• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الشفاعة

﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ﴾ (1).
إنّ قراءة القرآن الكريم بلا تفكّر أو تبصّر وبلا تفهّم دقيق يعكس على الإنسان أخطاء مهلكة فما أكثر الذين يقرؤونه آناء الليل وأطراف النهار بينما نساؤهم كاسيات عاريات بأخلاق سيئة وأولادهم من غير المؤمنين.
لقد أصبح التعامل مع القرآن الكريم ظاهرياً وسطحي الفهم حتّى لتمرّ معانيه ومفاهيمه أمام أعين الكثيرين كما يمرّ الذهب أمام أعين المتوحشّين يرون بريقه ولا يعرفون قيمته، بينما كان بعض الصحابة في عهد الرسول’ يقفون عند كلّ آية لتيدبّروها وليعرفوا ما الذي تهدف إليه وما الذي تعالجه من مشاكل الدنيا والآخرة يقول تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ (2).
إنّ الذين يقرؤون بفهم يتجذّر في أعماقهم التوحيد والإيمان حتّى ليصبح أحدهم قلعةٌ قوية منيعةٌ على الخرافات والأباطيل والانحراف عن طريق الحقّ، أمّا القشريون وهم كثر لسوء الحظّ فقد أوصلتهم الحالة التي هم فيها إلى الوقوع بأخطاء جسيمة في كثير من الأمور التي تؤدّي إلى الشرك والعياذ بالله، ومن هذه الأمور مسألة الشفاعة.
فنجد الوهابيين على سبيل المثال لا الحصر مع كثير غيرهم من سواد المسلمين واقعين في مستنقع الجهل والبلاء متخبّطين، وكلّ هذا بسبب عدم تدبّرهم لكتاب الله فمنهم مثلاً من يكون اتكالياً بدون سعي أو عمل آخذاً بتفسير خاطئ بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ (3).
للأسف الشديد نجد أكثر الناس يصلي صلاته بلا خشوع وبدون صلة مع الله ولا حضور قلب وهو إذ يكثر من الدعاء في نهاية الصلاة فإنّه بذلك يظنّ أنّ الدعاء مع صلاة تقليدية بعيدة عن الخشوع له قبول أو ثمر.
إنّ الدعاء وسيلة من الوسائل لإزالة الموانع العائقة ولكن بشرط العمل، وكلّ عمل يحتاج إلى تسديد السماء، فإذا عملت عملاً فادعُ الله بعد ذلك أن يقبله لأنّ العمل يحتاج إلى صفاء الربط بين العبد وربّه وهكذا هي الشفاعة التي غرق بجهلها وعدم معرفتها كثير من الناس فأصبحوا يضعون اعتمادهم وتوكّلهم على الأولياء ظنّاً منهم أنّ أولئك الأولياء والأئمة يؤثرون في قانون الله وفي عدله ويعتقدون أنّ رحمة الشفيع ورأفته تغنيهم عن رحمة الله فيجعلون توجّههم وخشوعهم كلّه للولي وهذا ما يوصل الإنسان إلى الشرك بالله.
وقال تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ (4)، ويقول تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلهِ ﴾ (5).
يقول الوهابيون: إنّه لا يجوز التوجّه إلى أي ولي سواءً كان ميتاً أم حياً لأنّهم ينكرون الوسيلة أمّا نحن فنقول إنّ التوسّل بالنبي والرسول والولي إنّما هو توجه بالقلب والعقل إلى الله سبحانه وتعالى قائلين اللّهم بحقّ هذا الذي اخترته واصطفيته أن تغفر لنا وأن ترحمنا وأن تجعلنا تحت لوائه يوم القيامة.
إنّ من يتصوّر أنّ للشفيع تأثيراً على الخالق سبحانه وتعالى وأنّه يستطيع أن يحول الغضب إلى رحمة فهذا الظنّ هو الشرك بعينه لأنّه سبحانه لا يقبل الانفعال ولا ينطبق عليه تغيير الحال ولأنّ القانون الإلهي يفقد معناه فتفرغ الشفاعة من محتواها الحقيقي.
