• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حوار مع المحدّث والحافظ الدمشقي عبد القادر الأرنؤوطي

حدثَ لي أثناء إقامتي في الشام لقاء مع الشيخ عبد القادر الأرنؤوطي، وهو من علماء الشام وله إجازة في علم الحديث.
وقد تمَ هذا اللقاء من غير إعداد مني، وإنما كان عن طريق الصدفة..
كان لي أحد الأصدقاء السودانيين إسمه عادل، تعرفت عليه في منطقة السيدة زينب(ع) وقد أنارَ الله قلبه بنور أهل البيت(ع) وتشيع لهم، وامتاز هذا الأخ بصفات حميدة قل ما تجدها في غيره، وقد أجبرته الظروف على العمل في إحدى المزارع في منطقة تُسمى (العادلية) (9كم) تقريباً جنوب السيدة زينب(ع). وكان بجوار المزرعة التي يعمل بها مزرعة أخرى لرجل كبير السن متديّن يكنى بأبي سليمان.
فعندما عرفَ هذا الجار أن السوداني الذي يعمل بجواره شيعي، جاء إليه وتحدث معه، قائلاً:
ــ يا أخي السودانيون سُنّة طيبون.. من أين لك بالتشيع؟!. هل في أسرتك أحد شيعي؟.
قال عادل: لا، ولكن الدين والقناعة لا تبتني على تقليد المجتمع والأسرة.
قال: إن الشيعة يكذبون ويخدعون العامة.
قال عادل: أنا لم أر منهم ذلك.
قال: بلى نحن نعرفهم جيداً.
قال عادل: يا حاج، هل تؤمن بالبخاري ومسلم وصحاح السنة؟.
قال: نعم.
قال عادل: إن الشيعة يستدلون على أي عقيدة يؤمنون بها من هذه المصادر، فضلاً عن مصادرهم.
قال: إنهم يكذبون ولهم بخاري ومسلم محرَّف.
قال عادل: إنهم لم يلزموني بكتاب مخصص، بل طلبوا مني أن أبحث في أي مكتبة في العالم العربي.
قال: هذا كذبٌ، وأنا من واجبي أن أردَّك مرة أخرى إلى السُنَّة، "وإن يهدي بك الله رجل واحد خير لك مما طلعت عليه الشمس".
قال عادل: نحن طالبي حق وهدى، نميل مع الدليل حيثما مال.
قال: سأحضر لك أكبر عالم في دمشق، وهو العلامة عبد القادر الأرنؤوطي، عالمٌ جليل، ومحدّث حافظ، وقد حاول الشيعة إغراءه بالملايين حتى يصبح معهم، ولكنه رفض..
وافق ـ الأخ ـ عادل على هذا الطرح، وقال له أبو سليمان: موعدنا يوم الاثنين أنت وكل السودانيين الذين تأثروا بالفكر الشيعي.
جاء إليَّ عادل، وأخبرني بما حدث، وطلب مني أن أذهب معه.. وبفرحة شديدة قبلت هذا العرض، وتواعدتُ معه يوم الاثنين بتاريخ 8 / صفر / 1417هــ من الهجرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، في تمام الساعة 12 ظهراً.
وكان يوماً شديد الحر، تقابلنا في الموعد، وانطلقنا إلى المزرعة مع ثلاثة من السودانيين، وبعد وصولنا كان الأخ عادل في استقبالنا في مزرعة خضراء تحفها الأشجار المثمرة من الخوخ والتفاح والتوت وغيرها من الفواكه التي لا توجد عندنا في السودان.
وبعدها أخذنا نحث الخطى إلى مزرعة جاره السني، فاستقبلنا بحفاوة بالغة، وبعد قليل من الاستجمام في ذلك المكان الذي تحيط به الخضرة من كل حدبٍ، قمتُ إلى صلاة الظهر، وفي أثناء الصلاة، جاءت قافلة في مقدمتها سيارة تحمل الشيخ الأرنؤوطي، وقد امتلأ المكان بالناس وخارج المبني بالسيارات، وعلت الدهشة وجوه أصحابي السودانيين من هيبة هذا المقام، لأنهم لم يتصوروا أن الأمر بهذا الحجم. وبعدما استقر كل واحد في مكانه، اخترتُ مكاناً بجوار الشيخ.
