• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

[مناظراته بعد استبصاره] مناظرتي مع كبير علماء الشافعية

بعد اشتهار أمرنا بالتشيع، أتاني أحد أعاظم علماء الشافعية المشهورين بالعلم والفضيلة في مدينة حلب الشهباء، وسألني بكل لطف: لماذا أخذتم بمذهب الشيعة، وتركتم مذهبكم ؟
وما هو السبب الداعي لكم، واعتمادكم عليه ؟
وما هو دليلكم على أحقية علي بالخلافة من أبي بكر ؟
فناظرته كثيرا "، وقد وقعت المناظرات فيما بيننا مرارا "، وأخيرا " اقتنع الرجل (1).
ومن جملة المناظرة أنه سألني عن بيان الأحقية في أمر الخلافة.
هل أبو بكر أحق أم علي ؟
فأجبته إن هذا شئ واضح جدا " بأن الخلافة الحقة لأمير المؤمنين علي عليه السلام فور وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم من بعده إلى الحسن المجتبى عليه السلام ثم إلى الحسين الشهيد بكربلاء عليه السلام ثم إلى علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، ثم إلى محمد بن علي الباقر عليه السلام، ثم إلى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام (2)، ثم إلى موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، ثم إلى علي بن موسى الرضا عليه السلام، ثم إلى محمد بن علي الجواد عليه السلام ثم إلى علي بن محمد الهادي عليه السلام، ثم إلى الحسن بن علي العسكري عليه السلام، ثم إلى الحجة ابن الحسن المهدي الإمام الغائب المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
ودليل الشيعة على ذلك: الكتاب الكريم، والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله من الطرفين وكتبهم مليئة من الحجج والبراهين الرصينة، ويثبتون مدعاهم من كتبكم ومؤلفاتكم إلا أنكم أعرضتم عن الرجوع إلى مؤلفات الشيعة والوقوف على ما فيها، وهذا نوع من التعصب الأعمى.
أما الكتاب فقوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (3).
وإن هذه الآية نزلت في ولاية (علي) بلا ريب بإجماع الشيعة، وأكثر علماء السنة في كتب التفسير، كالطبري، والرازي، وابن كثير، وغيرهم فإنهم قالوا بنزولها في علي بن أبي طالب عليه السلام.
ومما لا يخفى على ذي مسكة بأن الله جل وعلا هو الذي يرسل الرسل إلى الأمم، لا يتوقف أمرهم على إرضاء الناس، وكذلك الوصاية تكون من الله لا بالشورى، ولا بأهل الحل والعقد، ولا بالانتخاب أبدا "، لأن الوصاية ركن من أركان الدين، والله جل وعلا لا يدع ركنا " من أركان الدين إلى الأمة تتجاذبه أهواءهم، كل يجر إلى قرصه.
بل لا بد من أن يكون القائم بأمر الله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله منصوصا " عليه من الله، لا ينقص عن الرسل ولا يزيد، معصوما " عن الخطأ.
فالآية نص صريح في ولاية علي عليه السلام، وقد أجمعت الشيعة وأكثر المفسرين من السنة أيضا " أن الذي أعطى الزكاة حال الركوع هو (علي) بلا خلاف، فتثبت ولايته عليه السلام أي خلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الآية: فأورد علي حجة يدعي بها تدعيم خلافة أبي بكر، فقال: إن أبا بكر أحق بالخلافة !
إذا أنه أنفق أموالا " كثيرة قدمها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وزوجه ابنته، وقام إماما " في الجماعة أيام مرض النبي صلى الله عليه وآله.
فأجبته قائلا ": أما إنفاق أمواله، فدعوى تحتاج إلى دليل يثبتها، ونحن لا نعترف بهذا الإنفاق، ولا نقر به، ثم نقول: من أين اكتسب هذه الأموال الطائلة ؟ ومن الذي أمره به ؟
ولنا أن نسألك: هل الإنفاق كان في مكة أم بالمدينة ؟
فإن قلت: في مكة، فالنبي صلى الله عليه وآله لم يجهز جيشا "، ولم يبن مسجدا "، ومن يسلم من القوم يهاجره (4) إلى الحبشة، والنبي صلى الله عليه وآله وجميع بني هاشم لا تجوز عليهم الصدقة، ثم إن النبي صلى الله عليه وآله غني بمال خديجة كما يروون (5).
وإن قلت: بالمدينة، فأبو بكر هاجر ولم يملك من المال سوى (600) درهم، فترك لعياله شيئا "، وحمل معه ما بقي ونزل على الأنصار، فكان هو وكل من يهاجر عالة على الأنصار، ثم إن أبا بكر لم يكن من التجار، بل كان تارة بزازا " يبيع - يوم اجتماع الناس - أمتعة يحملها على كتفه، وتارة معلم الأولاد، وأخرى نجارا " يصلح لمن يحتاج بابا " أو مثله.
وأما تزويجه ابنته لرسول الله صلى الله عليه وآله فهذا لا يلزم منه تولي أمور المسلمين به.
وأما صلاته في الجماعة - إن صحت - فلا يلزم منها تولي الإمامة الكبرى والخلافة العظمى، فصلاة الجماعة غير الخلافة، وقد ورد أن الصحابة كان يؤم بعضهم بعضا "، حضرا " وسفرا "، فلو كانت هذه تثبت دعواكم لصح أن يكون منهم حقيق بالخلافة، ولو صحت لادعاها يوم السقيفة لنفسه لكنها لم تكن آنذاك، بل وجدت أيام الطاغية معاوية لما صار الحديث متجرا "، ثم حديث الجماعة جاء عن ابنته عائشة فقط !
ولا ننسى لما سمع النبي صلى الله عليه وآله تكبيرة الصلاة، قال من يؤم الجماعة ؟ فقالوا: أبو بكر.
قال: احملوني فحملوه - بأبي وأمي - متعصبا " مدثرا "، يتهادى بين رجلين (علي، والفضل) حتى دخل المسجد.
فعزل أبا بكر وأم الجماعة بنفسه، ولم يدع أبا بكر يكمل الصلاة، فلو كانت صلاة أبي بكر بإذن النبي صلى الله عليه وآله أو برضاه، فلماذا خرج بنفسه صلى الله عليه وآله وهو مريض وأم القوم ؟ !
والعجب كل العجب من إخواننا أنهم يقيمون الحجة بهذه الأشياء التي لا تنهض بالدليل، ويتناسون ما ورد في علي عليه السلام من الأدلة التي لا يمكن عدها، كحديث يوم الإنذار (6) إذ جمع رسول الله صلى الله عليه وآله عشيرته الأقربين بأمر من الله: (وأنذر عشيرتك الأقربين) فجمعهم الرسول صلى الله عليه وآله وكانوا إذ ذاك أربعين رجلا "، يزيدون رجلا " أو ينقصونه، وصنع لهم طعاما " يكفي الواحد منهم، فأكلوا جميعهم حتى شبعوا، وبعد أن فرغوا، قال النبي صلى الله عليه وآله:
(يا بني هاشم ! من منكم يؤازرني على أمري هذا ؟ فلم يجبه أحد، فقال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله، أوازرك، قالها ثلاثا "، وفي كل مرة يجيب علي: أنا يا رسول الله.
فأخذ برقبته، وقال: أنت وصيي، وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا).
وحديث (يوم الغدير) المشهور (7) وحديث (الثقلين) (8) وحديث (المنزلة) (9) وحديث (السفينة) (10) وحديث (باب حطة) (11) وحديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) (12) وحديث
(المؤاخاة) وحديث (تبليغ سورة براءة) و (سد الأبواب) (قلع باب خيبر) و (قتل عمرو بن عبد ود) و (زواج بضعة الرسول فاطمة الزهراء عليها السلام) إلى كثير وكثير من ذلك النمط مما لو أردنا جمعها لملأنا المجلدات الضخمة.
أفكل هذه الروايات المتفق عليها لا تثبت خلافة علي عليه السلام وتلك الروايات المختلف فيها، المفتعلة، تثبت لأبي بكر تولي منصب الرسالة ؟ !
وهذا شئ عجاب !
ثم قال لي: أنتم لا تعترفون بخلافة أبي بكر.
قلت: لا، هذا لا نزاع فيه عندنا، ولكن ننازع في الأحقية والأولية، هل كان أبو بكر أحق بها أم أمير المؤمنين عليه السلام ؟ ها هنا النزاع، ولنا عندئذ [أن] ننظر في هذا الأمر العظيم الذي جر على الأمة بلاء، وفرق الأمة ابتداء يوم السقيفة إلى فرقتين بل إلى أربع فرق، فالأنصار انقسموا على أنفسهم قسمين: قسم يريد عليا " - وذلك بعد خراب البصرة - والآخر استسلم وسلم الأمر إلى أبي بكر، وكذلك المهاجرون: منهم من يريد أبا بكر والآخر عليا "، ثم إلى فرق تبلغ الثلاث والسبعين، كل فرقة تحمل على من سواها من الفرق حملة شعواء لا هوادة فيها، فجر الأمة الإسلامية إلى نزاع دائم عنيف، فكفر بعضهم بعضا "، ولا زالت الأمة تمخر في بحور من الدماء، من ذلك اليوم المشؤوم إلى يوم الناس هذا، ثم إلى يوم يأتي الله بالفرج، هذا الذي نحاول فيه.
فالشيعة برمتهم يحكمون بما ثبت عندهم من الأدلة قرآنا وسنة وتاريخا "، ويحتجون من كتب خصومهم السنة، فضلا " عن كتبهم، بالخلافة لعلي عليه السلام، ولبنيه الأئمة الأحد عشر عليهم السلام الذين تمسك الشيعة بإمامتهم.
إلى غير ذلك من الأدلة التي أوردتها على فضيلته، فسمع وقنع، وخرج من عندنا وهو في ريب من مذهبه، وشاكرا " لنا على ما قدمناه له من الأدلة، وقد طلب مني بعض كتب الشيعة ومؤلفاتهم، فأعطيته جملة منها، وفيها من كتب الإمام الحجة المجاهد السيد (عبد الحسين شرف الدين).
