• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الحلقة الثامنة والعشرون والأخيرة شيّعتني فطرتي وكتاب المراجعات

ما إن أتمّ عمار إفادته ، وأدلى بشهادته ، حتّى أخذت الكلمة ، فشكرت جميع من حضر من الإخوة ، على ما أبدوه من شهادات لله تعالى ، ولرسوله(صلى الله عليه وآله) ، ولأهل البيت(عليهم السلام) ، وللمسلمين الذين ما يزالون بعيدين عن منهاج أهل البيت(عليهم السلام) ، وللتاريخ الذي لم يرق إليه الدنس ، متوّجاً جملة الإفادات بإفادتي أنا أيضاً فقلت :عرفت الإسلام صغيراً في كنف عائلتي المحافظة ، القادمة من تخوم شطّ الجريد ، ومن فطناسة ، إحدى القرى الصحراويّة النائية من ولاية قبلي ، فكنت أُصلّي وأصوم بأمر وإرشاد وتوجيه من أبي وأمّي .
منذ أنْ بدأتُ أدرك ، وفي سنواتي الأولى في المدرسة الابتدائيّة ، كنت أتردّد على بيت أحد رفاق الدراسة ، الذي كانت تشدّني إلى بيت أسرته ، صورة ملكت عليّ جميع أحاسيسي ، وشدّتني إلى عالم من الخيال والتأمّل ، فكنت أسرح معها بعيداً في عالم ذلك الفارس العظيم الذي كُتب إلى جانب صورته ، عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ، على فرس أبيض قد نطّ برجليه الأماميّتين في الفضاء وهو يوجّه ضربته القاضية إلى فارس آخر ، كتب عليه رأس الغول ، وقد سالت الدماء منه .
انطبعت تلك الصورة في أعماق نفسي ; لأنّني قد وجدت أخيراً ما يلامس الحكايات التي كانت جدّتي لأمّي رحمها الله تحكيها لي ، ولأخوتي ، عن سيّدنا عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ومعاركه الحاسمة مع رأس الغول ـ وقد علمت فيما بعد أنّه عمرو بن ودّ ، وأن المعركة كانت غزوة الخندق ـجدّتي كانت تُكبر الإمام(عليه السلام) وتصفه بحيدرة الأحمر ـ نسبة إلى ندرة مثيله ، كندرة الكبريت الأحمر ـ وحكاياتها كلّ ليلة من ليالي الصيف أو الشتاء لا تنتهي ، وكنّا نأوي إليها بعد العشاء ، فتحكي لنا عن ذلك الرجل العظيم ، وتروي قصصاً من بطولاته ، فنرهف لها السمع ، ونسكن حولها كأنّنا كبار عاقلون ، وكأنّ البيت لم يعد يحوي أطفالا لا يهدؤون من اللهو واللعب والعبث .
يمكن اعتبار أنّ جدتي هي التي عرّفتني بالإمام عليّ(عليه السلام) ، وتحديداً عرّفتني بجانب الرجولة والبطولة فيه ، وكانت الصورة التي شاهدتها متزامنة مع فترة الحكايات عنه ، فكنت أستغلّ الفرصة كلّما قصدت بيت رفيق الدراسة ، لأمكث أكبر وقت ممكن أمام تلك الصورة المعبّرة .
كبرتُ وكبرت معي أحلامي وآمالي ، ولم يكبر تديّني لسبب لم أفهمه إلاّ بعد أنْ تشيّعت لأئمّة أهل البيت(عليهم السلام) ، واعتنقت إسلامهم ، وهو أنّ التديّن الوراثي قاصر عن تقديم الحجج والأدلّة والبراهين المؤيّدة لهذه العقيدة ، أو تلك الشعيرة ، ممّا أثّر سلباً على المتدينين بالوراثة ، فعجزوا عن الدفاع عن عقائدهم أمام ادّعاءات خصومهم من أتباع الأفكار الماديّة والعلمانيّة .
ومع انتمائي العقائديّ الذي غلب عليه الطابع الوراثيّ ، أخذت عن والدي الكريم ، أعزّه الله وأبقاه ، روحيّة الثورة والحماسة والشجاعة والرجولة والكرم ، وهي خصال شهد له بها القريب والبعيد ، حتّى أصبح مضرب مثل من عايشه عن قرب .