وبعد أجراء التعريف بين الجميع، تحدّث صاحب المزرعة مع الشيخ قائلاً: إن هؤلاء إخواننا من السودان وقد تأثروا بالتشيع في السيدة زينب، وبينهم واحد شيعي يعمل في المزرعة التي بجوارنا.
قال الشيخ: أين هذا الشيعي؟.
قالوا له: ذهب إلى مزرعته وسيرجع بعد قليل.
قال: إذن نؤخر الحديث إلى رجوعه.
ذهب إليه أحد السودانيين وأحضره إلى المجلس، وقد استغل الشيخُ هذه الفرصة، بذكر أحاديث كثيرة يحفظها عن ظهر قلب، وكان موضوعها أفضلية بعض البلدان على بعض وخاصة الشام ودمشق، وقد أخذ هذا الموضوع حوالي نصف ساعة ـ وهو موضوع لا جدوى فيه ـ، وقد تعجبت منه كثيراً كيف لا يستغل هذا الظرف، وقد أعاره الجميع عقولهم بحديث يستفيدون منه في دينهم ودنياهم.
ثم قال: إن دين الله لا يؤخذ بالحسب والنسب، وقد جعل الله شرعه لكل الناس، فبأي حق نأخذ ديننا من أهل البيت؟ وقد أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بكتاب الله وسنته وهو حديث صحيح لا يستطيع أحد تضعيفه، ولا يوجد عندنا طريق آخر غير هذا الطريق. وضرب بيده على ظهر عادل وقال له: يابني، لا يُغرنَّك كلامُ الشيعة.
استوقفته قائلاً:
ــ سماحة الشيخ، نحن باحثون عن الحق، وقد اختلط علينا الأمر وجئنا كي نستفيد منك عندما عرفنا أنك عالم جليل ومحدّث وحافظ.
قال: نعم.
قلت: من البديهيات، التي لا يتغافل عنها إلا أعمى، أن المسلمين قد تقسّموا إلى طوائف، ومذاهب متعددة وكل فرقة تدَّعي أنها الحق وغيرها باطل. فكيف يتسنى لي، وأنا مكلف بشرع الله أن أعرف الحق من بين هذه الخطوط المتناقضة؟ هل أراد الله لنا أن نكون متفرقين، أم أراد أن نكون على ملة واحدة، نُدين الله بتشريع واحد؟ وإذا كان نعم، ما هي الضمانة التي تركها الله ورسوله لنا لكي تُحصن الأمة من الضلالة؟.
مع العلم أن أول ما وقع الخلاف بين المسلمين كان بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة، فليس جائز في حق الرسول أن يترك أمته من غير هدى يسترشدون به.
قال الشيخ: إن الضمانة التي تركها رسول الله لتمنع الأمة من الاختلاف قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنتي".
قلتُ: لقد ذكرتَ قبل قليل، في معرض كلامك قد يكون هناك حديث لا أصل له، أي غير مذكور في كتب الحديث.
قال: نعم.
قلتُ له: هذا الحديث لا أصل له في الصحاح الستة، فكيف تقول به، وأنت رجل محدّث؟.
هنا، شبت ناره، وأخذ يصرخ قائلاً: ماذا تقصد، هل تريد أن تضعّف هذا الحديث.
تعجبتُ من هذه الطريقة، وعن سبب هيجانه، مع أنني لم أقل شيئاً.
فقلت: مهلاً، إن سؤالي واحد ومحدد، هل يوجد هذا الحديث في الصحاح الستة؟.
قال: الصحاح ليست ستة، وكتب الحديث كثيرة، وإن هذا الحديث يوجد في كتاب الموطأ للإمام مالك.
قلت (متوجهاً إلى الحضور): حسناً، قد اعترف الشيخ أن هذا الحديث، لا وجود له في الصحاح الستة، ويوجد في موطأ مالك.
فقاطعني (بلهجة شديدة) قائلاً: شو، الموطأ مو كتاب حديث؟.
قلتُ: الموطأ كتاب حديث ولكن حديث: "كتاب الله وسنتي"، مرسل في الموطأ من غير سند ـ مع العلم أن كل أحاديث الموطأ مسندة ــ.
هنا صرخ الشيخ بعدما سقطت حجته، وأخذ يضربني بيده ويهزني شمالاً ويميناً: أنت تريد أن تضعّف الحديث، وأنت مَنْ حتى تضعّفه. حتى خرج عن حدود المعقول. وأخذ الجميع يندهش من حركاته وتصرفه هذا.