ولا بأس بأن نطالب في هذا المقام إخواننا السنة أن يقفوا على كتب الشيعة ومؤلفاتهم بلا تعصب، ونرشدهم إلى جل من الكتب كمؤلفات سيدنا الإمام (شرف الدين) وكتاب (الغدير) للعلامة الأميني، وإحقاق الحق) و (الصوارم المهرقة) وكلاهما للشهيد السعيد الإمام (القاضي نور الله) و (عبقات الأنوار) للإمام السيد (حامد حسين الهندي) و (غاية المرام) للإمام (البحراني) و (السقيفة) و (دلائل الصدق) للحجة العلامة (المظفر) و (أصل الشيعة وأصولها) للإمام (كاشف الغطاء) وغيرها فإن فيها ما فيه الكفاية لأولي الألباب المخلصين، المجردين عن العصبية المذهبية، وبالله التوفيق.
شيعي وسنتي يترافعان عندي دخل علي يوما " في حلب نفران من أهل حمص: أحدهما شيعي مستبصر، والآخر سني مستهتر، وكانت بينهما مناقشة أولوية علي عليه السلام بالخلافة، فقال لي الشيعي: يقول صاحبي هذا، وهو من أهل السنة: ليس هناك نص على علي عليه السلام بأنه الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل !
فسألني السني هل هناك نص صريح ؟
فأجبته: نعم، بل نصوص صريحة في كتبكم ومصادر كم، وأحلته على تاريخ الطبري، وابن الأثير، والتفاسير أجمع، وذكرت له تفسير آية (وأنذر عشيرتك الأقربين) من تاريخ الكامل لابن الأثير، والحديث بطوله، وقد رواه ابن الأثير بزيادة ألفاظ على ما رواه الطبري إلى أن انتهيت إلى قول النبي صلى الله عليه وآله: (أيكم يا بني عبد المطلب يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي، وخليفتي من بعدي ؟) وإجابة علي عليه السلام لما لم يجبه أحد منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(هذا أخي، ووزيري، ووصيي، وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا) (13).
ثم قلت له: أيها المحترم، أتطلب نصا " أصرح من هذا النص ؟
فقال: إذا ما صنعوا ؟ ففهمت من قوله (ما صنعوا) يشير إلى اجتماعهم في السقيفة، وتنازعهم فيمن يخلف رسول الله صلى الله عليه وآله أمهاجرون أم أنصار فقلت له: هذا ما وقع.
فقال: عجبا "، عجبا "، وانتهى الأمر، وقال قولا في هذا المقام، ولا أريد ذكره، ثم استبصر وذهب حامدا " شاكرا ".
وقد بلغني من بعض الثقات أنه قام بالدعوة إلى المذهب الحق، فاستبصر على يده جماعات.
والحمد لله على هذه النعمة، وهي نعمة الولاء والبراء.
مناظرة مع جماعة من أهل السنة
وفي الليلة الخامسة من شهر رمضان المبارك سنة 1371 ه‍ بينما أنا مشتغل في مكتبتي بكتابة كتاب: (الشيعة وحجتهم في التشيع) إذ وفد علي جماعة يبلغ عددهم نحو خمسة عشر شخصا "، أو أكثر، وفيهم العلماء وغير العلماء فتلقيتهم بالترحاب، وبصدر رحب، وقلب ملؤه السرور، وما أن اطمأن بهم الجلوس حتى فاتحوني بالبحث العلمي، يريدون الإيضاح عن مذهب الشيعة، وعن اعتقادهم في الخلافة، وما يدور حولها.
فبادرت إلى الجواب، وهم صامتون يصغون إلى ما أورد عليهم من الأدلة الواضحة، والحجج القاطعة، والبراهين الساطعة القائمة لدينا ولديهم حتى مضى علينا أكثر من ثلثي الليل، وبعد انتهائنا من البحث، قاموا: فمنهم الشاكر، ومنهم المنكر، ومن جملة ما أفدت عليهم، قلت: لا شك في أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعلم أن أمته الجديدة القريبة العهد بالإسلام، وما هي عليه من الرغبة في الخلافة، ويعلم أنه سينقلب الكثير منهم على الأعقاب (14)، ولا يسلم منهم إلا مثل همل النعم (15) عند ورودهم على الحوض - كما جاء في البخاري في حديث الحوض - ويعلم علم اليقين أن أصحابه كانوا يضمرون الشر لوصيه وخليفته من بعده علي عليه السلام، وأنهم فور موته يحدثون حدثا ".
إذن، فلا بد أن يكون قد وضع للخلافة حلا " لها، يوقف من تدعوه نفسه إلى الخلافة.
ولا يخفى عليه أمر أصحابه، إذ أنه قد سبرهم، وعرف المستقيم منهم والملتوي.
وهو القائل لهم: (ستتبعون سنن من قبلكم شبرا " بشبر، وذراعا " بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) (16).
وكان شيخنا العلامة الشيخ (أحمد أفندي الطويل الأنطاكي) يرويه لنا في أثناء الدرس، وعلى المنبر، ويقول في ختام الحديث:
ولو جامع أحدهم امرأته في السوق لفعلتموه ! ! وهو القائل: (من لم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية) أي كفر (17).
إذن، فلا بد أن يضع للخلافة حلا " يوقفهم عند حدهم.
ونحن ما دمنا نعتقد أنه نبي مرسل من الله، ويعلم أنه الذي ختم الرسل [وأن رسالته] مستمرة إلى أخر الدنيا، فلا يبقى له أن يترك أمته فوضى مع علمه أنها ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كما في الحديث هذا ودعوى إيكال أمر الخلافة إلى الأمة باطلة لأمور: أولا: إن أهل الحل والعقد، أو الانتخاب، أو ذوي الشورى لا يتم [الأمر] بما أوكل إليهم إلى مدى الدهر، بل هو عين إيقاع الأمة في الفوضى التي توقع الأمة في هوة ساحقة لا حد لها ولا قرار، لهذا نرى الأمة لا زالت تمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم إلى يومنا هذا، ثم إلى انتهاء حياة البشر يوم البعث والنشور.
ثانيا ": مما لا خفاء فيه أن الناس مختلفون في معتقداتهم، ومتباينون في آرائهم، ونرى أنه لا ينفق اثنان في الرأي، بل الإنسان نفسه لا يتفق له أن يستمر على رأي دائم، بل يتقلب رأيه في كل لحظة، فكيف يمكن أن يكون الأمر موكولا " إلى أهل الحل والعقد ؟ ! وهذا يأباه العقل والوجدان.
ثالثا ": يستحيل أن يحصل الاتفاق بإيكال الأمر إلى أهل الحل والعقد، فلا بد من وقوع اضطرب شديد بين الشعوب والقبائل، ووقوع القتل والسلب والنهب وغيرها، مما هو موجود كما هو موجود في كل عصر ومصر، ولم يمكن لرئيس أن يتم على يده نظام حياة الإنسان إلا بالقوة القاهرة، وهذه مؤقتة زائلة، ومتى زالت رجع كل واحد إلى ما كان عليه من الأعمال الضارة بالسكان.
لهذا قلنا مكررا ": إن الله لا يدع أمرا " من أمور الدين للأمة تتجاذبه أهواءهم، بل لا بد من أن يوكل الأمر إلى أربابه ممن له أهلية، كاملة في العلم الغزير الذي كان عند الرسول صلى الله عليه وآله (18) والشجاعة، والحكم، والكرم، والزهد، والتقى، والفراسة، والإعجاز، وأهمها العصمة.
وغير ذلك مما يكون الوصي الذي يقوم مقام الرسول في حاجة إليه في إدارة دفة الحكم، وهذا لا يمكن أن يتمكن منه أحد إلا الله العالم بما تكنه الصدور، ويعلم السر وأخفى، والرسول قد بين بصراحة في كل مناسبة أن الوصي والخليفة من بعده (علي) عليه السلام.
كما وإن هناك أدلة كثيرة أخرى ترشدك إلى ما تقوم به الحجة، زيادة على ما قدمنا، مما هو ثابت لدنيا معاشر الشيعة، والكتاب والسنة بنيتا على ذلك، ثم استحسن جميعهم ما أفدت عليهم، وطلبوا مني بعض مؤلفات الشيعة، فأعطيتهم بعض ما كانت عندي، فقاموا واستسمحوا الله تعالى على هذه النعمة.
مناظرة لطيفة بيني وبين بعض مشايخ الأزهر في اليوم السابع من شهر ذي القعدة الحرام عام 1371 ه‍ قبيل الظهر، أخبرني أحد وجهاء حلب، وهو الأستاذ (شعبان أبو رسول) بأن أحد مشايخ الأزهر، وهو علامة كبير، ومؤلف شهير يقصد زيارتكم، فمتى يأتكم ؟ فقلت: يا أهلا وسهلا، فليشرف في هذا اليوم.
فجاءني بعد العصر، ويعد أن بنا المجلس ورحبت به، سألني قائلا ": إنني قصدتك للاستفسار عن السبب الذي دعاكم على الأخذ بالمذهب الشيعي، وترككم المذهب السني الشافعي ؟
فأجبته بكل لطف: الدواعي كثيرة جدا "، منها: رأيت اختلاف المذاهب الأربعة فيما بينهم، ومنها، ومنها، وقد أخذت أعدد له الأسباب التي دعتني إلى الأخذ بالمذهب الشيعي، ثم قلت: وأهمها أمر الخلافة العظمى التي هي السبب الأعظم في وقوع الخلاف بين المسلمين إذ لا يعقل أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يدع أمته بلا وصي عليهم يقوم بأمر الشريعة التي جاء بها عن الله كسائر الأنبياء، إذ ما من نبي إلا وله وصي أو أوصياء معصومون يقومون بشريعته، وقد ثبت عندي أن الحق مع الشيعة، إذ معتقدهم أن النبي صلى الله عليه وآله قد أوصى لعلي عليه السلام قبل وفاته، بل من بدء الدعوة، وبعده أولاده الأئمة الأحد عشر، وأنهم يأخذون أحكام دينهم عنهم، وهم أئمة معصومون في معتقدهم بأدلة خاصة بهم، لهذا وأمثاله أخذت بهذا المذهب الشريف، ثم إنا لم نعثر على دليل يوجب علينا الأخذ بأحد المذاهب الأربعة، بل ولا مرجح أيضا " غير إننا عثرنا على أدلة كثيرة توجب الأخذ بمذهب أهل البيت عليهم السلام وتقود المسلم إلى سواء السبيل.
