• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الحلقة الثانية والعشرون فوجئت بحقيقة الشيعة والتشيّع .. فتشيّعت

بشير ، أخ في الله عرفته حديثاً ، ورغم حداثة العهد تلك ، فإنّه قد أخذ مكاناً كبيراً في قلبي ، لما لمسته منه من رفعة وعزّة ورجولة ، ما لفت نظري في شخصه ، أنّه كان سريع المبادرة ، كثير التفكّر في أمر الله تعالى ، قليل الاهتمام بالمسائل الدنيوية الزائلة ، يهتمّ ويغتمّ إذا ضيّع أمراً من دينه ، ولا يأبه ولا يبالي إذا ضاع منه أمر من أمور الدنيا ، كان يحزن إلى حدّ البكاء إذا ضيّع شيئاً في جنب الله تعالى ، وكان يضحك إذا ضيّع فرصة دنيوية ، كان ممّا قرّبني له أنّني سمعت بتشيّعه لأهل البيت(عليهم السلام) ، وقد حكى لي قصته ، ولمّا عرضت لي الفكرة في جمع إفادات المستبصرين ، دعوته ليدلي بشهادته ، فجاء رغم بعد المسافة ، وكان حاضراً معنا في الجلسة ، ولما جاء دوره قال :
لم يكن في حسابي أنْ أدرس التشيّع في يوم من الأيّام ، ولا أن ألتفت إلى كنهه ومعناه الحقيقيين ، فقد قرأت عنه من الزاوية المذهبيّة ، وتعرفت على وجهه المشوّه ، والذي كنت معتقداً أنّه وجهه الحقيقي ، من خلال كتب مناهضة ومعادية له ، ككتاب ضحى الإسلام لأحمد أمين المصري ، ومنهاج السنّة لابن تيمية ، وكتب أخرى ، امتداداً لحركة القصّاصين ووعاظ السلاطين من عبدة الدنيا ، وامتداداً للأيدي القذرة التي حرّفت وشوّهت كلّ جميل في التراث الإسلامي ، وهي لا تزال تعمل للحيلولة دون معرفة المسلمين لحقائق دينهم ، وما يترتب عليها من فهم ووعي بالواقع المرير الذي عاشه أجدادهم ، ويعيشون فيه هم أيضا إلى الآن .
لم تتولّد في نفسي همّة معرفة الشيعة ، إلاّ بعد أنْ ألقت الصدفة في طريقي أحد أفراد الشيعة ، لم يكن ذو أصول شيعيّة ، فهو قد تشيّع بعد دراسة وتمحيص استمرّ فترة زمنية غير قصيرة ، زيادة على كونه من أهالي منطقة عرفت باتّباع المذهب المالكي قرون متعاقبة .
الصدفة تمثّلت في دعوتي لحضور حفل زفاف أحد الأصدقاء ، وأثناء تواجدي بالحفل ، وجدت الرجل من بين المدعوّين ، لم أكن أعرفه معرفة جيّدة ، كلّ ما عرفته عنه هو ما قيل فيه من إشاعات متعلقة بانتمائه ، وبسبب ذلك كنت أتوقى الالتقاء به ، والجلوس معه على نفس الطاولة ، وقد دار في ذلك المجلس حوار ونقاش حول بعض المواضيع ، وسمعتُ الرجل يتكلّم بكلام منطقيّ نابع من قناعة راسخة لديه جعلته يتكلم بثقة تامة وعزة نفس .