وقد كانت تلك الخصال دافعاً لوالدي ـ الذي ترّبى يتيماً ـ في مقاومة الاستعمار الفرنسي ، والانخراط في سلك الثوّار ، وحمل السلاح دفاعاً عن البلاد والقيم والمبادىء التي تربى عليها ، فعن والدي أخذت تلك الخصال ، وبه اقتديت ، وكانت بذرة رفض الظلم وعدم الخضوع والاستكانة له ، هي التي ميّزت شخصيّتي ، وهي التي كان لها الأثر البالغ في نموّ الحس الإنساني في داخلي ، وتحوّلت البذرة إلى شجرة مورقة ضاربة العروق في أعماق عقلي وقلبي وكياني ، وأينعت ثمارها في ضميري قناعة لا تتزحزح أبداً من أنّ الظلم والظالمين ليس لهم مكان في شخصي وفي حياتي ; لذلك فإنّني أتقرّب إلى الله تعالى بكرههم وبغضهم والبراءة منهم ، ومقارعتهم لو أجد لهم قوّة.
ومرّت الأيام وفارقت مدينة قابس سنين طويلة ، وعصفت بي ظروف عديدة ، يطول المقام بذكرها وشرحها ; إذا إنّها كانت تتعلّق برفض الظلم ، ومقارعة الظالمين .
عدت إلى مدينة قابس سنة 1980 بعد أن فارقتها سنة 1963 ، كأنّما قُدّر لي أنْ أعود إلى أجواء الصورة التي كنت شاهدتها في صغري ، وأجواء حكايات جدّتي رحمها الله عن الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ، وكأنّما قدّر لتلك البقعة أنْ تكون ، منطلق الرؤية والتصوّر الجديد عن الإمام(عليه السلام) .
كنتُ أعرف جيّداً أنّ لي بها ابن عمّ ، وكان أوّل عمل قمت به عند وصولي ، التوجّه إليه ، فاستقبلني ورحّب بي ، وأعلمته بأنّني جئت أبحث عن عمل يناسب اختصاصي ، ولم يدم بحثي طويلا ، إذ سرعان ما وجدت عملا في إحدى شركاتها الكبرى.
باشرت عملي بحمد الله تعالى ، وكان عليّ أن أتزوّج سريعاً ، فقد بلغت من العمر 27 سنة ، وتزوّجت في صيف تلك السنة مودّعاً العزوبيّة ، واستقررت في بيت مستقلّ أنا وزوجتي ، تقاسمت فيه معها تقلّبات الزمن وابتلاءات قضاء وقدر الله تعالى ، ورزقنا ذرية طيبة ، والحمد له على نعمائه التي لا تحصى .
في أحد الأيّام ، قصدت بيت ابن عمّي ، ولمّا انتهيت إليه ، حدّثني قائلا : هل تعرف شيئاً عن الشيعة؟ فأجبته بالنفي . فقال : لقد كنت ذهبت منذ مدة إلى مدينة قفصة (مدينة تقع غرب مدينة قابس ، وتبعد عنها 146 كلم ، تمتاز بمناخ جبليّ صحراويّ يغلب عليه البرد الشديد في الشتاء ، والحرارة المرتفعة في الصيف) لمقابلة الشيخ التيجاني السماوي ، والتعرّف على المذهب الشيعيّ الذي اعتنقه منذ سنوات ، عن طريق أحد الإخوة العراقيين ، وعاد إلى تونس وهو يدعو الناس إليه .
فقلت له : وهل أخذت فكرة جيّدة عن التشيّع منه؟
فقال : لقد تناقشت معه حول عدد من المسائل ، ولكنّني لم أقتنع بكلامه ، فعدت منه مشوّش الفكر متشكّكاً ، على أمل البحث .
قلت : وكيف يتسنّى لك ذلك وكتب الشيعة غير موجودة عندنا؟
قال : القضيّة ليست متعلّقة بكتب الشيعة ; لأنّ ما احتجّ به الشيخ التيجاني عليّ لم يخرج من دائرة السنّة التي أنتمي إليها ، فكتب الصحاح والمدوّنات الروائية السنيّة الأخرى هي المصادر التي كان يحتجّ بها عليّ (سكت قليلا ثمّ قال) : لقد أرسل إليّ الشيخ التيجاني السماوي منذ أيام كتابين ، الأوّل : هو كتاب المراجعات للسيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي(رضي الله عنه) ، والثاني : كتاب دلائل الصدق للشيخ المظفر(رضي الله عنه) ، ولدي الآن رغبة في مطالعتهما ، فهل ترافقني في التعرّف على هذا الفكر؟ فوافقته على الفور ، وجرت إجابتي على لساني كأنّما هناك شيء يدفعها إلى الموافقة دفعاً .
