• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الحلقة الحادية والعشرون اتّصال الاجتهاد وبقاء بابه مفتوحاً عند الشيعة هو الذي شيّعني

عليّ ، هو أيضاً واحد من شباب هذه الأمّة المنكوبة ، فتح عينيه منذ أنْ بدأ يعي ، على جملة من الحقائق ، دفعت به إلى أن يكون ملتزما بأوامر خالقه ونواهيه ، فلم يستهويه شي من حطام الدنيا ، وكان جلّ همه منصبّاً في ناحية واحدة،هي العمل من أجل إرضاء الخالق ونيل محبّته .
عرفته في مسجد الزمزميّة بمدينة قابس ، مواظباً على صلواته فيه ، وخصوصا صلاة الصبح التي لم يكن يثنيه عارض ، ولا يمنعه طارىء عن حضورها ، ونيل ثواب أدائها جماعة ، أكبرته منذ أن تعرّفت عليه ، ولم يمض يوم إلاّ وقد ازداد في نفسي تميّزاً وقرباً واحتراماً ،، لذلك كنتُ أبادر بتحيّته والسلام عليه ، قبل أنْ يسبقني إلى ذلك .
تحدّث عليّ عن سبب انتقاله من مذهب المالكيّة ، إلى خطّ التشيّع الإماميّ الاثني عشري ، فقال : عشت وسط مجتمع مالكيّ المذهب ، انتسب إليه في عموم قطّاعاته وراثياً ، لذلك لم ينشأ بينه وبين ذلك المذهب رباط متين ، يؤهل إلى انتقال تلك العلاقة من إطارها السلبيّ إلى إطار أكثر ايجابيّة ، وككلّ الذين دخلوا إلى الدين من بوابة التطبيق الأعمى ، لم أسعّ إلى معرفة حقيقة الخالق ، ولا اتّجهت إلى التعرّف على أبجديات التوحيد اللازمة كي تصحّ عباداتي ، وتكون موجّهة إلى من له الفضل في خلقي ونشأتي ، ولا التفتّ إلى مختلف أبواب الفقه ، لتكون عباداتي صحيحة ومقبولة ، وفق الأحكام المدرجة بتلك الكتب ، كلّ ما في الأمر أنّني استجبت إلى نداء والدي ، وانصعت لأمره ، فصلّيت خلفه ، وصمت معه هكذا كانت بداياتي وبدايات أكثر المسلمين ، أمّا جذوري فلا أعتقد أنّها مالكيّة ، لأنّني استفسرت نفسي واستفتيتها فلم أجد فيها أيّ تعاطف أو ميل نحو هذا المذهب ، وأراه في عقلي ووجداني أضيق من أنْ يتّسع للإسلام العظيم ، ولا هو في مستوى يؤهّله ليحمل تحت اسمه تفاصيل الإسلام المحمّدي الأصيل ، الذي جاء ليكون خاتم الرسالات وخلاصة الدساتير الربانيّة .
أولى الملاحظات التي تراءت لي وأنا في بداية خطواتي العباديّة هي تذبذب الناس ، وعدم فهمهم لأحكام السهو والشك في الصلاة ، ووقفت على الخلل الذي أشيع في المصلين من اتباع مالك بإحداث السجود القبلي ، اقتداء بإمامهم الذي أسّس لتلك البدعة ، وجعل منها حلاّ لتصحيح الصلاة ، والحال أنّه يعتبر زيادة في عدد السجدات ، ممّا يرجّح بطلان الصلاة بتلك الزيادة .
وتساءلت : عن السبب الذي جعل الأمّة تعجز عن القفز فوق عقبة المذاهب ، وتتصاغر عن ولادة فقهاء يضاهون الفقهاء القدامى أو يفوقونهم علماً وعملا ، حتّى أيقنت بعقم هذه الطوائف . وما الذي أوقف الاجتهاد وحصره في عدد من المذاهب استمرّ العمل بمقتضى أحكامها هذا الزمن الطويل ، رغم ثبوت ترك أصحابها العمل بقسم من أحكامها؟ وهل كانت تلك المذاهب في محتواها مستجيبة لحاجات أتباعها؟ ولماذا أصبح اتّباعهم لها إلزاميّ بحيث لو أصدر أحد علمائهم فتوى في مسألة مستحدثة أفتى تبعاً لذلك المذهب ، ولم يستقلّ بفتواه؟
لقد مثل تعطيل الاجتهاد وسدّ بابه بالنسبة لأتباع تلك المذاهب ، بداية تخلّف الأمّة الإسلاميّة ، وقد كان دور خلفاء بني العباس ومن جاء بعدهم ، في غلق باب الاجتهاد وحصره في مذاهب معدودة ، هامّاً وأساسيّاً ، ولا يخفى أنّ ذلك المنع والحصر ، كان بسبب ميل هؤلاء الطغاة لحمل الأمّة ، على اتّباع هؤلاء الفقهاء فقط ، دون غيرهم ، رغم تعدّد المجتهدين في تلك العصور ، وتفوّق الكثيرين منهم على أصحاب المذاهب التي استطاعت البقاء والاستمرار بفضل دعم الأنظمة لها ، لأنّها كانت من تأسيس أولئك الحكّام ، أو هي موالية لهم ، فالموّطأ على سبيل المثال ، كُتب بأمر من الخليفة المنصور الدوانيقي العباسي ، وهو من حرّض مالكا على تأليفه ، وحمل الناس على التقيّد بفتاواه بعد ذلك ، مع أنّ مالكاً هذا لم يكن له شأن يذكر ، في مدينة تعجّ بكبار الأساتذة والعلماء ، وعلى رأسهم الإمام أبي عبد الله جعفر ابن محمّد الصادق(عليه السلام) ، الرجل المعارض لنظام الحكم العبّاسيّ ، والذي تخشى السلطة جانبه ، بسبب مكانته العلميّة المتميّزة التي حاز عليها ، وتوافُد الناس عليه من كلّ حدب وصوب ، ونسبته إلى أهل البيت الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وفرض مودّتهم على المسلمين كافّة ، وبسبب وفرة علومهم وعلوّ كتبهم في كلّ مجال ، أحقيتهم من غيرهم بقيادة الأمّة الإسلامية ، وقد تقلّدت بيعتهم نخب من الأجيال الإسلاميّة ، التي تعاقبت منذ وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)إلى اليوم ; لذلك اتّجهت تلك السلطات إلى صرف الناس عنهم بشتّى السبل والوسائل ، فسعت إلى إيجاد بديل عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) ، يكون ولاءهم للسلطة مضموناً ، فجاءت تلك المذاهب وفق ما كانت ترجوه ، وفوق ذلك فقد حرّمت على أتباعها الخروج على الظالمين ، طالما أنّهم يُصلّون ، غير ملتفتة إلى أنّ الإسلام ليس صلاة فقط ، وقد يؤدّي الإنسان صلاته أداء لا ينفعه ، ولا يزيده من الله إلاّ بعداً . وفتاوى طاعة أئمّة الظلم والجور ، ما كان لها أنْ تكون لولا الأحاديث المكذوبة على النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، والتي تلقّاها علماء السوء بالمباركة والقبول ، وخصّصوا لها في كتبهم باباً يجيز على الأمّة اتّباعهم .
ومقابل غلق باب الاجتهاد عند بقيّة المذاهب ، وجد مقابلها خطّ لم يقع سدّ باب الاجتهاد فيه ، ولا اصطلح عليه تحت اسم شخص واحد ، فالإسلام الشيعيّ الاثني عشري لم يختلف أئمته الاثنا عشر ، ولم يتناقضوا فيما بينهم ، ولا ظهر منهم ما يدعو إلى القول بأنّ نهجهم مفتعل ، أو هو وليد زمن ليس له علاقة بالنبي(صلى الله عليه وآله) ، لذلك فإنّ إجتماع 12 إماماً في خطّ واحد ، واستناداً إلى نصوص ، تقول بإمامتهم اختياراً وتعييناً من الله تعالى ، عن طريق النبيّ الخاتم(صلى الله عليه وآله) ، دليل على أنّ نهجهم الذي سلكوه ، هو امتداد لخطّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وتجسيد لروحيته الخالصة .
وقد اشتمل منهج إسلام أهل البيت(عليهم السلام) ، والمعروف بالإسلام الشيعي الاثني عشري بعد النبوّة على دورين ، دور الإمامة الهادية بإذن الله سبحانه وتعالى ، ودور العلماء العدول والمعبّر عنه الآن بالمراجع العظام رضوان الله تعالى عليهم ، ممّا أكسب هذا النهج حصانة ومنعة ، وحال دون أنْ تطاله أيدي العابثين والمحرّفين ، من زمر النفاق والشرك ، فلم يقع تحت طائلة هؤلاء جميعاً ، وكان بفضل الدورين اللذين مرّ ويمرّ بهما ، في مأمن من الانحرافات التي وقعت فيها بقيّة الخطوط .
الاجتهاد عند المسلمين الشيعة الامامية الاثني عشرية ، هو بذل الجهد في استنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها الأربعة وهي الكتاب والسنّة والإجماع والعقل . وللمجتهد شرائط لا بدّ أنْ تتوفّر فيه ، ليصبح مؤهلا لذلك ، وقد استفاض علماء أصول الفقه، في مباحث تلك الشروط .
ووجوب أنْ يكون لكلّ جيل مجتهدوه ، نابع من الحاجة الماسّة إلى تواجد الفقهاء ، لحلّ مستجدات العصر ، ومستحدثات الزمن ، لتميّز الدين الخاتم بنمطين من الأحكام ، أحكام ثابتة لا تتغير ، وتتعلق بالشعائر العبادية ، من صلاة وصوم وحج وزكاة وخمس وزواج وولاية وغيرها ، وأحكام متحرّكة ، تقتضيها مسيرة البشرية عبر الزمن .