استدرت من مجلسي والتفتّ إليه ، ثمّ خاطبته قائلا : ألستَ شيعيّاً؟
قال : بلى . قلت : وهل الشيعة مسلمون حقّاً؟ قال وقد ظهرت على ملامحه علامات الغضب : إذا لم يكن الإسلام عندهم وفيهم ، فأين يمكن أنْ يوجد؟
قلت : وكلّ هذه التهم التي تحاصر التشيّع والشيعة ، كالادّعاء بأنّ جبريل قد أخطأ في تنزيل الرسالة ، ودعوى تحريف القرآن ، ودعوى تأسيس الفكر الشيعي على يد عبد الله بن سبأ اليهودي ، ودعوى استباحة الشيعة للمحرّمات ، أليست كافية بأنْ تكون دليل على انحراف طائفتك؟
قال : وهل تعتقد أنّ أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، والذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، يعتقدون بالذي ذكرت؟
قلت له : حاشا وكلاّ ، أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم مبرؤون من ذلك ، لكنّ أتباعهم قد يكونون انحرفوا عن طريقهم .
فقال : طالما أنّك قد برأت أهل البيت(عليهم السلام) من تلك التهم الباطلة من أساسها ،فاعلم أنّ ما روّج على الشيعة من أقاويل ليس لها إثبات على أرض الواقع ، وهي مدعاة للسخرية والاستخفاف بمن يعتقدها ، وترك العلم واتّباع الظنّ يؤدّي دائماً بصاحبه إلى التفريط في الحقيقة والابتعاد عنها ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}(1) ونصيحة الباري تعالى هذه جاءت لغلق الباب أمام عامل الظن ، لأنّه وسيلة واهمة لا توصل صاحبها إلى علم أبدا .
أمّا ما تُقوّل على الشيعة بشأن جبريل(عليه السلام) لا أساس له من الصحّة ، وأجزم لك بأنّ مخترع تلك الدعاية المغرضة لقيط من أبناء عواهر زمن انحطاط الأمّة ، والمستأنس بذلك القول ليس له عقل يميّز به ، ولا فكر مستنير ليسترح إليه ، أمّا دعوى تحريف القرآن فقد قال الإمام جعفر بن محمد الصادق سادس أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) في معرض حديثه عن الذين انحرفوا عن نهج أهل البيت(عليهم السلام) : "..وأقاموا حروفه ، وحرّفوا حدوده"(2) . في إشارة إلى أنّ غير أتباعه وشيعته هم الذين حرّفوا تفسير الكتاب العزيز ، نزولا عند إرادة ورغبة حكّامهم . ثمّ إن جميع الفرق الإسلاميّة نقلت روايات التحريف في القرآن ، غير أنّ علماء الشيعة كالشيخ الكليني أفردها في باب النوادر ، تصغيراً لشأنها ، بينما نقلها من تسمّوا بأصحاب الصحاح في أبواب الفقه دون تخصيص ولا إفراد .
أمّا إن ابن سبأ على حسب الدعوى المطلقة فقد عاش في زمن الإمام عليّ(عليه السلام) ، وكان بحسب تلك الأقاويل من أتباعه والدعاة إلى إمامته وإمامة أبنائه ، فلو كان موجوداً وجاء بمفتريات قد تسهم في تحريف الدين وتقويض أسسه لشهّر به ، وحذّر منه ، ولتبرّأ من مفترياته ، وسيرة عليّ(عليه السلام) في عدم الاعتماد على المشكوك في صدقيتهم ونزاهتهم غير خافية على ذوي الأفهام ،فهو عند تسلّمه زمام الحكم ، قد عزل جميع الولاة الذين اعتمدهم الخليفة الثالث عثمان ، وقيل له أنْ لا يتعجّل في عزل معاوية الطليق ، فأبى ، وردّ مستشهداً بقوله تعالى قائلا : {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}(1)(2) فكيف يأنس والحال تلك بيهودي لا يعلم أصله من فصله؟
ثمّ إنّ محيط عليّ(عليه السلام) أتباعاً وأعواناً وجيشاً ، كلّهم من العلماء وحفظة القرآن وزهّاد القوم وخيرتهم ، فكيف يستقيم الاعتقاد بأنْ يوجد مشبوه بينهم ، أو أنْ يستطيع منافق أو عدو من أعداء الله أن يحوز مكاناً بين هؤلاء الأتقياء ، على أنّ عدداً من الباحثين والمحقّقين قد انتهوا إلى أنّ شخصيّة عبد الله بن سبأ ، ليست إلاّ دعاية مغرضة صنعها الدهاء الأمويّ ، لينفّر الناس عن إسلام أهل البيت(عليهم السلام) ، الإسلام الشيعيّ .