ثم عرضت له كثيرا " من الأدلة القطعية الصريحة بوجوب الأخذ بمذهب أهل البيت عليهم السلام - وكلمه سمع يصغي إلي - إلى أن قلت: يا فضيلة الشيخ ! أنت من العلماء الأفاضل، فهل وجدت في كتاب الله، وسنة الرسول صلى الله عليه وآله دليلا " يرشدك إلى الأخذ بأحد المذاهب الأربعة ؟
فأجابني: كلا.
ثم قلت له: ألا تعرف أن المذاهب الأربعة كل واحد منهم يخالف الآخر في كثير من المسائل (19)، ولم يقيموا دليلا " قويا " وبرهانا " جليا " واضحا " على أنه الحق دون غيره، وإنما يذكر الملتزم بأحد المذاهب أدلة لا قوام لها، إذ ليس لها معضد من كتاب أو سنة، فهي كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ؟
مثلا لو سألت الحنفي: لم اخترت مذهب الحنفية دون غيره ؟
ولم اخترت أبا حنيفة إماما " لنفسك بعد ألف عام من موته، ولم تختر المالكي أو الشافعي، أو أحمد بن حنبل مع بعض مزاياهم التي يذكرونها ؟ فلم يجبك بجواب تطمئن إليه النفس.
والسر في ذلك إن كل واحد منهم لم يكن نبي، أو وصي نبي وما كان يوحى إليهم، ولم يكونوا ملهمين، بل إنهم كسائر من ينتسب إلى العلم، وأمثالهم كثير وكثير من العلماء.
ثم إنهم لم يكونوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وأكثرهم، أو كلهم، لم يدركوا النبي صلى الله عليه وآله، ولا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فاتخاذ مذهب واحد منهم، وجعله مذهبا " لنفسه، والالتزام به وبآرائه التي يمكن فيها الخطأ والسهو - وكل واحد منهم ذوي آراء متشتتة يخالف بعضها بعضا " - لا يقره العقل ولا البرهان، ولا تصدقه الفطرة السليمة، ولا الكتاب، لا السنة، ولا حجة لأحد على الله في يوم الحساب، بل لله الحجة البالغة عليها، حتى أنه لو سأل الله من التزم بأحد المذاهب الأربعة في يوم القيامة، بأي دليل أخذت بمذهب هذا ؟ لم يكن له جواب سوى قوله: (إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) (20) !
أو يقول: (إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا) (21) !
فبالله عليك يا فضيلة الشيخ، هل يكون لملتزمي أحد المذاهب الأربعة يوم القيامة أمام الله الواحد القاهر جوابا " ؟
فأطرق رأسه مليا "، ثم رفع رأسه، وقال: لا.
فقلت: هل يكون أحد معذورا " بذلك الجواب ؟ أجابني: كلا.
ثم قلت: وأما نحن المتمسكين بولاء العترة الطاهرة - آل بيت رسول صلى الله عليه وآله - العاملين بالفقه الجعفري، فنقول في يوم الحساب عند وقوفنا أمام الله العزيز الجبار:
ربنا إنك أمرتنا بذلك، لأنك قلت في كتابك: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (22).
وقال نبيك محمد صلى الله عليه وآله باتفاق المسلمين: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (23).
وقال صلى الله عليه وآله: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق) (24).
ولا ريب لأحد أن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام من العترة الطاهرة، وعلمه علم أبيه، وعلم أبيه علم جده رسول الله صلى الله عليه وآله وعلم رسول الله من علم الله، هذا مضافا " إلى أن الإمام الصادق عليه السلام قد اتفق جميع المسلمين على صدقه ووثاقته، وهناك طائفة كبيرة من المسلمين من يقول بعصمته وإمامته، وأنه الوصي السادس لرسول الله صلى الله عليه وآله وأنه حجة الله على البرية، وأن الإمام الصادق عليه السلام كان يروي عن آبائه الطيبين الطاهرين، ولا يفتي برأيه، ولا يقول بما يستحسنه، فحديثه حديث أبيه وجده (25)، إذ أنهم منابع العلم والحكمة، ومعادن الوحي والتنزيل، فمذهب الإمام الصادق عليه السلام هو مذهب أبيه وجده المأخوذ عن الوحي، لا يحيد عنه قيد شعرة، لا بالاجتهاد كغيره ممن اجتهد.
فالآخذ بمذهب جعفر بن محمد عليه السلام ومذهب أجداده، آخذ بالصواب، ومتمسك بالكتاب والسنة، وبعد أن أوردت عليه ما سمعت من الأدلة أكبرني، وفخم مقامي، وشكرني، فأجبته: إن الشيعة لا يطعنون على الصحابة جميعا "، بل إن الشيعة يعطون لكل منهم حقه، لأن فيهم العدل وغير العدل، وفيهم العالم والجاهل، وفيهم الأخيار والأشرار، وهكذا، ألا ترى ما أحدثوه يوم السقيفة ؟
تركوا نبيهم مسجى على فراشه، وأخذوا يتراكضون على الخلافة، كل يراها لنفسه، كأنها سلعة ينالها من سبق إليها مع ما رأوا بأعينهم، وسمعوا بآذانهم من النصوص الثابتة الصارخة عن الرسول صلى الله عليه وآله من اليوم الذي أعلن فيه الدعوة إلى اليوم الذي احتضر فيه مع أن القيام بتجهيز الرسول صلى الله عليه وآله أهم من أمر الخلافة على فرض أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوص، فكان الواجب عليهم أن يقوموا بشأن الرسول، وبعد الفراغ يعزون آله وأنفسهم لو كانوا ذوي إنصاف، فأين العدالة والوجدان ؟ !
وأين مكارم الأخلاق ؟ ! وأين الصدق والمحبة ؟ !
ومما يزيد في النفوس حزازة تهجمهم على بيت بضعته فاطمة الزهراء عليها السلام نحوا " من خمسين رجلا "، وجمعهم الحطب ليحرقوا الدار على من فيها حتى قال قائل لعمر:
إن فيها الحسن والحسين وفاطمة !
قال: وإن ! ! !
ذكر هذا الحادث كثير من مؤرخي السنة (26) فضلا " عن إجماع الشيعة، وقد علم البر والفاجر، وجميع من كتب في التأريخ أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
(فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن أغضبها فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله، ومن أغضب الله أكبه الله على منخريه في النار).
ووقائع الصحابة الدالة على عدم القول بعدالة الجميع كثيرة، راجع البخاري ومسلم فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث (الحوض) تعلم صحة ما ذهب إليه الشيعة، ومن نحا نحوهم من السنة، فأي ذنب لهم إذا قالوا بعدم عدالة كثير منهم ؟
وهم الذين دلوا على أنفسهم، وحرب الجمل وصفين أكبر دليل على إثبات مدعاهم، والقرآن الكريم كشف عن سواء أحوال كثير منهم، وكفانا سورة براءة دليلا ".
ونحن ما أتينا شيئا " إدا "، ألا ترى ما أحدثه الطاغية معاوية، وعمرو بن العاص، ومروان، وزياد، وابن زياد، ومغيرة بن شعبة، وعمر بن سعد الذي أبوه من العشرة المبشرة في الجنة على ما زعموا ! !
وطلحة، والزبير اللذان بايعا عليا "، ونقضا البيعة، وحاربا إمامهما مع عائشة في البصرة، وأحدثوا فيها من الجرائم التي لا يأتي بها ذو مروءة ! !
فليت شعري، هل كان وجود النبي صلى الله عليه وآله بينهم موجبا " لنفاق كثير منهم، ثم بعد لحوقه بالرفيق الأعلى - بأبي وأمي - صار كلهم عدولا " ؟ !
ونحن لم نسمع قط بأن نبيا " من الأنبياء أتى قومه، وصاروا كلهم عدولا "، بل الأمر في ذلك بالعكس، والكتاب والسنة بينتا ذلك، فماذا أنت قائل أيها الأخ المحترم ؟
فأجابني: حقا لقد أتيت بما فيه المقنع، فجزاك الله عني خيرا ".
ثم قلت: جاء في كتاب (الجوهرة في العقائد) للشيخ إبراهيم اللوقاني المالكي:
فتابع الصالح ممن سلفا * وجانب البدعة ممن خلفا
قال: نعم هكذا موجود.
قلت: أرشدني من هم السلف الذين يجب علينا اتباعهم ؟ ومن الخلف الذين يجب علينا مخالفتهم ؟
قال: السلف هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله.
قلت: إن الصحابة عارض بعضهم بعضا "، وجرى ما جرى بينهم مما لا يخفى على مثلكم.
فتوقف برهة، ثم قال: هم أصحاب القرون الثلاثة.
قلت له:
إذا أنت في جوابك هذا قضيت على المذاهب الأربعة، لأنهم خارجون عن القرون الثلاثة !
فتوقف أيضا "، ثم قال: ماذا تريد بهذا السؤال ؟ قلت: الأمر ظاهر، وهو يجب علينا أن نتبع الذين نص عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يكونوا قدوة للأمة.
قال: ومن هم ؟
قلت: علي بن أبي طالب، وبنيه: الحسن والحسين، وأبناء الحسين التسعة عليهم السلام، آخر هم المهدي عجل الله فرجه الشريف، قال:
والخلفاء الثلاثة ؟
قلت: الخلاف واقع فيهم، فالأمة لم تجتمع عليهم، وحدث منهم أعمال توجه عليهم النقد.