الشفاعة على قسمين:
١) شفاعة عادلة وسليمة ولها وجود.
٢) شفاعة غير صحيحة ومرفوضة وليس لها وجود.
أما الشفاعة العادلة: فهي التي تحفظ وتحافظ على القانون الإلهي وتؤيّده مثلا: الرسول الكريم أدّى الأمانة، وبلّغ الرسالة، وجاهد في سبيل الله، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، ونفذ بكلّ صدق وايمان أوامر ربّه حتّى أوصلها إلى قلوب الناس، وما دام ذلك كذلك فهذا الرسول حكماً سيكون في رحمة الله العادلة حيث لا يضيع ميزان الحقّ الدقيق مثقال ذرّة، إنّ كلّ من يقتدي برسول الله وينفذ أوامره التي هي أوامر الله فهو مع الرسول.
يقول تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾ (6) إذاً على من يريد أن يكون له الرسول شفيعاً أن يعمل بعمله وأن ينفذّ أوامره وأن يسير سيرته ليكون معه عند الله لكن الذي يصعب عليه هذا يعمد إلى النفاق والمداهنة ويسلك طريق الخرافات التي لم يأتِ بها رسول الله’ ويلتفت إلى تقلّد الأمور الدنيوية التي تؤمّن له المصلحة والجاه والمال بعيداً عن شريعة محمّد’ ثمّ يطلب الشفاعة فهذا لن ينالها وشفاعته مردودة غير مقبولة من الله سبحانه لأنّه لا يستحق أن يكون شفيعاً بعد أن خالف الله ورسول الله٧.
يظنّ بعض الناس ظنّاً خاطئاً أنّ شفاعة الرسول والأئمة^ قادرة على تغيير الحكم والإرادة الإلهية وهذا ضلال مبين إذ يجب على الذي يؤمن بالله ورسوله أن ينبذ مثل هذا الظنّ وأن يتوجّه إلى الله طالباً منه قبول عمله بشفاعة محمّد وآل بيت محمّد ويشترط أن يكون التوجّه خالصاً لله فقط، وعلى هذا فليست الوسيلة شركاً كما يقول الوهابيون أو كما يفهمها أو يستعملها الجهلاء من السنّة والشيعة الذين يظنّون أنّ الرسول صلى الله عليه و سلم والأئمة عليهم السلام والأولياء قادرون على التأثير في قانون الله وعدله... عندها يكون توجّههم للرسول وليس لله وهذا التوجّه خاطئ ومرفوض إنّ طريق الجهاد والصبر والثبات والعمل الصحيح بما يأمرنا القرآن هو الشفاعة بالذات لأنّ ذلك هو سلوك وعمل الرسول’ ويقول تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ (7).
بمعنى أنّ كلّ من قلّد الإمام أو القائد المستقيم العامل بأمر الله يكون معه يوم القيامة في جمع واحد وتحت لواءٍ واحد.
الشفاعة المرفوضة: وهي أن الذي يتبع كلّ ناعق ويميل مع كلّ ريح فإنّه وإن صام وصلّى وحجّ وزكّى سيبقى عمله غير صحيح وغير مقبول ذلك لأنّه أطاع أئمّة الضلال والبدع والخرافات ولم يفتح قلبه وفكره للحقيقة تلك الحقيقة الثقيلة جدّاً عند أولئك الذين ذكرهم الله في كتابه بقوله: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴾ (8).
إنّ الذين يعرفون الحقّ ولكنّهم بسبب ما يضلّون غيرهم فإنّما مثلهم كمثل فرعون، وهم علماء السوء وعلماء البدع المتعصّبين للضلال الذين يعرفون القول ولا يتبعون أحسنه، قال تعالى: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ (9).
أولئك الذين لا يقلّدون آباءهم وعلمائهم وبيئتهم تقليداً أعمى ولكنّهم يسمعون جميع الأقوال والآراء فيتبعون الأحسن والأفضل ولو كان صعباً مرّاً.
يقول الإمام علي عليه السلام : >من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ<(10).