بدأت جلسات مطالعة كتاب المراجعات ، فإذا هو كتاب يحتوي على لقاءات ومراسلات جرت بين السيّد عبد الحسين وشيخ جامع الأزهر في تلك الفترة ، والمدعو بالشيخ سليم البشري ، يعني أنّه حوار ونقاش بين عالمين : الأوّل : شيعيّ عراقيّ المولد ، لبناني النشأة ، ينحدر نسبه إلى الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق(عليهما السلام) ، والثاني : مصريُّ النشأة والمولد ، قُلّد مشيخة الأزهر الشريف في تلك الفترة من الزمن ، كان لقاءهما الأوّل في القاهرة ، وتعدّدت للودّ الذي نشأ بينهما ، والرابطة التي اتفقت رغبتهما على إنشائها فيما بعد للتقريب بين المدارس الفقهيّة الإسلاميّة ; والتأسيس لروح الأخوّة الإسلاميّة في شكل رابطة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة ، هذه التي نتمنى أنْ تعمّ كافّة علماء الأمّة الإسلاميّة ; لتجني من ورائها وحدة الكلمة والصف .
كان الحوار علميّاً إلى أبعد الحدود ، وكان الشرط الذي وضعه شيخ الأزهر ، هو الاستدلال على أحقيّة الإمام عليّ(عليه السلام) على إمامته العامّة ، وولايته لأمور المسلمين التي قلّده النبيّ(صلى الله عليه وآله) إياها ، من خلال اعتماد النصوص الصحيحة المدوّنة عند أهل السنّة في كتبهم المشهورة ، باعتبار أنّ قراءة نفس تلك النصوص من المنظور السنّي ، لم تسفر إلاّ على نتيجة مخالفة تماماً لما وصل إليه أهل البيت(عليهم السلام)وشيعتهم .
بدأنا في قراءة المراجعات ، مراجعة مراجعة ، فكنت كلّما انقضى الزمن المخصّص للمطالعة ، إلاّ وغادرت بيت ابن عمّي متلهّفاً إلى الموعد القادم ، ورأيتني في تلك الأيّام أكثر تحفّزاً وأشدّ حماسة ، وأدقّ موعداً ، وأرهف حسّاً من قبل ، ولم نأتِ على آخر صفحات كتاب المراجعات ، إلاّ وتيقنت تمام اليقين ، بأحقيّة الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في قيادة الأمّة الإسلاميّة ، بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
استطاع صاحب كتاب المراجعات ، أنْ يثبت من خلال النصوص التي استدلّ عليها من مصادر أهل السنّة ، أحقيّة الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في الإمامة العامّة ، باعتباره المؤهّل الأوحد لقيادة الأمّة الإسلاميّة ، وليكون المرجع للأول ، في ما يتعلق بالأحكام الشرعيّة ، ممّا دفع بشيخ جامع الأزهر ، إلى الاعتراف بتوضيحات السيّد ، والإقرار بنتيجة البحث المتداول بينهما في مسألة الإمامة ، من حيث كون الإمامة رديف النبوّة ، ودورها يتجاوز إطار الحكومة ، ليشمل مقام حفظ التشريع الإسلاميّ ، ووجوب التعيين فيها على الله تعالى ، ضرورة تطلبتها مرحلة ما بعد النبوّة ، وبيان ذلك على النبيّ(صلى الله عليه وآله)واجب ، يندرج في إطار التبليغ الموكّل به ، وقد نصّ المولى على ذلك ، وبلّغ نبيّه(صلى الله عليه وآله) الأمّة ، ونصّب عليّاً(عليه السلام) في منصرفه من حجّته المعروفة بحجّة الوداع ، يوم الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة ، في موضع يسمّى غدير خمّ ، قبل أسابيع قليلة من وفاته(صلى الله عليه وآله) ، وقد قام قبل ذلك بنفسه بتهيئة وإعداد الإمام عليّ(عليه السلام)لتلك المهمّة الجسيمة ، فربّاه وعلّمه ورعاه وأحاطه بعنايته الفائقة ، ممّا أثار حفيظة المناوئين ، وأشعل حسد وبغض عدد من الصحابة لعليّ(عليه السلام) ، ولمّا رأى النبيّ(صلى الله عليه وآله) على وجوه الناس ومن خلال أفعالهم ما قذف به صدأ قلوبهم من كراهيّة وحسد وحقد على عليّ وأهل بيته(عليهم السلام) ، حذّرهم تحذيراً شديداً في أكثر من مناسبة ، وبعد كلّ ظهور لذلك الإحساس البغيض ، من ذلك أنّه قال