قال: عجبا " ! وهذا من رأي الشيعة ؟ قلت: وإن يكن، هل وقع في الصحابة ما ذكرت لكم أم لا ؟ قال: بلى.
قلت: إذا " يجب علينا أن نأخذ بمن اتفقت عليهم الأمة، وندع المختلف فيهم، فالشيعة وهم طائفة كبيرة من الإسلام، يكثر عددهم على مائة مليون، وهم منتشرون في الدنيا كما تقدم، وفيهم العلماء الأعاظم، والفقهاء الأكابر، والمحدثون الأفاضل...
فلم يعترفوا بخلافة الثلاثة، ولكن أهل السنة والجماعة اعترفوا بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام، فخلافة أمير المؤمنين مجمع عليه عند المسلمين عامة، وخلافة الثلاثة ليس بمجمع عليه.
والخلافة بعد أمير المؤمنين علي إلى ولده الحسن، ثم إلى الحسين، ثم إلى ولده الأئمة التسعة عليهم السلام، خاتمهم قائمهم عجل الله فرجه الشريف والنصوص في ذلك من كتبكم بكثرة (27)، وجاءت الروايات من طرقكم بفضل أهل البيت، وتقدمهم على غيرهم، وأهمها: العصمة.
قال: نحن لا نقول بالعصمة !
قلت: أعلم ذلك، ولكن الدليل قائم عند الشيعة على ما قلت، وسأقدم لك كتابا " يقنعك ويرضيك.
قال إذا ثبت لدي عصمتهم انحل الإشكال بيني وبينك.
فقدمت له الكتاب، وهو كتاب (الألفين) لأحد أعاظم مجتهدي الشيعة الإمام الأعظم (العلامة الحلي ره) فأخذ الكتاب يتصفحه في مجلسه، فأكبره، وأعجبه هذا السفر العظيم، ثم قال لي: هل تعلم أن فضيلتك أدخلت علي الريب في المذاهب الأربعة، وملت إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام ؟ لكن أريد منك تزويدي ببعض كتب الشيعة.
فقدمت جملة منها له، ومنها كتاب الإمام شرف الدين، ودلائل الصدق، والغدير، وأمثالهما، وأرشدته إلى سائر كتب الشيعة.
ثم ودعني وقام شاكرا " حامدا "، قاصدا " إلى محلة، وهو متزلزل العقيدة [بمذهبه] وذهب.
ثم بعد أيام أتتني رسالة شكر منه من الأزهر الشريف، وأخبرني فيها، بأنه قد اعتنق مذهب أهل البيت عليهم السلام وصار شيعيا "، ووعدني أن يكتب رسالة في أحقية مذهب الشيعة.
وهو اليوم - سلمة الله - لا يزال مشغولا " بتأليف هكذا كتاب على ما بلغني أيده الله والمسلمين جميعا " لخدمة الدين والمذهب، إنه سميع الدعاء.
مناظرة بيني وبين بعض الأعلام من أهل السنة والجماعة في شأن التربة الحسينية والتعازي وفي اليوم الرابع عشر من شهر محرم الحرام سنة 1374 ه‍ أتاني جماعة من علماء السنة، وبعضهم زملائي في الأزهر، حاملين علي حقدا " في صدورهم، لأخذي بمذهب أهل البيت، وتركي مذهب السنة.
ودار البحث بيننا طويلا "، يقرب حوالي عشر ساعات تقريبا "، وذلك في كثير من المسائل، ومنها:
انتقادهم على الشيعة بأنهم يسجدون على التربة الحسينية، فهم مشركون، وإجراؤهم التعازي على الإمام الحسين عليه السلام وهو بدعة ! !
فقلت لهم: كلاهما أمر محبوب، محبذ إليه من الشارع المقدس، أما قولكم: إن الشيعة يسجدون على التربة الحسينية، فهم مشركون ! هذا غير صحيح، لأن السجود على التربة لا يكون شركا "، لأن الشيعة تسجد على التربة لا لها، وإن كانت الشيعة تعتقد على حسب مدعاكم وزعمكم - على الفرض المحال - إن التربة هي أو في جوفها شئ يسجدون لأجله، فكان اللازم السجود لها لا السجود عليها، لأن الشخص لا يسجد على معبوده، لأن السجود يجب أن يكون للمعبود، وهو الله، يعني تكون الغاية من السجود والخضوع هو الله سبحانه، أما السجود على الله ! فهو كفر محض، فسجود الشيعة على التربة ليس شركا ".
فأجابني أحدهم، وهو أعلمهم قائلا: أحسنت يا فضيلة السيخ على هذا التحليل اللطيف، ولنا أن نسألك ما سبب إصرار الشيعة على السجود على التربة ؟ ولم لا تسجدون على سائر الأشياء كما تسجدون على التربة ؟
فأجبته: ذلك عملا " بالحديث المتفق عليه بإجماع جميع فرق المسلمين، وهو قوله صلى الله عليه وآله: (جعلت لي الأرض مسجدا " وطهورا ") (28).
فالتراب الخالص هو الذي يجوز السجود عليه باتفاق جميع طوائف على صحة السجود عليه.
فسألني: وكيف اتفق المسلمون عليه ؟ فأجبته: أول ما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة، وأمر ببناء مسجده فيها، هل كان المسجد مفروشا " بفرش ؟ فأجابني: كلا، لم يكن مفروشا ".
قلت: فعلى أي شئ كان يسجد النبي صلى الله عليه وآله والمسلمون ؟
أجابني: على أرض المسجد المفروشة بالتراب.
قلت: ومن بعد النبي صلى الله عليه وآله في زمن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأمير المؤمنين عليه السلام، هل كان المسجد مفروشا " بفرش ؟ فأجابني أيضا ": كلا ".
قلت: فعلى أي شئ كان المسلمون يسجدون في صلاتهم في المسجد ؟ أجابني: على أرض مفروشة بالتراب.
فقلت: إذن جميع صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله كانت على الأرض، وكان يسجد على التراب، وكذلك المسلمون في زمانه وبعده كانوا يسجدون على التراب، فالسجود على التراب صحيح قطعا "، ومعاشر الشيعة إذ تسجد على التراب تأسيا " برسول الله صلى الله عليه وآله فتكون صلاتهم صحيحة قطعا ".
فأورد علي بأن الشيعة لم لا تسجد على غير التربة التي يحملونها معهم من سائر مواضع الأرض، أو غيرها من التراب ؟ فأجبته:
أولا: إن الشيعة تجوز السجود على كل أرض، سواء في ذلك المتحجر منها، أو التراب.
ثانيا ": حيث إنه يشترط في محل السجود: الطهارة من النجاسة، فلا يجوز السجود على أرض نجسة، أو التراب غير طاهر، لذلك يحملون معهم قطعة من الطين الجاف الطاهر، تفصيا " على السجود على ما لا يعلم طهارته من من نجاسته، مع العلم إنهم يجوزون السجود على تراب، أو أرض لا يعلم بنجاستها.
فأورد علي: إن كانت الشيعة يريدون بذلك السجود على التراب الطاهر الخالص، فلم لا يحملون معهم ترابا " يسجدون عليه ؟ فأجبته:
حيث إن حمل التراب يوجب وسخ الثياب، لأنه أينما وضع من الثوب، فلا بد أن يوسخه، لذلك تمزجه بشئ من الماء، ثم تدعه ليجف حتى لا يوجب حمله وسخ الثوب.
ثم إن السجود على قطعة من الطين الجاف أكثر دلالة على الخضوع والتواضع لله، فإن السجود هو غاية الخضوع، ولذا لا يجوز السجود لغير الله سبحانه، فإذا كان الهدف من السجود هو الخضوع لله، فكلما كان مظهر السجود أكثر في الخضوع، لا شك إنه يكون أحسن، ومن أجل ذلك استحب أن يكون موضع السجود أخفض من موضوع اليدين والرجلين، لأن ذلك أكثر دلالة على الخضوع لله تعالى.
وكذلك يستحب أن يعفر الأنف بالتراب في حال السجدة لأن ذلك أشد دلالة على التواضع والخضوع لله تعالى، ولذلك فالسجود على الأرض، أو على قطعة من الطين الجاف، أحسن من السجود على غيرهما مما يجوز السجود عليه لأن في ذلك وضع أشرف مواضع الجسد - وهو الجبهة - على الأرض خضوعا " لله تعالى وتصاغرا " أمام عظمته.
أما أن يضع الإنسان - في حال السجدة - جبهة على سجاد ثمين، أو على معادن كالذهب والفضة وأمثالهما، أو على ثوب غالي القيمة فذلك مما يقلل من الخضوع والتواضع، وربما أدى إلى عدم التصاغر أمام الله العظيم.
إذن، فهل يمكن أن يعتبر السجود على ما يزيد من تواضع الإنسان أمام ربه شركا " وكفرا "، والسجود على ما يذهب بالخضوع لله تعالى تقربا " من الله ؟ ! إن ذلك إلا قول زور.
ثم سألني: فما هذه الكلمات المكتوبة على التربة التي تسجد الشيعة عليها ؟
أولا: إنه ليس جميع أقسام التربة مكتوبا " عليها شئ، فإن هناك كثيرا " من التربات ليس عليها حرف واحد.
وثانيا ": المكتوب على بعضها (سبحان ربي الأعلى وبحمده) رمزا " لذكر السجود، وعلى بعضها إن هذه التربة متخذة من تراب أرض كربلاء المقدسة، بالله عليك أسأل من فضيلتك: هل في ذلك بأس ؟
وهل يعد ذلك شركا " ؟ أو هل ذلك يخرج التربة عن كونها ترابا " جائز السجود عليه ؟ فأجابني: كلا.
ثم سألني: ما هذه الخصوصية في تربة أرض كربلاء، حيث إن أكثر الشيعة مقيدون بالسجود عليها، مهمها أمكن ؟
قلت: السر في ذلك أنه ورد في الحديث الشريف (السجود على التربة الحسينية يخرق السماوات السبع... الخ (29) يعني إن السجود عليها يوجب قبول الصلاة، وصعودها إلى السماء، وما ذلك إلا لإدراك أفضلية ليست في تربة غير [تربة] كربلاء المقدسة.