قلتُ: يا شيخ، هنا مقام مناقشة ودليل وهذا الأسلوب الغريب الذي تتبعه لا يجدي، وقد جلست أنا مع الكثير من علماء الشيعة، ولم أرَ مثل هذا الأسلوب أبداً. قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: آية/159).. وبعد هذا، هدأ قليلاً من ثورته.
قلت: أسألك يا شيخ: هل رواية مالك لحديث "كتاب الله وسنتي". في الموطأ، ضعيفة أم صحيحة؟.
قال (بتحسر شديد): ضعيفة.
قلت: فلماذا إذن، قلت أن الحديث في الموطأ وأنت تعلم أنه ضعيف؟
قال (رافعاً صوته): إن للحديث طرق أخرى.
قلت: للحضور: قد تنازل الشيخ عن رواية الموطأ، وقال: إن للحديث طرق أخرى، فنسمع منه هذه الطرق.
هنا أحس الشيخ بالهزيمة والخجل، لأن ليس للحديث طرق صحيحة، وفي الأثناء، تحدث أحد الجلوس، فوكزني الشيخ بيده، وقال لي وهو مشيراً إلى المتحدث: اسمع له، والتفت يريد بذلك الهروب من السؤال المحرج الذي وجهته له.
أحسست منه هذا، ولكني أصررت وقلت: أسمعنا يا شيخ الطرق الأخرى للحديث؟.
قال (بلهجة منكسرة) لا أحفظها، وسوف أكتبها لك.
قلت: سبحان الله! أنت تحفظ كل هذه الأحاديث، في فضل البلدان والمناطق، ولا تحفظ طرق أهم الأحاديث وهو مرتكز أهل السنة والجماعة والذي يعصم الأمة عن الضلالة كما قلت.. فظل ساكتاً.
وعندما أحس الحضور بخجله، قال لي أحدهم:
ــ ماذا تريد من الشيخ وقد وعدك أن يكتبها لك.
قلت: أنا أقرّب لك الطريق، إن هذا الحديث يوجد أيضاً في سيرة ابن هشام من غير سند.
قال الشيخ الأرنؤوطي: إن سيرة ابن هشام، كتاب سيرة وليس حديث.
قلت: إذن تضعّف هذه الرواية.
قال: نعم.
قلت: كفيتني مؤونة النقاش فيها.
وواصلت كلامي قائلاً: ويوجد أيضاً في كتاب الألماع للقاضي عياض، وفي كتاب الفقيه المتفقه للخطيب البغدادي.. هل تأخذ بهذه الروايات؟.
قال: لا.
قلت: إذن، حديث "كتاب الله وسنتي"، ضعيف بشهادة الشيخ، ولم يبق أمامنا إلا ضمانة واحدة تمنع الأمة من الاختلاف، وهي حديث متواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد روته كتب الحديث السنَّية، والصحاح الستة ما عدا البخاري، وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
"إني تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، فإن العليم الخبير، أنبئني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض". كما في رواية أحمد بن حنبل، ولا مناص لمؤمن يريد الإسلام الذي أمر الله به إلا أن يسلك هذا الطريق، وهو طريق أهل البيت المطهرين في القرآن الكريم من الرجس والمعاصي، وذكرتُ مجموعة من فضائل أهل البيت(ع)، والشيخ ساكت لم يتفوه بكلمة طوال هذه المدة ـ على غير عادته ـ فقد كان سيد المجلس قبل الحوار.
وعندما رأى مريدوه الانكسار في شيخهم، أصبحوا يهرّجون ويمرّجون.
قلت: كفى دجلاً ونفاقاً، ومراوغة عن الحق، إلى متى هذا التنكر؟!؟ والحق واضحة آياته، ظاهرة بيناته، وقد أقمتُ عليكم الحجة، بأن لا دين من غير الكتاب والعترة الطاهرة من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وظل الشيخ ساكتا ولم يرد عليَّ كلمة واحدة. فقام منتفضاً قائلاً: أنا أريد أن أذهب، وأنني مرتبطٌ بدرس، مع العلم أنه كان مدعواً لطعام الغداء!!.
أصر عليه صاحب المنزل بالبقاء، وبعد إحضار طعام الغداء، هدأ المجلس، ولم يتفوه الشيخ بكلمة واحدة في أي موضوع كان، طيلة جلسة الغداء.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page