعد هذه الأحداث الساخنة، زرت الدكتور في مكتبه في كلية التجارة، وسألني ما دار بيننا وبين الوهابية، وقد كانت الأخبار عنده بالتفصيل.
قال: إن المشكلة التي تعيشها الوهابية هي الجهل المركب من مصادرة للآراء والاتهام بالباطل، فنحن كنا نسمع إن الشيعة يقولون أن الرسالة كانت يفترض أن تأتي لعلي بن أبي طالب، ولكن عندما بحثنا لم نجد لذلك أثراً، وكنا نسمع أن للشيعة مصحف اسمه (مصحف فاطمة) ولكن لا واقع له، وكنا نسمع أن عبدالله بن سبأ هو مؤسس الشيعة، فبحثنا فوجدنا أنه شخصية خرافية، فما بال الوهابية يرددون هذه الاتهامات الباطلة، وبأي حق يتحدثون عن الشيعة؟! فقد طلب مني قبل أيام أنا والدكتور علوان والدكتور أبشر، وأحد مشايخ الوهابية، إقامة ندوة عن الشيعة في الجامعة ولكني اعتذرت وعلى ما يبدو اعتذر الدكتور علوان، والدكتور أبشر، وقلت لهم بأي حقٍ أتحدث عن الشيعة فأكون الحاكم، والقاضي، والجلاد، فأقول الشيعة يقولون كذا وحكمهم كذا، فهذه مصادرة، فكل صاحب مذهب يجب أن يُسأل عن مذهبه، هذه هي المنهجية العلمية، فلا يمكن بداعي خلافي مع الوهابية ألصق بهم ما ليس فيهم، فمثلاً كنا نسمع أن محمد بن عبد الوهاب، كان يقول إن عصاي أفضل من محمد ولكن عند البحث العلمي تبين أن هذه المقولة ليست ثابتة، فلا يجوز أن أنسبها له، وكثير من الكتب التي ألفت ضدهم، فليس كل ما فيها حقٌ وصواب، وأذكر أني كنت في سفرة إلى الخرطوم فجاءني أحد الأخوان الأعزاء بكتاب وقال أن هذا الكتاب يرد كيد الوهابية، وإذا هو كتاب (مذكرات مستر هنفر) وبعد قراءته قلت له إن هذا الكتاب لا يمكن أن أستفيد منه شيئاً فهو خارج عن المنهج العلمي، وهو أقرب للافتراء من الحق.
وأيضاً ليس ما يقوله الوهابية في جماعتنا التجانية بحق، وأذكر أن أحد مشايخنا وعلماءنا الكبار وهو الحافظ المصري إلتقى بأحد الوهابية فسأله الوهابي عن مذهبه فقال تجاني.
فقال الوهابي: أعوذ بالله.
فقال له أن الذي استعذت منه ليس نحن.
قال: كيف، ألستم تقولون أن صلاة الفاتح أفضل من القرآن.
قال: لا.
ألستم تقولون كذا، قال: لا، ألستم تقولون كذا وكذا وكذا.
قال: لا.
فتعجب، فقال له: إنكم تحملون صورة في أذهانكم لا تمت إلى الواقع بصلة.
كما أنه ذكر لي قصة مفصلة عن لقاءاته مع المسيحية وقال إنه أستدعي إلى الخرطوم، لمناقشة مجموعة من علماء المسيحية، الذين حضروا من الغرب، وأنه كيف عجز الآخرين عن ردهم لأنهم لم يسألوهم عن اعتقاداتهم، بل كانوا يهاجموهم وهم ينفون الاتهام.
ولم يفحموا إلا بعد ما طلبت منهم أن يتحدثوا عن أنفسهم.
وقد فصل كثيراً في منهجية التعامل مع الأطراف المخالفة، ولم يطرح في هذه الجلسة موضوع للنقاش بيننا رغم أنها طالت أربع ساعات، وقد سررت بكلامه لأننا بهذا الحديث أمنا هجومه علينا، وخاصة إنه شخصية مرموقة اجتماعياً، وله أتباع ومريدون وكلمته مسموعة، فحرصت أن لا أثيره بأي موضوع.
وبعد هذه الجلسة، ذهبت معه في سيارته إلى مدينة عطبره حيث يوجد مجموعة من إخواننا الشيعة حتى أنقل لهم هذه الأخبار السارة.
ولكن سرعان ما صدمت عندما أخبروني أن هنالك مناظرة، بينهم وبين الدكتور عمر مسعود، وموضوع المناظرة عصمة الأئمة.