فأورد علي: هل السجود على تربة الحسين تجعل الصلاة مقبولة عند الله تعالى، ولو كانت الصلاة باطلة ؟
فأجبته: إن الشيعة تقول بأن الصلاة الفاقدة لشرط من شرائط قد تكون مقبولة عند الله تعالى، وقد تكون غير مقبولة - أي لا يثاب عليها - فإذا كانت الصلاة الصحيحة على تربة الحسين عليه السلام قبلت ويثاب عليها - فالصحة شئ، والقبول شئ آخر.
فسألني: وهل أرض كربلاء المقدسة أشرف من جميع بقاع الأرض حتى من أرض مكة المعظمة، والمدينة المنورة حتى يكون السجود عليها أفضل ؟
فقلت: وما المانع من ذلك ؟ قال: إن تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم عليه السلام إلى الأرض كعبة، وأرض المدينة المنورة التي تحتضن جسد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله تكونان في المنزلة دون منزلة كربلاء ؟ قال:
هذا أمر غريب ! وهل الحسين بن علي أفضل من جده الرسول صلى الله عليه وآله ؟
قلت: كلا، إن عظمة الحسين من عظمة الرسول صلى الله عليه وآله وشرف الحسين من شرف الرسول، ومكانة الحسين عند الله تعالى إنما هي لأجل أنه إمام سار على دين جده الرسول صلى الله عليه وآله حتى استشهد في ذلك، لا، ليست منزلة الحسين إلا جزءا " من منزلة الرسول صلى الله عليه وآله، ولكن حيث أن الحسين عليه السلام قتل هو وأهل بيته وأنصاره في سبيل إقامة الإسلام، وإرساء قواعده، وحفظها عن تلاعب متبعي الشهوات، عوضه الله تعالى باستشهاده ثلاثة أمور:
1 - إستجابة الدعاء تحت قبته.
2 - الأئمة من ذريته.
3 - الشفاء في تربته.
فعظم الله تعالى تربته لأنه قتل في سبيل الله أفجع قتلة، وقتل معه أولاده، وإخوته، وأصحابه، وسبي حريمه، وغير ذلك من المصائب التي نزلت به من أجل الدين، فهل في ذلك مانع ؟
أم هل في تفصيل تربة كربلاء على سائر بقاع الأرض حتى على أرض المدينة معناه أن الحسين عليه السلام أفضل من جده الرسول صلى الله عليه وآله ؟
بل الأمر بالعكس، فتعظيم تربة الحسين تعظيم للحسين عليه السلام، وتعظيم الحسين عليه السلام تعظيم لله ولجده رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقام أحدهم عن مجلسه، وعليه آثار البشاشة والسرور، فحمدني كثيرا "، وطلب مني بعض مؤلفات الشيعة بعد أن قال:
مولاي ! إفاداتك هذه صحيحة، وإني كنت أتخيل أن الشيعة يفضلون الحسين حتى على جده رسول الله صلى الله عليه وآله، والآن عرفت الحقيقة، وأشكرك على هذه المناظرة اللطيفة، والإلفاتات الطيبة التي زودتنا بها، وسوف أحمل معي أبدا " قطعة من أرض كربلاء المقدسة لأسجد عليها أينما صليت، كما أني سأدع السجود على غير التراب، ومخصوصا " التربة الحسينية (30).
ثم قلت: وأما قولك إجراء الشيعة التعازي على الإمام الحسين عليه السلام هو بدعة ! فهذا كلام باطل فاسد، ولا أدري لماذا تنقمون على الشيعة بإقامتهم التعازي على شهيد الحق والإنسانية، الإمام ابن الإمام، حفيد الرسول صلى الله عليه وآله، وسلالة الزهراء البتول، سيد الشهداء، الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام في مصابه العظيم الذي زلزلت له أظلة العرش مع أظلة الخلائق، والحادثة المروعة التي لم يسبقها في العالم الإسلامي، ولا في غيره سابق، ولا يلحقها لاحق إذ أنه جلل عم خطبه العظيم جميع الأمة الإسلامية حتى الجن والطير والوحش، راجع كتب (المقاتل) تعرف.
وبعضكم يعترق على الشيعة بأن الحسين عليه السلام قتل منذ زمن بعيد يربو على 13 قرنا " فأي فائدة في البكاء عليه، واللطم على الصدور، والضرب بالسلاسل بحيث يسيل الدم ! فاعلموا إن عمل الشيعة هذا هو عين الصواب، أولا ": لو أنهم لم يستمروا على إقامة ذكرى سيد الشهداء لأنكرتموه كما أنكرتم يوم الغدير وحديثه المشهور المعترف به المؤلف والمخالف، فرواه أكثر من مائة وثمانين صحابيا "، فيهم البدري وغير البدري، ومن التابعين أكثر فأكثر، فالشيعة لم يأتوا بشئ إدا ".
ثانيا ": الشيعة اقتفوا أثر أئمتهم في ذكرى (أبي عبد الله الحسين) عليه السلام، فلو وقفتم على كتب الشيعة، لما أوردتم علينا نقدا "، وألفت نظر كم إلى كتاب (مقدمة المجالس الفاخرة) للإمام شرف الدين و (إقناع اللائم على إقامة المآتم) للإمام السيد محسن الأمين العاملي رحمهما الله، ففيهما من الحجج ما يقنع الجميع، وانظروا أيضا " إلى ص 576 من (مصابيح الجنان) للحجة السيد الكاشاني إذ قال فيه: ينبغي للمسلمين إذا دخل شهر المحرم أن يستشعروا الحزن والكآبة، وأن يعقدوا المجالس والمآتم لذكرى ما جرى على سيد الشهداء، وأهل بيته، والصفوة من أصحابه من الظلم والعدوان، وهو أمر مندوب إليه، ومرغب فيه على أن في ذلك تعظيما " لشعائر الله تعالى، وامتثالا " لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله واقتداء بالأئمة المعصومين، ويدل عليه ما ورد عن الرضا عليه السلام - وهو الإمام الثامن من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله - أنه قال: كان أبي - وهو الإمام الكاظم الإمام السابع من أوصياء الرسول صلى الله عليه وآله - إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا "، وكانت كآبته تغلب عليه... الحديث (31) ويستفاد منه رجحان كل ما له دخل في الحزن والكآبة من غير أن يشتمل على فعل محرم ثم قال: ويستحب البكاء، وإجراء التعازي على سيد الشهداء، وإسالة الدموع عليه لا سيما في العشر الأول من المحرم، فإن، البكاء عليه من الأمور الحسنة المندوبة، ومن موجبات السعادة الأبدية، والزلفى إلى المهيمن سبحانه، ويكفي في رجحانه الأحاديث المعتبرة المروية عن الحجج الطاهرة، وهي كثيرة جدا " نحيلك على مظانها.
إلى أن قال: وأما الذين يعيبون الشيعة بذلك، فلا يعبأ بقولهم، إذ أنهم حائدون عن جادة الإنصاف، وقاسطون عن طريق الصواب، مع هذه النصوص الكثيرة المتواترة الواردة عن الأئمة السلف، خاصة عن أئمة العترة الطاهرة من أهل البيت عليهم السلام وهم أحد الثقلين الذين لا يضل المتمسك، بهما على أن في ذلك من المواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله ووصية أمير المؤمنين وابنته الصديقة فاطمة الزهراء.
وقد اتفقت الطوائف الإسلامية على اختلاف مذاهبها على جواز التفجع لفقد الأحبة والعظماء، جرت عليها سيرتهم العملية وإجماعهم، وكان عليه السلف، تشهد بذلك الموسوعات الضخمة المشحونة بأقوالهم وأفعالهم، سواء في ذلك الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وغيرهم من سائر المسلمين، فمن راجع كتبهم يجد نصوصهم في هذا المورد بكثرة مدهشة.
فنحن إذ نجد الأدلة النقلية والعقلية متوفرة، نجدد ذكرى مصاب سيد الشهداء، وريحانة الرسول: الإمام الحسين عليه السلام غير مكترثين بالتقولات الشاذة التي لا وزن لها، راجين بذلك من الله الثواب، ومن رسوله الشفاعة يوم الحساب.
انتهى ما جاء في مصابيح الجنان للكاشاني.
ثم أيها الإخوان إن الشيعة مقتدون بسلفهم الصالح إذ جاء في حديث معتبر مأثور أن عليا " زين العابدين بن الحسين عليه السلام لما عاد من أسره هو ومن معه من أسارى أهل البيت عليه السلام من دمشق، جعلوا طريقهم على العراق، ولما وصلوا كربلاء أخذ هو ومن معه في البكاء يندبون الحسين عليه السلام.
فأي بأس على الشيعة في أمثال هذه الأعمال المقدسة المحبوبة عند الله ورسوله والصفوة من آله ؟
لكن البأس كل البأس، والنقد الشديد موجه عليكم، وهو إنكم أخذتم ببدعة يزيد بن معاوية الطليق ابن الطليق، إذ أنه جعل في كل سنة في العشر الأول من المحرم عيدا " يقيم فيه الأفراح، وينصب الزينة، وتقام المهرجانات، ويسميه عيد النصر والفوز ! !
وأشفعه ببدعة أخرى تدل على خسته ودناءته ! فإنه قد أتى بمومسة تشبه في صفتها جدته (هند بنت عتبة) فيجمع الأخساء من بني شجرته الملعونة، ويأتي بآلة الطرب والخمر، وكل ما يلزمه من الأشياء، وتعزف الموسيقى، وتقوم تلك المرأة ذات العهر والفجور للرقص...
فأي الفريقين أحق بالأمن يا مسلمون ؟ !
فدعوا الشيعة وشأنهم، فإنهم هم الفرقة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وآله من الثلاث والسبعين فرقة، لذلك اعتنقنا هذا المذهب الشريف، وتركنا المذهب السني.