وممّا أكسب خطّ الإسلام الشيعي قوّة ومنعة ، وساعده على الاستمرار منذ عصر الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) إلى اليوم ، بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً ، وفوق ذلك ومن أجل بقاء الاجتهاد عاملا فاعلا في المجتمعات الإسلاميّة ، لم يجز أغلب علماء الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة تقليد المجتهد الميت ابتداء ، لدعم المجتهد الحي ، وفسح المجال أمامه ليؤدّي دوره في إرشاد الأمّة والنصح لها ، وتلبية حاجياتها في ما يتعلّق بكافّة أوجه ومجالات الحياة .
وما كان لهذه المكاسب العظيمة أن تتمّ لولا اكتمال الإسلام بدور أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) ، الذين وإن لم يتمكّنوا من بلوغ سدّة الحكم بسبب تقصير الأمّة عن لعب دورها في تمكينهم من ذلك ، فقد مارسوا دورهم الأصلي في حفظ الشريعة وبثّها وترسيخها في الأجيال الإسلاميّة التي عاشوا بينها ، وكانوا المؤسسين لجامعة العلوم الإسلاميّة ، التي كانت مقصداً لطلبة العلوم من المسلمين ، يدرسون فيها مختلف المواد العلمية ، من فقه ومنطق وفلسفة وغيرها من فنون المعرفة ، وكان للإمامين الباقر والصادق دور في تأسيس تلك الجامعة التي سمّيت في عهد الشيخ الطوسي قدس سره بالحوزة العلمية .
وما الأمر الذي تركه الأئمّة(عليهم السلام) بخصوص الاجتهاد والتقليد ، إلاّ دليل على عنايتهم بمسألة استمرار عطاء الدين ، وتواصل فاعليّته وإشعاعه ، على المستويين القيادي والقاعدي ، فقد جاء عنهم(عليهم السلام) : "المتعبّد على غير فقه كحمار الطاحونة"(1) . في إشارة إلى ضرورة الاعتماد على الفقهاء في المسائل المتعلّقة بالدين ، وكلّ من لم يسلك طريقاً إلى الفقيه فعمله لا قيمة له . وجاء عنهم(عليهم السلام)أيضا : "فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه"(2) . في إشارة منهم إلى شروط تقليد المجتهد ،ووجوب ذلك على عامّة الناس الذين لا يجدون حيلة إلى الفقاهة والاجتهاد .
وقد أثمر غرسهم(عليهم السلام) مع مرور الزمن ، وكانت رواياتهم وتوجيهاتهم إلى أتباعهم وشيعتهم المفتاح الذي أتاح للعلماء منهم بلوغ الحلال والحرام في جميع المسائل الحياتية ، فأفتوا المسلمين وفق مصادرهم المعتمدة ، واستناداً إلى الدليل القطعي ، فلم يعجّزهم شي من المستحدثات ، لمواكبتهم التطوّر البشري عن قرب ، والمتصفّح للرسائل العمليّة ـ وهي كتب الفقه التي يصدرها عادة كلّ مجتهد ، ويطرحها لمن يريد تقليدهم من الناس ـ يجد الحلول لكلّ إشكال فقهيّ عرض له ، ومن أعسر عليه شيء ، فإنّ أبواب مكاتب المجتهدين مفتوحة لتقبّل الأسئلة ، ومواقعهم على صفحات الانترنيت يرتادها الآلاف كلّ يوم ; لذلك أستطيع أنْ أقول بأنّني فوق ما اقتنعت به من صحّة لخطّ التشيّع الامامي الاثني عشري ، عقيدة وشريعة ، كانت مسألة بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً عند الشيعة ، هي العامل الذي دفعني إلى تبني المنظومة الإسلاميّة التي اعتمدوها ، طبقاً للنصوص التي أخذت بأعناقهم إلى أهل البيت الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وقد لمست من فتاوى مجتهديهم سعة المعرفة لديهم وبعد النظر ، وقوّة الشخصيّة والحضور الفاعل في مجتمعاتهم ، ولمست من أتباعهم أدب الطاعة وحسن الاتّباع وهي أمور ليست موجودة في بقيّة الفرق الإسلاميّة التي ما تزال تتخّبط في عمى الموروثات المتناقضة ، والتي اختلط فيها السليم بالسقيم ، والتي أرجو لأتباعها الهداية إلى أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فبالرجوع إلى الأطهار من ذريّة المصطفى ، نستطيع أنْ ننال رضى المولى سبحانه وتعالى ، ونطفىء غضبه من الجفوة التي ارتكبها أسلافنا في الابتعاد عن نهجهم .
ونسأله أخيراً أنْ يفرّج عن هذه الأمّة المستضعفة ، بإظهار وليّه المنتظر ، ناصر دينه ، ومثبّت شريعته ، والمنتقم من الظالمين ، ويجعلنا من أتباعه وأنصاره وأعوانه وشيعته ، ويرزقنا الشهادة بين يديه ، إنّه نعم المولى ونعم النصير ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم .

___________
1-الاختصاص : 245 .
2-الاحتجاج 2 : 263 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page