لبريدة الأسلمي : "لا تقع في عليّ ، فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ، وإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي"(1)وزوّجه سيّدة نساء العالمين(عليها السلام) ، بعد أنْ ردّ كلّ من طلبها للزواج ، عندما جاءه أمر الوحي بذلك ، وقال(صلى الله عليه وآله) : "لو لم يكن عليّ ، لما كان لفاطمة كفؤ"(2) وهو الوحيد الذي لم يتأمّر عليه أحد عدا النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، بينما تأمّر هو(عليه السلام) على البقيّة من الصحابة في مواطن عديدة ، وأمر(صلى الله عليه وآله) بغلق كافّة الأبواب المشرّعة على المسجد إلاّ بابه وباب عليّ وفاطمة ، وقد احتجّ منهم من احتجّ على ذلك القرار لكنّه أجابهم بأن الله سبحانه وتعالى أمره بذلك(3) ، وعزل ابن أبي قحافة من إمارة الحجّ وإرسال عليّ(عليه السلام) بدله أميراً دليل على أنّ مسألة الإمارة لا يصلح لها أحد
وعليّ(عليه السلام) موجود(4) ، فكانت كلّ تلك الأعمال والإشارات والبيانات ، تعريفاً بمقام عليّ(عليه السلام) ، وتهيئة للمسلمين بقبوله إماماً وقائداً وعَلَماً عليهم ، يسلك بهم طريق الرشاد ، ويهديهم سواء السبيل .
ومهّد(صلى الله عليه وآله) لعملية تسليم السلطة لعلّي(عليه السلام) من بعده ، بشكل يُهيىء الأمة لتقبل ذلك ، بالنصّ على أفضليته ، وأحقيّته بمنصب الإمامة ، ولياقته بموضع القيادة ، على رأس هرم السلطة ، وخصائصه التي يتميز بها عن غيره ، في عدد من الأحاديث المتّفق على صحّتها ، ومنها قوله(صلى الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام) : "أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أنّه لا نبيّ بعدي" لمّا تركه خليفة له على المدينة ، وخرج لغزوة تبوك ، تحسّباً من مؤامرة المنافقين .
لكنّ الأمّة أبت أن تسمع وتطيع ، وحصل لها ما حصل لبني إسرائيل ، عندما تجاهلوا تعيين موسى لهارون أخاه خليفة له عليهم ، واستضعفوه وكادوا يقتلونه كما صرّح بذلك القرآن الكريم .
ومن المراجعات انتقلنا إلى مطالعة كتاب دلائل الصدق ، للشيخ المظفر(قدس سره) ، فترسّخت قناعاتي ، وتجذّر إيماني بحقيقة أهل البيت(عليهم السلام) ، وصحّة عقيدتهم ، ونقاوة أركانها ، وسلامة بناءها ، ودقّة تحليلها للمسائل ، وإجاباتها المنطقيّة على الإشكالات المطروحة ، وردودها المفحمة على الطاعنين ، فأعلنت تشيّعي ، وأظهرت عقيدتي في الوسط الذي كنت أعيش فيه ، وتحملت المسؤوليّة في نشر الإسلام المحمّدي ، الذي نقله أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) الاثني عشر ، عن جدّهم النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) ، فكان ذلك منطلقاً فعليّاً وبداية مثمرة للدعوة إلى التشيّع الإمامي الاثني عشري ، فلم تمرّ سنوات قليلة حتّى أصبح التشيّع متواجداً داخل أسوار الجامعة التونسيّة ، ومنه إلى الأُسر والقرى والمدن ، رغم قلّة الموارد ، وضيق ذات اليد ، من أن تفي بكلّ متطلّبات الدعوة ، من تنقل وشراء للكتب ، وطبع للدراسات وتوزيعها على الراغبين في مطالعة الفكر النيّر ، لمن أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ...
خاتمة المطاف
الآن وبعد أن انتهينا من جميع إفادات الإخوة الكرام ، يمكننا أنْ نلخّص الأسباب التي دعت الإخوة الحاضرين إلى اعتماد إسلام أهل البيت(عليهم السلام) ، والتشيّع لهم ، وترك ما دونه من أسلام منسوب إلى الصحابة ، وما هو في حقيقته ، غير خليط من حقّ وباطل أسّسه الطغاة من بني أميّة على مدى أكثر من قرن ، سهر على غرسه حكّامهم في أجيال الأمّة ، فنشأ سوادهم على ذلك ، والناس على دين ملوكهم .