ولما وصلت إلى هنا شكرني جميع من في المجلس، ثم قالوا:
كنا لا ندري أن مذهب الشيعة هكذا، بل كنا نسمع عنهم بأنهم ليسوا على حق، بل هم كفرة فجرة مشركون !
فقلت: لا، إنما هو كما أخبرتكم، وستعرفون مذهب الشيعة بعد وقوفكم على كتبها، والذنب ذنبكم في تقصيركم عن الوقوف على مؤلفات الشيعة، ولماذا ؟
ثم إني أبين أن هذه التهم الموجهة إلى الشيعة الأبرار تبعة رسول الله صلى الله عليه وآله وخدنه أمير المؤمنين علي وذريته العترة الطاهرة عليهم السلام ليس لها واقع، وإنما هي أكذوبات بحتة اختلفها عليهم الآثمون من أعداء المسلمين المسمين أنفسهم بالمسلمين، فعليكم أن تتحروا الحقيقة دائما "، ولا تعتنوا بكل ما تسمعون ضد الشيعة دون أن تبحثوا عن واقعه وحقيقته، وهذا ما أرجوه منكم.
ثم قاموا وودعوني جميعهم، وذهب كل منهم إلى محله بعد أن جاءوا غضابا "، فرجعوا فرحين مسرورين، وأخيرا " بلغني من بعض من أثق به أن بعضهم اعتنق المذهب الشريف، مذهب أهل البيت، والحمد لله على هذه النعمة الكبرى، وهي ولاية أهل البيت عليهم السلام.
حادثة الإفتراء وفي اليوم الخامس من شهر ربيع الأول عام 1373 ه‍ - بينما أنا في مكتبتي الواقعة في منزلي، في مدينة حلب الشهباء، فإذا بشخصين قد استأذنا علي، فأذنت لهما، فدخلا علي، وبعد السلام والترحيب وبعد أن استقر بهما الجلوس، رأيت عليهما أثر الكآبة، فقلت: ما شأنكما ؟
فقال أحدهما للآخر: قص على فضيلة الشيخ.
فقال أحدهما: لا يخفى على فضيلتكم أنا تلميذ في الجامعة، وقد أخذت بمذهب أهل البيت منذ سنتين، وذلك عند وقوفي على كتب الشيعة ومؤلفاتهم، خصوصا " كتاب (المراجعات) للإمام الفقيد شرف الدين (ره).
ففي اليوم الماضي كنا نتلقى الدرس من الأستاذ في الجامعة، فأخذ يوجه المطاعن على الشيعة، ويكيل لهم الشتائم، ويوجه إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام نقدا "، تنكر على الشيعة بشدة، وحمل عليهم حملة شعواء لا هوادة فيها - وهو لا يعلم أنني شيعي - فمما قال: إن أحاديث الشيعة كلها كذب وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وآله !
ورمى الشيعة بالبهتان، فقال: إن الشيعة يجوزون الجمع بين تسع نسوة، ويستدلون بالآية الشريفة: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (32)
ويمسحون على الأرجل في الوضوء بعد الغسل، فصلاتهم باطلة !
ويتهمون عائشة بالزنا ! ويتطاولون على الصحابة جرأة منهم على الله ورسوله !
فأخذتني الدهشة، وأزعجني جدا " هذا النبأ المؤلم، وقلت: يا سبحان الله ! ما هذا التعصب الأعمى من القوم (السنة) ولماذا يوجهون هذه الأكاذيب والافتراءات إلى الشيعة الأبرار، ويفضحون أنفسهم بها ؟ !
ثم أخذت بالرد على هذا الأستاذ الجاهل المعاند، وذلك على سبيل الإيجاز، كتبت: أيها الأستاذ المرشد المتصدي لتهذيب الجيل الجديد، أهكذا تهذب طلابك، وتعلمهم بالأكاذيب، وتغذيهم بسوء الأخلاق الداعية للتفرقة بين المسلمين ؟ ! بلغني أنك في اليوم الماضي في الجامعة - تعرضت في أثناء محاضراتك على طلبتك - على الشيعة الأبرار تبعة رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه من بعده علي أمير المؤمنين عليه السلام ! وذلك جهلا " منك بالمذهب الشيعي الإمامي الشريف، فقلت:
إن أحاديث الشيعة كلها كذب، وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وآله، ورميت الشيعة بالبهتان، فقلت: إن الشيع يجوزون الجميع بين تسع نسوة ! ويستدلون بالآية (فانكحوا ما طاب) الخ ويمسحون على الأرجل في الوضوء بدل الغسل فصلاتهم باطلة ! ويتهمون عائشة بالزنا ! ويتطاولون على الصحابة جرأة منهم على الله ورسوله !
فالعجب كل العجب منك أيها الأستاذ، وأنت تدعي أنك المهذب المرشد فما هذا التحامل الأعمى، والتطاول الشنيع على مائة مليون مسلم من أتباع رسول الله وأهل البيت عليه السلام ؟ !
فماذا عذرك عند ربك يوم تلقاه، وتبلغ القلوب الحناجر ؟ ولماذا اغتبت واتهمت المسلمين بالأكاذيب ؟ ولم فضحت نفسك بخرافاتك هذه ؟
فإن العصر عصر نور، والكل يعلم بأنك كذبت وافتريت، فإليك الجواب عن فريتك على سبيل الاختصار.
أما قولك إن أحاديث الشيعة كلها كذب على رسول الله، لا يا أستاذ، ليس الأمر كما تزعم، بل الأمر بالعكس، فإن الشيعة أخذوا العلم واستقوه من نمير صاف زلال عن النبي صلى الله عليه وآله وعترته أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين طهرهم الله من الرجس تطهيرا "، ليس في مذهبهم دخيل، فكلما عبتم به عليهم، فهو فيكم، فإن رواتكم حالهم معلوم لدى الجميع كأبي هريرة، و (سمرة بن جندب) و (عمران بن حطان) رئيس الخوارج، و (عمرو بن العاص) (33) و (مروان) (34) و (المغيرة بن شعبة) وغير هؤلاء من الكذابين.
راجع كتاب (الغدير) للإمام الحجة المجاهد الشيخ (الأميني) العظيم، فإنه عرف الأمة عن أحوال هؤلاء الوضاعين.
وأما قولك: إن الشيعة يجوزون نكاح تسعة نسوة عملا " بظاهر الآية، فالجواب: إن الشيعة أجل قدرا "، وأرفع مقاما " من أن يسفوا بعقولهم المنيرة إلى هذه الخرافة، فيعملون بحكم الآية الكريمة التي أباحت للأمة الإسلامية الزواج بأربعة من النساء عند الاستطاعة بالقيام بالعدل بين الزوجات، فإن لم يستطع فلا يجوز له أن يتزوج باثنين، وهكذا إلى الرابعة.
ومعنى الآية: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى أي اثنين، أو ثلاث أي ثلاثة، أو رباع أي أربعة، فلا يحل له أن يتزوج بالخامسة إلا إذا ماتت إحداهن أو طلق، وذلك بعد انقضاء عدتها، هذا ما عليه إجماع الشيعة.
وأما قولك: بأنهم يمسحون على الأرجل في الوضوء فصحيح، وهو الواجب الذي أراده الله من عباده المكلفين، وعمل به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والأئمة من عترته عليهم السلام وعلى ذلك جرى الشيعة الإمامية من يومهم إلى اليوم، ثم إلى يوم يبعثون، لا يحيدون عن أئمتهم عليهم السلام وعملا " بالكتاب المقدس الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (35).
فآية الوضوء محكمة، والمحكم لا يكون فيه خلاف أبدا "، إلا من كان في قلبه علمان يخالف أحدهما الآخر، لأن حكم الله المنزل لا خلاف فيه، وإنما أحدث الخلاف من أخذ عن كل من دب ودرج، كحاطب ليل.
والشيعة استقوا علومهم من بحور علوم آل بيت العصمة، من نمير صاف زلال، وما جاء مخالفا " لأقوال الأئمة يضربون به عرض الجدار، كائنا " من كان قائله، انظروا إلى قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (36).
يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين آمرا " لهم أنهم حينما يقومون لأداء فريضة الصلاة، أن يتطهروا على الكيفية التي قصها عليهم، فقال:
(فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) فالآية ناصة بصراحة بغسل عضوين، وهما: الوجه، واليدان، ومسح عضوين، وهما الرأس والرجلان، وهي جملتان كل منهما على حدة، لا علاقة لها بالأخرى.
الإعراب: (اغسلوا) فعل وفاعل. (وجوهكم) مفعول ومضاف إليه، والميم علامة الجمع (وأيديكم) عطف على الوجوه، (وامسحوا) فعل أمر وفاعل على نسق ما تقدم، و (برؤوسكم) الباء حرف جر، ورؤوس مجرور بها ومضاف أيضا "، والكاف مضاف إليه، والميم علامة الجمع، والأرجل معطوفة على الرؤوس.
فإن قرئ بالجر فيكون معطوفا " على اللفظ، أو بالنصب فعلى المحل إذ أنه لو رفعت الباء لقرئ بالنصب ليس إلا.
قال الشيخ إبراهيم الحلبي الحنفي صاحب (حلبي كبير) (37) أثناء تفسيره لهذا الآية ما هذا لفظه:
قرئ في السبعة بالنصب والجر، والمشهور أن النصب بالعطف على الوجوه، والجر على الجوار، قال: والصحيح أن الأرجل معطوفة على الرؤوس في القراءتين، ونصبها على المحل، وجرها على اللفظ.
قال: وذلك لامتناع العطف على المنصوب، للفصل بين العاطف والمعطوف [عليه] بجملة أجنبية [هي (وامسحوا برؤوسكم)]
والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد، فضلا " عن الجملة.
قال: ولم يسمع في الفصيح، نحو: ضربت زيدا "، ومررت بعمرو وبكرا "، بعطف على (زيدا ").