قلت: نحن مستعدون أن نناظر في أي مبحث من عقائدنا، ونفحم أي طرف بالدليل، ولكن الذي يحيرني أنه مضت ساعات من لقاءي مع الدكتور، ولم يذكر لي هذا الأمر فلعله لا يدري؟!.
قالوا: لا، بل هو الذي دعا، وقد وزعت الإعلانات في كل مكان، ومكتوب عليها (حوار ساخن بين الشيعة والدكتور عمر مسعود).
فصممنا أن نستوفي كل الأدلة، عن عصمة الأئمة، ونرد على كل الإشكاليات، ورشَّحني الأخوة على أن أدير النقاش معه.
وبعد ما حان وقت الموعد، انطلقنا إلى دار التيجانية، وقد إكتظت بالحضور، وما إن رآني الدكتور حتى بدت علامات التردد عليه، فقال لي: هل جاء الأخوة الذين سوف يحاورونني، وكأنه لا يريدني أن أتدخل، بل هو كذلك، والدليل عليه إننا أول ما جلسنا كنا بمحاذاته من الجهة اليمنى، فقال لا يمكن أن ألتفت على يميني دائماً، فالذي يريد مناقشتي فليجلس أمامي، فقمنا ولكنه أمسك بيدي، وقال أجلس أنت بالقرب مني، وكأنني لم أكن مقصوداً بالنقاش.
وبعد تلاوة من آيات الذكر الحكيم، قدموا ممثل الشيعة للحديث عن عصمة الأئمة.
فحمدت الله، وصليت على خاتم الأنبياء، وأهل بيته الطاهرين، فأظهر الدكتور عدم ارتياحه من تدخلي.
قلت: قبل أن أبدأ حديثي، عن مسألة العصمة وأدلتها من القرآن، والسنة، والعقل، أحب أن ابدي هذه الملاحظة، وهي من الذي دعا إلى هذا الحوار؟
إذا كان إخواننا الشيعة، فعلى الدكتور أن يحدد محاور النقاش، ولا غضاضة في ذلك، أما إذا كان هو الداعي، فعلينا تحديد محاور النقاش، لأن مسألة العصمة ليست عقيدة مجردة، وإنما ترتبط بواقع عقائدي متكامل، فالمسألة التي يجب أن تناقش هي الإمامة، وضرورتها، وشروطها، على ضوء المنهج القرآني، والعقلي، فتأتي تبعاً لذلك مسألة العصمة، فأنا أسأل أستاذي الدكتور، هل كان هو الذي دعا الشيعة للحوار؟.
بدأ حديثه بعد الحمد، والصلاة قائلاً: أنا من طبيعتي الذاتية وتكوين شخصيتي، إنسان يمكن أن تسميني منعزل، ومنطوي فليس أنا من دعاة المناظرات، ولا الحوارات، والمحاضرات(1)، والدليل على ذلك أن الأستاذ معتصم جلس معي هذا اليوم أربع ساعات، ثم ذكر ما دار بيننا، وقال إنني لم أتخيل أن الأستاذ معتصم سيتدخل في هذا الحوار، لأنه لا توجد بيننا حواجز ومكتبي مفتوحٌ له طول اليوم، وهذا هو أمامكم اسألوه عن العلاقة التي بيننا، فالمفروض منه أن يختبر في مثل هذه الجلسة جماعته من الشيعة، وهل هم استوعبوا الدروس التي تلقوها منه، ثم قال أدعو لرفع هذه الجلسة.
فشكرته، وقلت نحن أيضاً ليس من عادتنا أن نطرق الأبواب، وندعو أهلها للمناظرات، وما دمت دعوت لرفع الجلسة فنحن لا نصر عليها.
وفي هذا الحين تدخل أحد الحضور، ووجه لي سؤالاً قائلاً: أسألك سؤال مستفهم مستفسر وليس مناظر عن رأي الشيعة في مسألة العصمة وأدلتهم على ذلك.
قلت: له إن الأدلة متعددة، ولكن ليس المكان مكاني، ولا المجلس مجلسي، فإذا أذن لي الدكتور.. فقاطعني الدكتور قائلاً لقد دعوتكم لرفع هذه الجلسة.
وبهذا انتهت المناظرة ورفعت الجلسة.
___________
1- مع العلم أنه في نفس تلك الأيام دارت بينه وبين الوهابية مجموعة من المناظرات بعنوان (ابن تيمية صوفي).
الجلسة الثانية: مع الدكتور عمر مسعود
- الزيارات: 646