وبتتبعنا للحجج التي دفعت بهؤلاء الباحثين إلى اعتبار أنّ الإسلام الشيعيّ الاماميّ الاثني عشري هو الإسلام المحمّدي الصحيح ، الذي لم تشبه شائبة التحريف ، ولا أصابه نزق الظالمين ، نجد أنّ تلك الحجج قد انقسمت في مجموعها إلى محورين أساسيّين : المحور النقلي والمعبّر عنه بالروائي ، حيث اعتمد علماء المسلمين الشيعة فيه على النصوص التي هي عند مخالفيهم ، كأساس أوّل في الاحتجاج ، وهي مقسّمة بدورها إلى قسمين :
القسم العقائدي
وقد أعطى للتوحيد حقيقته ، من حيث ذات الله تعالى المقدسة وصفاته ووضعها موضعها ، وقد سلك مسلكاً تنزيهيّاً واضحاً ، نفى عنه كلّ ما ادّعاه غيرهم من تحقّق رؤيته في الدنيا والآخرة ، ومصاحبته إلى الجنّة ، وأعطوه حقّه في العدل ، بينما نسبه غيرهم إلى الظلم .
كما أعطى الإسلام الشيعيّ النبوّة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام موضعهم الذي يستحقّون ، فنفوا عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) كلّ الروايات المكذوبة ، التي شوّهت الكتب التي تُلقّب بالصحاح ، والتي تمسّ من شخصه وتحطّ من كرامته ، كالادعاء عليه بأنه كان يطوف على نسائه التسع في ليلة واحدة(5) وبغسل واحد(6) ، وتبوّله قائما في سباطة قوم(7) ، وحبّه لسماع الباطل(8) ، ومشاهدته لزينب بنت جحش وهي في حجرتها حاسرة ، فيقع إعجابها في قلبه ، وهي بعد في حبال زيد مولاه(9) . والادّعاء بسحره من طرف يهودي(10) ، وتذكير قارىء له بما نسيه من قرآن(11) ، وأمره لامرأة بإرضاع رجل كبير ; ليصبح ابن زوجها(12) ، وعبوسه لمجيء
أعمى(13) ، ومحاولاته المتكرّرة الانتحار ، عندما ينقطع عنه الوحي ، فينقذه جبريل في آخر لحظة(14) .. إلى غير ذلك من الترّهات والأباطيل التي اعتمدها المخالفون للإمامة الإلهيّة ، كما نفوا ـ أي أهل البيت وأتباعهم ـ عن بقيّة الأنبياء(عليهم السلام) ما نسب إليهم من كذب وظلم ، وأقرّوهم على عصمتهم التي يجب أنْ يكونوا جميعاً عليها ; لضرورة البعثة ، وما تتطلبه من مثال كامل الصفات والخصائص ، لا تشوبه شائبة تعيبه وتعطّل دوره ، وتقلّل من حجّته .
القسم التشريعي
وقد أظهر أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) وعياً كاملا بالشريعة الإسلاميّة ، ودقائق تفاصيلها ، من أبسط الأحكام إلى أعقدها ، بينما تاه غيرهم في مسائل عديدة كالوضوء الذي أوضح القرآن الكريم كيفيّته ، والبسملة في الصلاة ، مفروضة كانت أم مسنونة ، وغير ذلك .
أمّا المحور الآخر فهو :
المحور العقليّ : فقد تميّز إسلام أهل البيت(عليهم السلام) بإعطاء العقل المستنير مكانته في البحث والتحليل والاستنباط ، وفق الشروط المؤهّلة لذلك ، وبفضل العقل أمكن الوصول إلى الحقائق والاطّلاع عليها ، ومن خلال المقارنة والموازنة بين النصوص ، اثبتوا بالعقل ما يجب في التوحيد من تنزيه مطلق ، والنبوّة والإمامة من تعيين وعصمة ، ودفع الشبهات عنهما ..