إذن: التعصّب في العلم بما ينافي الحقيقة وبما لا يرضي الله عملٌ باطل وجريمة يؤاخذه عليها الخالق يوم القيامة.
النتيجة: لو نسبنا الشفاعة إلى الله وحده وهو منبع الرحمة والخير لسمّيت مغفرة وإذا نسبناها إلى الوساطة بالإتباع شرط التطبيق والعمل الصالح سمّيت شفاعة.
لكلّ نبي وإمام وولي شفاعة صحيحة لأنّ عمله صحيح فالتوسّل به مقبول لمن قلّده بالعمل الصحيح. يقول الله تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ (11)، ﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾ (12)، ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (13)، وهذه تؤكّد أنّ الشفاعة كلّها لله وأنّ الله هو الذي يجعل الشفيع شفيعاً لأنّه اختاره، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ (14)، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾ (15).
>إنّ الأرض أجدبت إجداباً شديداً على عهد عمر زمن الرمادة سنة سبع عشرة فقال كعب يا أمير المؤمنين إنّ بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء فقال عمر: هذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنوء أبيه... فقال: اللّهم إنّا قد توجّهنا إليك بعم نبينا وصنو أبيه فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ثمّ قال عمر: يا أبا الفضل قم فادع فقام العباس فقال بعد حمد الله تعالى والثناء عليه: اللّهم إنّ عندك سحاباً وعندك ماء فانشر السحاب ثمّ انزل الماء منه علينا...<.
فهو دليل على أنّ رحمة الشفيع هي من رحمة الله وهذا يخرج القلوب من شرّ اليأس والقنوط لأنّ الاعتقاد بمغفرة الله يحي الأمل والاعتقاد بالشفاعة يحي القلوب.
إنّنا عندما نقول: الإمام علي عليه السلام شفيعنا أو الإمام الحسن أو الإمام الحسين أو الإمام الباقر عليه السلام فذلك لا يعني أنهّم هم الذين يغفرون لنا أو أنّها يؤثّرون في عدل الله وحكمه فيشفعون للمذنبين كما يحلوا لهم بل ذلك لأنّهم سلكوا طريق الرسول وطبّقوا ما جاء به والتزموا بأحكام القرآن كما أمرهم الله ورسوله فأعطاهم الله مقام الشفاعة وأصبحوا جديرين بلقب الإمامة وهم الذين قال فيهم القرآن الكريم: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ (16).
إنّهم أئمة الهدى وقادة الناس في الدنيا والآخرة ؛ لأنّهم يمثّلون شخصية رسول الله، وعلى هذا فيجب على كلّ إنسان أن يبحث عن إمامه ؛ لأنّه هو صراطه في الدنيا وسبيله إلى صراط الآخرة، وأنّ أهل البيت هم هذا الصراط المستقيم كما ذكر في سورة الفاتحة.
ففي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني بإسناده عن أبي بريدة في قول الله تعالى: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾ (17) قال: صراط محمّد وآله(18).
وفيه أيضاً بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: >إنّ الله جعل علياً وزوجته وأبناءه [وابنيه] حجج الله على خلقه، وهم أبواب العلم في أمّتي، من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم<(19).

____________
1- التوبة ٩: ١١٥.
2- ص ٣٨: ٢٩.
3- البقرة ٢: ١٨٦.
4- البقرة ٢: ٤٨.
5- الانفطار ٨٢: ١٩.
6- الحشر ٥٩: ٧.
7- الإسراء ١٧: ٧١.
8- هود ١١: ٩٨.
9- الزمر ٣٩: ١٧ - ١٨.
10- نهج البلاغة ٤: ٤٢/ ١٧٣.
11- الأنبياء ٢١: ٢٨.
12- يونس ١٠: ٣.
13- الزمر ٣٩: ٤٤.
14- المائدة ٥: ٣٥.
15- النساء ٤: ٦٤.
16- الإسراء ١٧: ٧١.
17- الفاتحة ١: ٦.
18- شواهد التنزيل ١: ٧٤ حديث٨٦.
19- المصدر السابق: حديث٨٩.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page