وإذا فرضنا أنّها شخصيّة حقيقيّة ، مارست دورها وقامت بمهمّتها على أحسن وجه في التنقّل بين الحجاز والعراق ومصر ، لدعوة المسلمين إلى ولاية أهل البيت(عليهم السلام) ، وكونهم الأحقّ والأولى بتقلّدها منذ البداية من غيرهم ، فلا يمكنها أنْ تعدو الصحابي الجليل عمّار بن ياسر ذوي الأصول اليمنيّة ; لأنّ كلّ ذي أصل يمنيّ يشترك في نسبته إلى سبأ ، التي تعتبر رمز اليمن واليمنيين .
قلت له : كلامك منطقيّ وتحليلك لا يستطيع منصف أن يتجاهله ، إلاّ أنّني أتساءل عن السبب الذي جعل الغالبية العظمى من المسلمين تتنكّب عن نهجهم؟
قال: وهل لتلك الغالبية من المسلمين القدرة على غير ذلك الفعل ، طالما أنّها جعلت مقاليد دينها بين أيدي أعدائها من الطغاة والظلمة ، واستمرّت عل ذلك دهراً طويلا ، وهي إلى اليوم تراوح في مشيّها على نفس الطريق ، وبنفس الوتيرة ،ولم تتّعظ يوماً من بطلان مسلكها ، ومنذ ظهور عليّ(عليه السلام) ووضوح مقامه ، لم يجد هذا الرجل الفذّ أتباعا ، غير المستضعفين من أمثال أبي ذر وعمّار وسلمان والمقداد ، ومقابل ذلك ظهرت أضغان النفاق والشرك من خلال التحريض عليه والوشاية به ، اعتقاداً من هؤلاء بإمكانيّة إسقاط عليّ(عليه السلام) ، وزحزحته من قلب النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فلم يزد تكالبهم على الوقيعة بعليّ(عليه السلام) ، إلاّ رسوخاً لمحبّة أمير المؤمنين في كلّ الأفئدة ، التي رفضت الدنيا وباطلها وزيفها وبهرجها ، وكلّما خرج حبّ الدنيا من قلب مؤمن ، تهافت عليه طلاّبها ، فوضعوه في قلوبهم ; لذلك لم يجتمع حبّ علي(عليه السلام) ، وحبّ الدنيا في قلب مؤمن أبداً ، وبقيت هذه المعادلة مقياساً صحيحاً ، يعرف به المتّجه إلى الله تعالى ، من المتّجه إلى الشيطان والدنيا .
قلت له : فماذا قدّم الشيعة إذاً للإسلام؟
قال : قدّموا كلّ خير ، وأظهروا كلّ جميل ، وبيّنوا كلّ لبس ، وعاشوا بين الناس بأبدان قلوبها معلّقة بالمحلّ الأعلى ، فخيرة الصحابة كانوا شيعة عليّ وأهل بيته(عليهم السلام) ، وخيرة التابعين هم أيضاً شيعة أهل البيت(عليهم السلام) ، كلّ جيل من الأجيال الإسلاميّة ، مثّل الشيعة نخبتهم وخيرتهم بدون مبالغة ، وبكلّ تواضع أقول لك : إنّنا إذا صنّفنا وميّزنا العلماء ، لوجدنا علماء الشيعة هم أفضل العلماء ، بدليل ما كتبوه للأمّة الإسلاميّة وللناس جميعاً ، وإذا صنّفنا عامّة الناس وجدنا عامّة الشيعة هم أفضل عامّة ، لقول الأئمّة(عليهم السلام) : "ليس من شيعتنا مَن يكون في مصر ، يكون فيه مائة ألف ، ويكون في المصر أورع منه"(1) ، وكان حثّهم لأتباعهم على العمل الصالح ، وتطبيق أحكام الله تعالى ، من أولى أولوياتهم ، فقالوا : "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم"(2) . حتّى الشعراء فإنّك إذا وردّت دواوينهم ، وجدت أنّ أفضلهم شيعة أهل البيت(عليهم السلام) ، وبصراحة فإنّني لا أرى طيّبا ولا جميلا إلاّ وهو شيعي .