في أجواء مليئة بالطمأنينة والارتياح ، وفي خاتمة لقاء تميّز بانفتاح قلوب وعقول شاءت لنفسها ، وأراد لها الله سبحانه وتعالى أنْ تسلك طريق الهدى ،اختتمت جلسة الإفادة ، وانفضّ جمعها ، وتفرّق الإخوة المؤمنون منها كلّ إلى جهته ، آملين أنْ تكون لإفاداتهم التي أدلوا بها بخصوص تشيّعهم لأئمّة أهل البيت الاثني عشر(عليهم السلام) ، النتيجة المرجوّة لمن لم يتعرّف على دوافع ترك المسلمين لمذاهبهم التي تعبّدوا بها زمناً ، واعتنقوا بدلها منهج الإسلام الشيعيّ الاماميّ الاثني عشريّ ـ نسبة إلى الأئمة الاثني عشر الذين نصّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)بكونهم أئمّة للمسلمين ـ ظاهرة الانتقال من التسنّن إلى التشيّع ، والتي ظهرت هنا وهناك في مختلف مناطق العالم ، أرّقت وتؤرّق أنفساً وحكومات استوطنت الشرّ وتوطّنت عليه ، فاندفع منها من اندفع مستميتاً ، يطلب إطفاء نور الهداية إلى أئمة الهدى ، وكانت وسائلهم في تلك المخطّطات ، وأدواتهم لبلوغ تلك الغايات ، الادّعاء بالباطل ، واللجوء إلى الكذب الذي استجار به من سبقهم إلى تلك الغايات ، وفي النهاية ، وهنَ عزمهم ، ولم يستطيعوا وقف شي من ذلك المدّ القادم ، ليُحقّ الله الحقّ بكلماته التامّات ، ويتمّ نوره رغم أنوف الظالمين وأعوانهم من الكاذبين ، وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين .


_____________
1-مسند أحمد 5 : 356 ، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 5 : 262 .
2-مقتل الحسين للخوارزمي : 107 ، ينابيع المودّة 2 : 286 ، واللفظ للأوّل .
3-سنن النسائي 5 : 118 ، مسند أحمد 1 : 175 و4 : 369 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 125 .
4-انظر سنن الترمذي 4 : 339 ، سنن النسائي 5 : 128 ، مسند أحمد 1 : 151 .
5-صحيح البخاري 1 : 75 ، 6 : 155 .
6-صحيح مسلم 1 : 171 .
7-صحيح البخاري 1 : 62 ، صحيح مسلم 1 : 157 .
8-إشارة إلى ما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (1: 46) بسنده إلى الأسود التميمي قال : "قدمتُ على النبي(صلى الله عليه وآله) فجعلتُ أنشده ، فدخل رجل طوال أقنى ، فقال ]أي النبيّ[ : امسك ، فلمّا خرج قال : هات ، فجعلتُ أنشده ، فلم ألبث أن عاد فقال لي ]أي النبيّ [امسك ، فلما خرج ، قال ، هات ، فقلتُ : من هذا يا نبيّ الله ، الذي إذا دخل قلت امسك ، وإذا خرج قلت هات ، قال : هذا عمر بن الخطّاب ، وليس من الباطل في شيء" نعوذ بالله من هذا الكلام فرسول الله يحبُّ الباطل وعمر يبغضه ، وما دلّ على حبّ النبيّ للباطل وفعله إيّاه روايات عديدة أخرجها البخاري ومسلم وغيرهم منها ما رواه أبو هريرة ، قال : "بينا الحبشة يلعبون عند النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها ، فقال : دعهم يا عمر" صحيح البخاري 3 : 277 وانظر ما دلّ على غناء الجواري في بيت رسول الله في صحيح مسلم 3 : 21 حيث زجرهنّ أبو بكر وقاله : "أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)" لكن كالعادة فالنبي رفض كلام أبي بكر وقال : يا أبا بكر ، إنّ لكلّ قوم عيداً وهذا عيدنا" . وانظر ايضاً كيف أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)يحمل عائشة وخدّها على خدّه تنظر إلى لعب السودان بالدرق والحراب ، إلى أنْ تكتفي من النظر! في صحيح البخاري 3 : 228 وصحيح مسلم 3 : 22 .
9-انظر تفسير الطبري 22 : 17 ـ 18 .
10-صحيح البخاري 4 : 91، 7 : 28، 30، 164 .
11-صحيح البخاري 6 : 111 .
12-انظر صحيح مسلم 4 : 168 ـ 169 ، باب رضاعة الكبير .
13-سنن الترمذي 5 : 103 ، المستدرك 2 : 514 ، والمسألة محلّ إجماع بين مفسّريهم ، انظر تفسير الفخر الرازي مجلد 11 ، ج31 : 55 .
14-صحيح البخاري 8 : 68 ، مسند أحمد 6 : 233 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page