قال: وأما الجر على الجواز، فإنما يكون على قلة في النعت، كقول بعضهم: هذا جحر ضب خرب، بجر خرب، أو في التأكيد، كقول الشاعر:
يا صاح ذوي الحاجات (38) كلهم * أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب
بجر (كلهم) على ما حكاه الفراء.
قال: وأما في عطف النسق، فلا يكون لأن العاطف يمنع المجاورة.
هذا كلامه، راجع ص 15 والتي بعدها من كتابه المشهور بحلبي كبير، والمتملي في شرح المصلي في الفقه الحنفي.
وإن شئت فراجع تفسير الرازي الكبير حول تفسير الآية، والطبري، والخازن وغيرها تجد صحة ما نقول، وكفى بذلك حجة على وجوب مسح الأرجل دون غسلها في الوضوء (39).
وروى ابن عباس (40) أن الوضوء غسلتان ومسحتان، وقال أيضا ": افترض الله الوضوء غسلتين ومسحتين، ألا ترى أنه ذكر التيمم، فجعل مكان الغسلتين مسحتين، وترك المسحتين.
وقال في مقام آخر: يأبى الناس إلا الغسل، ونجد في كتاب الله المسح (41).
وعن الشعبي (42) قال: أما جبريل، فقد نزل بالمسح على القدمين.
وعنه أيضا "، قال: نزل القرآن بالمسح على القدمين (43)، الحديث.
وعن ابن عباس أنه حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فمسح على رجليه.
وأخرج الطبراني عن عباده بن تميم، عن أبيه، قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضى ويمسح على رجليه (44).
أما ما روي عن سادة أهل البيت عليهم السلام في ذلك فأكثر من أن يحصى، فمن ذلك: ما رواه الحسين بن سعيد الأهوازي، عن فضالة، عن حماد بن عثمان، وعن غالب بن هذيل، قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام عن المسح على الرجلين، فقال، هو الذي نزل به جبرئيل (45).
وعن أحمد بن محمد، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن المسح على القدمين كيف هو ؟
فوضع بكفة على الأصابع، ثم مسحها إلى الكعبين (46).
والأخبار في هذا متواترة عن سائر الأئمة من العترة الطاهرة، فنصوص الثقلين صريحة بوجوب المسح على القدمين، وبها أخذ الإمامية من يوم وجوب الوضوء، ثم استمر الأمر عنهم وعن شيعتهم حتى اليوم.
فإذا جاء ما يعارض ذلك، ضرب به عرض الجدار، كائنا " من كان راويه ولو وثقوه (47).
فالشيعة لا يأخذون برواية الوضاعين، والطلقاء وأبناء الطلقاء، والمجاهيل كأبي هريرة، وسمرة بن جندب، وعمران بن حطان، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أمية، وعمرو بن العاص، ومعاوية، ومروان وغيرهم ممن لا يوثق بهم لسوء سمعتهم، ولا تغتر بدعاية عدالة الصحابة من أولهم إلى آخرهم، فإن كلهم ليسوا بعدول كما تقدم.
فإن رجعت إلى كتب الشيعة الأبرار متأملا " منصفا "، وجردت نفسك عن العصبية العمياء والطائفية، لعرفت أن الشيعة سلكوا سبيلا " مستقيما " لا عوج فيه ولا اعوجاج.
لهذا كثرت المطاعن عليهم من أهل الأغراض، المتكالبين على الدنيا.
وأما الأخبار الواردة في الغسل، فلا تخلو، إما أن تكون مفتراة وإما متوهم بها، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوضأ ويمسح، ثم يصب الماء على قدميه تبردا "، ولم يثبت أنه غسل قدميه في الوضوء أبدا " طلية حياته.
ونحن إذا أقمنا الحجة على خصومنا، أخذوا يتعللون بالنظافة مرة وبالإسراف أخرى، أو بالعموم والخصوص، فيقولون:
كل غسل مسح ولا عكس !
وهي حجج واهية، أوهن من بيت العنكبوت.
فهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأمر الناس بالمسح على الأرجل القذرة النجسة ؟ !
نعوذ بالله من الجهل، أو كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا علم له بالعموم والخصوص، حتى أتانا قوم بعد ثلاثة قرون، فذهبوا مذاهب تضاربت فيها الأقوال، فيرشدون الأمة إلى أن النبي كان مخطئا " - نعوذ بالله - أو أنه ترك الدين ناقصا " فأكملوه، أو زاد فيه شيئا " فأصلحوه ؟ ! نعوذ بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأما حديث (ويل للأعقاب من النار) فإن صح - وهو لا يصح فهو حجة عليهم لا لهم، حيث يقول: (ويل للأعقاب من النار) ولم يقل: (ويل لم يغسل) فقد أرشدهم إلى أن المسح لا يجوز مع نجاسة الأرجل.
ولنا نسأل الراوي لهذا الحديث - وهو عبد الله بن عمرو بن العاص المعروف حاله، وحال أبيه - فنقول له:
من أين عرفت المسح لو لم يكن له سبق ؟ لأنه يروي هكذا:
وغزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فسبقناه، فأرهقتنا صلاة العصر، فأخذنا نتوضأ ونمسح، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: (ويل للأعقاب من النار) ثلاثا ".
فالرواية ظاهر عليها الوضع من وجوه:
الأول:
إن النبي صلى الله عليه وآله كان جانب عظيم من حسن الخلق، إذ قد وصفه الله سبحانه بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) (48) ولم يكن فظا " غليظا "، فكيف يتوعدهم بالنار، ولم يكن لهم علم بالنسخ، حيث قالوا:
إنه قد نزل عليه جبريل بالغسل ؟ !
وهذا القول غير سديد لأنه حديث رواه واحد، وحديث الآحاد لا ينسخ القرآن، ولا سيما المحكم منه كآية الوضوء.
الوجه الثاني:
إن الراوي أتى بما سمعت أنه غزا مع الرسول، وأخرى أنه سافر مع الرسول، من مكة إلى المدينة، وروى الحديث !
وهذا دليل على أن الرواية مفتعلة.
الوجه الثالث:
هو إجماع الفرقة على المسح، وكثير من علماء السنة قد وافقوا على أن القرآن نزل بالمسح، فلا تترك العمل بالقرآن، وعمل أهل البيت لحديث مشكوك فيه، بل موضوع (49).
فهل فيما قدمناه لك أيها الأستاذ المرشد مقنع ؟
وتسمح لنا أن نسألك:
هل أنت من المصلين أم من التاركين ؟ والثاني هو الغالب على الظن !
وهل تعرف مذهبك الذي تؤدي العبادة به إن كنت من أهلها أم تجهل ؟
وهل تعرف الأحاديث الصحيح منها والمكذوب ؟
وهل عندك علم الناسخ والمنسوخ ؟
وأما قولك في عائشة: إنهم يتهمونها بالزنا !
فهذه التهمة منكم لا من الشيعة، فالشيعة لا يتهمونها بالزنا حتى يبرؤونها، وهاك كتب الشيعة، ففي أي كتاب من كتب الشيعة رأيت ذلك ؟ ومن أي عالم من علمائها سمعت ! سبحانك اللهم ! هذا وغيره بهتان عظيم على الشيعة الأبرار.
وأما قولك: إن الشيعة يتطاولون على الصحابة جرأة منهم على الله ورسوله ! فهذا قول زور، فإن الشيعة أعطوا الصحابة كل ذي حق حقه، إذ فيهم العالم والجاهل، والعدل وغير العدل، كما أخبر الله تعالى عنهم: وفيهم المنافقون (50).
ثم أيها الأستاذ إن كنت عالما " بتاريخ الشيعة والتشيع، فما هذه الأكاذيب التي صدرت عنك، وعن أمثالك، ممن ليس لهم المروءة والإنصاف ؟
وإن كنت جاهلا " في ذلك كله، فكيف تقدم على الطعن في فرقة مؤمنة تدين الله بمذهب أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وفيهم العلماء الأعلام، والفقهاء العظام، والحكماء والفلاسفة، وقد ملأوا أرض الله الواسعة علما وعملا " ؟ ولكن نقول: ليس للكذوب حافظة.
وفي الختام أقدم لك نصيحة خالصة أيها الأستاذ سامحك الله، اتق الله في نفسك، وكف عن الخوض في أعراض المسلمين، ودع كلا منهم يعمل بما يدين الله به من المذاهب، وحسابهم على الله، ونحن في عصر عصيب، وخطب جلل، وإننا لفي أشد الحاجة إلى التماسك والتكاتف، كما قد سكتنا عن كثير من المشاغبين الذين لا يعرفون عن العلم والتاريخ شيئا "، ولا يدينون الله أبدا "، وليس له ضمير حر ومرؤة وإنصاف، وهم الذين وجهوا إلينا المطاعن والأكاذيب والتهم، وسكوتنا كان حرصا " منا على حفظ بيضة الإسلام، والسلام على من اتبع الهدى.
محمد مرعي الأمين الأنطاكي المعتنق مذهب أهل البيت عليهم السلام حلب - سورية 25 / ربيع الثاني / 1379 ه‍ وقد أعطيت الرسالة إلى الشخصين المذكورين، وقلت لهما:
أوصلاها إلى الأستاذ. فذهبا.
وفي اليوم السابع والعشرين من ربيع الثاني، زارني الأستاذ المذكور في بيتي حجلا "، منفعلا " عما صدر عنه، واعتذر عن عدم اطلاعه وعلمه بالمذهب، وطلب مني بعض مؤلفات الشيعة، وذلك بعد مناظرات طويلة جرت بيننا، فأعطيته مؤلفات الإمام شرف الدين (ره) فاستسمح منا وودعنا، وذهب إلى محله، وبعد أسبوع أتانا ثانيا " حامدا " شاكرا " لنا، وأعملنا عن أخذه بمذهب آل البيت عليهم السلام.
