فلنتأمّل ولنتساءل كم قال الرسول الكريم’ لعلي عليه السلام : >ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس نبيّ بعدي<(1)؟!
لقد طلب الله سبحانه وتعالى إلى موسى الذهاب إلى فرعون وكان متهماً بجرم كبير، وهو قتل رجل من رجال فرعون، فصعب ذلك على موسى وناجى ربّه قائلاً ضارعاً إليه: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴾ (2).
لقد طلب موسى عليه السلام من ربّه أن ينصره بأخيه، وليس بأيّ واحد آخر من الناس، لأنّه أعرف الناس به، وهو الذي أشرف على تربيته وإعداده، وكذلك طلب سيّد الأنبياء’ من ربّه أن يشرح صدره فشرح الله صدره بولاية الإمام علي عليه السلام (3)، ثمّ خاطبه قائلاً: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ (4).
فالوزر هو الحمل الثقيل الذي أحبّ الرسول صلى الله عليه و سلم أن يكون معه في حمله وزيرٌ مؤازر يساعده في حمل هذه الأعباء ويخّفف عنه، وقد اختار الرسول الكريم’ هذا الوزير المؤازر عندما قال لسيدنا الإمام علي عليه السلام : >ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى< فاختاره بذلك أخاً ووليّاً.
وقد نفذ الرسول الكريم’ أوامر ربّه حين قال له: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَْ ﴾ (5)، فقام الرسول بدعوتهم قائلاً: >أيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، ووصيّي، وخليفتي فيكم<.
فلم يستجب له أحد من أهله إلّا علي عليه السلام ، وكان حديث السن، وأعاد الرسول’ الدعوة على مسامعهم أكثر من مرّة فما استجاب له إلّا علي، فأخذ برقبته ثمّ قال: >إنّ هذا أخي، ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا<(6).
ويشهد الله وهو خير الشاهدين على أن علياً عليه السلام هو الوزير والخليفة من بعد الرسول’ إذ يقول: ﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾ والمعنى واضح في ذلك وهو أن الله سبحانه وتعالى قد أزر النبيّ’ بأخيه علي عليه السلام الذي صحبه في جميع حروبه ضدّ المشركين إلّا في حرب تبوك التي كانت حرباً استعراضية بقي فيها علي على المدينة بأمر الرسول’ رغم إلحاحه على الذهاب، وقد قال له الرسول’ عندها: >خلفتك أن تكون خليفتي، قال: أتخلّف عنك يا رسول الله؟ قال: ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي<(7).
وكان إبقاء عليٍ في المدينة لأجل خوف الرسول’ من المرجفين والمنافقين الذين بقوا في المدينة ولم يخرجوا مع رسول الله’، فكانوا يرصدون خروج النبيّ’ لأنّهم كانوا على علاقة وطيدة مع الروم الذين كانوا يترصّدون الهجوم الكاسح على المسلمين.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ (8).
فهذا سبب تخلّف علي عليه السلام على المدينة لأسباب أمنيّة وسياسيّة يعلمها ويعرفها رسول الله’.
____________
1- الشرح ٩٤: ١ - ٣.
2- الشعراء ٦: ٢١٤.
3- تاريخ الطبري ٢: ٦٣.
4- مجمع الزوائد ٩: ١١٠.
5- التوبة ٩: ١٠٧.
الإمامة ومنطق القرآن
- الزيارات: 398