قلت له : أراك تبالغ في تفضيل وتقديم الشيعة .
قال : أنا أنقل لك الحقيقة بغير طلاء ولا زينة ، الحقيقة التي ظلّت مغيّبة عنّا قرون طويلة ، تلك التي أُبعدنا عنها بالكذب تارة وبالدعاية الباطلة تارة أخرى ; لذلك فإنّني أتمنى من كلّ مسلم أنْ لا يطمئنّ إلى كلّ ما يلقى إليه ، فليشكّك في كلّ شي ليتخلّص من موروثاته التي علق بها كثير من البهتان ، ثمّ ليبدأ البحث عن الحقيقة ، خالياً من التبعات ، وأنا متأكّد من أنّه سيدرك الحقيقة من دون عناء .
قلت له : وهل النخب التي تحدّثت عنها من الشيعة مخصوصة بالعصور الفارطة ، أم تشمل العصر الحديث؟
قال : التشيّع يا أخي متّصل الحلقات ، ومترابط الأجيال ، فلم يخْلُ منه مكان ولا زمان ، أنا لا أدعوك فقط إلى متابعة النهضة المباركة للجمهورية الإسلاميّة في إيران ، ولا إلى الالتفات إلى تلك الثلة المؤمنة في لبنان ، المسمّاة بحزب الله ، بل أدعوك إلى تحكيم قلبك ، ومتابعة الأدلّة النظريّة من نصوص قرآنية وأحاديث نبوية دلّت على أحقيّة الشيعة .
انتهى الحديث مع ذلك الشيعيّ ; نظراً لأنّ المكان لا يسمح بأكثر من ذلك ، فقد جئنا جميعاً لحضور حفل زفاف أحد الأصدقاء ، وعلينا أن نلتفت إليه ونهتمّ به ، وتغيّرت منذ تلك المناسبة السعيدة على أهلها وعليّ ، بتعرفي على شخص ،استطاع بمنطقه ولباقته ومعرفته ، أنْ يهديني إلى اتّباع الصراط المستقيم ،الذي تاه عنه كثير من الناس ، ممّن يمتلكون أسباب المعرفة ووسائل البحث والوصول إلى الحقيقة ، ولم نفترق من ذلك الحفل إلاّ بعد أنْ وعدني بأنْ يمدّني بكتاب تأسيس الشيعة الكرام لعلوم الإسلام ، لأتأكّد من مصداقيّة القيمة التي ذكرها ، عن العناصر التي شايعت عليّاً والأئمّة من ذريته(عليهم السلام) ، فكان كتاباً شاهداً على تلك الفئة المباركة التي لعبت دوراً رئيساً في حفظ الدين، وإحياء أحكامه وسننه ، وتطوير مناهجه وعلومه ، ممّا أتاح لي أنْ أنزع غشاوة التضليل ، واُلقي بتبعات التمذهب الموروث عن الآباء ، إنْ كان الآباء حقيقة على تلك المذاهب المفروضة على الناس في الزمن الغابر ، وأيقنت أنّ الإسلام المحمّدي ، والدين الحقّ ، لا يمكنه أن يكون في غير أهل البيت(عليهم السلام) ، فآمنت به واتّبعت طريقتهم كما قال تعالى : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page