ثم قال: لا يخفى على سماحتكم أنني أخفي أمري وأكتم مذهبي مذهب العترة الطاهرة، ولم أعلن التشيع، وذلك لأمر ما إلا أنني أقوم بالدعوة والإرشاد حسب ما يرضي الله ورسوله والعترة الطاهرة، وقد أهديته قرآنا " خطيا " ثمينا ".
تنبيه إنما لم نأت على أسماء المناظرين معنا لأمر ما، كما هو معلوم لدى ذوي الألباب، والله العالم بحقائق الأحوال.


____________
1- قال المؤلف: استبصر سلمة الله تعالى أيضا "، وأخذ بالمذهب الحق، المذهب الجعفري، وإنما لم نصرح باسمه لأمر ما، والله العالم.
2- قال المؤلف: وهو الذي شهر المذهب، إذ سنحت له الفرصة يوم تكالبت الدولتان (الأموية والعباسية) على الدنيا، فنهض الإمام الصادق عليه السلام ونشر المذهب حتى كان ما يربو عنده على الأربعة آلاف طالب كلهم ملأ دلوه إلى غربه، فكان كل واحد منهم جدلي لا يمارى، ولا يجارى، لا يدركه الباطل ولا يفوته الحق، وعلى الأقل كان أحدهم يحفظ ستين أو سبعين ألفا " من الحديث، أو أكثر، كهشام بن الحكم، وزرارة، وأبي بصير، وجابر بن حيان، وغيرهم.
وأما أبو حنيفة، وإن كان قد أخذ عن الصادق عليه السلام سنتين كما يدعي هو لكنه انحرف أخيرا "، وألف لنفسه مذهبا " خاصا "، خالف فيه بكثير أستاذه الصادق عليه السلام، وكان بينهما بونا " شاسعا "، وقد غضب عليه الإمام جعفر عليه السلام، ودعا عليه لارتكابه ما لا يرضي الله.
فانصف بربك أيها المسلم واحكم بعدل وإخلاص، ودع العصبية، فإنك سوف تلاقي ربك، أمثل هذا يكون رئيسا " للمذهب ؟ !
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وإن شئت أن تعرف حال أبي حنيفة، فراجع أي كتاب من كتب التواريخ خصوصا " تاريخ بغداد للخطيب البغدادي المجلد الثالث عشر ص 181.
3- قال المؤلف: وقد تقدم القول في تفصيل هذه الآية الكريمة، وأنها نزلت في علي عليه السلام في ص 80.
4- يعني يأمره بالهجرة.
5- فإنفاق أبي بكر - على ما يدعيه الخصم - وعدمه سواء بسواء أمام هذا الحديث المشهور، إذ لا أثر له في سير الرسالة المباركة، لا بل هو لا يعد بشئ إذا قيس بسيف علي عليه السلام ناهيك عن بيتوتة علي عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وبذله مهجته وروحه وفاء له صلى الله عليه وآله والجود بالنفس أقصى غاية الجود، فتدبر، وانصف.
6- { تقدم في ص 193 فراجع }.
7- { تقدم في ص 143 فراجع }.
8- { تقدم في ص 203 }.
9- { تقدم في ص 225 }.
10- { تقدم في ص 232 }.
11- { تقدم في ص 233 }.
12- { تقدم في ص 245 }.
13- تقدم الحديث ص 193.
14- قال تعالى في سورة آل عمران: 144: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا " وسيجزي الله الشاكرين)
15 - قال ابن الأثير في النهاية: 5 / 274: في حديث الحوض: (فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم) الهمل: ضوال الإبل، واحدها هامل أي إن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة.
16- راجع شرح النهج لابن أبي الحديد: 9 / 286 (منشورات مكتبة المرعشي).
17- راجع شرح النهج لابن أبي الحديد: 13 / 242.
18- قال المؤلف: كحديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها).
19- راجع ص 36.
20- إشارة إلى قوله تعالى في سورة الزخرف: 23.
21- إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب: 67.
22- سورة الحشر: 7.
23- تقدم الحديث بمصادره ص 203.
24- تقدم الحديث بمصادره ص 232.
25- روى الكليني في الكافي: 1 / 53 ح 14 بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال:
حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث لحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله قول الله عز وجل.
26- قال المؤلف: أنظر في الإمامية والسياسة، والرياض النضرة، ومروج الذهب، وأنساب الأشراف، والإمام علي عليه السلام لعبد الفتاح عبد المقصود، وشرح النهج لابن أبي الحديد، وغيرها من مصادر القوم، تجد أنهم ذكروا هذه الحادثة المؤلمة. أما الشيعة فبرمتهم ذكروها حتى وقد ذكر المؤرخون أسماء الذين أتوا بهذه الجناية، قالوا، وكان ذلك برئاسة عمر - الشهم البطل المغوار - لكن لا في ساحة القتال.
وبهذا المعنى قال شاعرهم حافظ إبراهيم:
وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها ! !
أقول: استقصينا في كتابنا (ظلامات الزهراء عليها السلام) جل مصادر الفريقين الذين رووا هذا الخبر المؤلم حقا "، وقد أفردنا له بابا " خاصا "، والكتاب الآن تحت، الطبع، وسيصدر قريبا " ضمن منشورات مؤسسة (بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله لا حياء تراث أهل البيت عليهم السلام) إن شاء الله.
27- تقدم ذكرها في ص 269 في النصوص الواردة في حصر النبي صلى الله عليه وآله خلفاءه في اثني عشر خليفة.
28- رووه في صحاحهم: البخاري: 1 / 91، مسلم 1 / 371، الترمذي 2 / 131، النسائي 1 / 210، وغيرهم.
29- قال المؤلف: ذكره العلامة الكاشاني في (مصابيح الجنان) نقلا " عن (الكامل) لابن قولويه، وهو من أعلام المسلمين في القرن الثالث الهجري.
أقول: روى الشيخ الطوسي في (مصباح المتهجد) ص 511 عن معاوية بن عمار، عن الصادق عليه السلام أنه قال: السجود على تربة الحسين عليه السلام يخرق الحجب السبع. أخرجه في البحار: 98 / 135 ح 74 عن المصباح.
30- أقول: راجع في ذلك كتاب (الأرض والتربة الحسينية) للمجتهد الأكبر محمد الحسين كاشف الغطاء (إصدار مكتبة نينوى الحديثة، طهران، ناصر خسرو).
وكتاب (السجود على التربة، والجمع بين الصلاتين) لمحمد إبراهيم الموحد القزويني (الطبعة الثانية 1401).
31- رواه الصدوق في أماليه: المجلس 27 بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود، عن الرضا عليه السلام عنه البحار: 44 / 285 ضمن ح 17.
32- سورة النساء: 3.
33- قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 1 / 113: قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله:... وما زال عمرو بن العاص ملحدا "، ما تردد قط في الإلحاد والزندقة، وكان معاوية مثله، ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث (السرار) المروي، وأن معاوية عض أذن عمرو....
وقال في: 2 / 179 وأما معاوية، فكان فاسقا " مشهورا " بقلة الدين، والانحراف عن الإسلام، وكذلك ناصره ومظاهره على أمره عمرو بن العاص... راجع في ترجمته ومصادرها مفصلا " كتاب الغدير: 2 / 119 وما بعدها.
34- أخرج الحاكم في المستدرك: 4 / 479 من طريق عبد الرحمن بن عوف، وصححه أنه قال: كان لا يولد لأحد بالمدينة ولد إلا أتي به إلى النبي صلى الله عليه وآله، فأدخل عليه مروان بن الحكم، فقال: هو الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون.
وقال البلاذري في الأنساب 5 / 126 كان مروان يلقب (خيط باطل).
راجع في ترجمته كتاب الغدير 8 / 260.
35- إشارة إلى قوله تعالى في سورة فصلت: 42.
36- سورة المائدة: 6.
37- هو كتاب (غنية المتملي في شرح منية المصلي على المذهب الحنفي) وله مختصر معروف ب‍ (حلبي صغير).
38- (الزوجات) خ.
39- قال أبو الحسن الإمام محمد بن عبد الهادي المعروف بالسندي في تعليقته على ما جاء في غسل القدمين: 1 / 88 من شرح سنن ابن ماجة - بعد أن جزم بأن ظاهر القرآن هو المسح -: وإنما كان المسح هو ظاهر الكتاب لأن قراءة الجر ظاهرة فيه، وحمل قراءة النصب عليها بجعل العطف على المحل أقرب من حمل قراءة الجر على قراءة النصب كما صرح به النحاة، قال: لشذوذ الجوار واطراد العطف على المحل، قال: وأيضا " فيه خلوص عن الفصل بالأجنبي بين المعطوف عليه، فصار ظاهر القرآن هو المسح.
40- { كنز العمال: 5 / 310 }.
41- { أخرجه ابن ماجة في سننه: 1 / 156 ح 458، والترمذي وأبو داود والنسائي في صحاحهم، وسعيد بن منصور في سننه، ورواه ابن أبي شيبة وغيره من أعاظم علماء السنة، وكذا جاء في: 5 / 103 من الكنز }.
(42 - 43) { كنز العمال: 5 / 104 }.
44- { كما في أواخر ص 19 من كتاب (المسح على الجوربين) للشيخ محمد جمال الدين الدمشقي }.
45- وسائل الشيعة: 1 / 419 ح 4 باب 25، عن التهذيب: 1 / 63 ح 177، والاستبصار: 1 / 64 ح 189.
46- وسائل الشيعة: 1 / 417 ح 4 باب 24، التهذيب: 1 / 91 ح 243، والاستبصار: 1 / 62 ح 184.
47- قال المؤلف: بعض ما أوردناه لك في هذا الرسالة أخذناه من كتاب (أجوبة مسائل جار الله) للإمام شرف الدين (ره) ص 27، فراجع.
48- سورة القلم: 4.
49- أقول: لقد أشبع السيد (عبد الحسين شرف الدين الموسوي) رحمه الله هذا الموضوع بحثا " واستقصاء في مؤلفة (المسح على الأرجل أو غسلها في الوضوء) فراجع واغتنم.
50- قال تعالى في سورة التوبة 101: (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page