• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام الجواد عليه السلام

الحمد لله الذي شرح صدورنا بمعارف القرآن ونوّر قلوبنا بضياء الفرقان وأرشدنا إلى معالم الإسلام وهدانا إلى متابعة السنن والأحكام وبعث الأنبياء ليبين عدله ونصّ الأوصياء ليظهر فضله ونشكره على جزيل نعمائه ونحمده على مزيد آلائه.
أما بعد فنحن معشر الفقراء إليه تعالى نقول: بعد أن مضى المصطفى صلى الله عليه وسلم وآله إلى جوار ربّه خلّف للمسلمين القرآن والعترة قائلاً: ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً وأمر الناس باتباعهما وقال: إنّهما لا يفترقان حتّى يردا عليَّ الحوض، وما زال يوصي بهما حتّى وافته المنية(1).
لقد خصّ الله سبحانه وتعالى بالفضائل أهل البيت ونزهّهم عن النقائص وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ (2).
وتدلّ هذه الآية الشريفة على أنّ أهل البيت مطهّرون من جميع الأرجاس، وهم صفوة عباده وخيرتهم الذين فرض مودّتهم على المسلمين بقوله تعالى: ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ (3).
فهم الشجرة الطيبة والغمامة الصبيبة، والعلم الزاخر، والبحر الذي ليس يدرك له آخر. إذا عدت الفضائل فهم بنوا نجدتها وإن ذكرت المعالي فهم بنوا بجدتها أو دارت الحرب فهم الأقطاب أو تحاورت المقاول فهم فصل الخطاب، ومن هذه العترة الطاهرة والشجرة الطيبة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء الإمام الطاهر >الجواد< عليه السلام ، وإنّنا نسوق الكلام هنا لإيضاح المركز الهام الذي رسمه الله سبحانه بتنصيب الإمام للمسلمين بعد الرسول الأعظم’.
ولنبيّن الأمر الثابت والحقيقي من خلال غربلة الأحداث التاريخية ودراستها دراسة موضوعية واعية لنستطيع السير بوعي كامل على نهج القرآن والعمل بالسنّة المطهرة، ولنكون أُمّة واحدة كالجسد الواحد تترسم خطى نبيها العظيم’ وتتبع الدستور القرآني النيّر ؛ لأنّ الظلم الذي حلّ بتاريخ الإسلام المشرق ونزل بساحة سنّة النبي العظيم، والأئمة المعصومين كان أفدح ظلم وأقبح عمل مرّ بتاريخ البشرية لأنّ الظالمين حالوا دون ظهور حقائق الإسلام، وعملوا على أن لا يتركوا موضع قدم للإمامة في حقّ الخلافة الإسلامية المنصوص عنها من قبل الله ورسوله كما قال سبحانه: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ (4)، وقوله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ (5).
حياة الإمام الجواد عليه السلام : ولد الإمام في شهر رمضان عام١٩٥ﻫ في المدينة المنورة وتوفي سنة٢٢٠ﻫ في بغداد(6) بعد أن دسّ له الخليفة العباسي المعتصم السم في طعامه وقتله(7).
والدته السيدة سبيكة النوبية(8) ويقال إن الرضا عليه السلام سماها خيزران(9).
في عقيدتنا الإمام الذي يختاره الله لكي يكون قدوة صالحة يقتضي أن يكون كاملاً من جميع الوجوه بعيداً عن النقص والعيب في الفكر أو الجسم، ويذكر أن الإمام الرضا عليه السلام كان قد بلغ السابعة والأربعين ولم يرزق بولد فشدّ ذلك انتباه الناس وحرّك الألسن بالقول إنّه عقيم لن يكون له ولد معتبرين إن هذا نقص في عدد الأئمة الاثنى عشر وراحت الحيرة بالناس حتّى >كتب ابن ياما إلى أبي الحسن عليه السلام كتاباً يقول فيه: كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟! فأجابه أبو الحسن الرضا عليه السلام - شبه المغضب -: وما علمك أنّه لا يكون لي ولد؟! والله لا تمضي الأيّام والليالي حتّى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرق به بين الحق والباطل<(10).
أمّا أتباع الإمام المخلصون فكانوا يعيشون حالة انتظار وارتقاب؟
منتظرين مقدم المولود، وجاءت الليلة المباركة التي ولد فيها الإمام الجواد عليه السلام وقد قال والده فيه: >هذا المولود الذي لم يولد أعظم على شيعتنا بركة منه<(11) عندها ذهبت ادعاءات الواقفية أدراج الرياح وذابت ذوبان الملح في الموجة الهادرة.
>الواقفية: وهم كل من وقف في الإمامة على موسى بن جعفر عليه السلام وينكر موته ويدّعي أنّه قائم الأئمة عليهم السلام <(12).
عاش الإمام الجواد عليه السلام طفلاً تحت رعاية والده الإمام الرضا عليه السلام كما يعيش الورد على كنف الينبوع فنهل من والده العلوم كلّها، وخصّته البركة الإلهية بالإيحاء القلبي النوراني الذي أعطاه الله لأئمة الهدى ليغدوا سيّداً وإماماً:
سبق الدهر كله في حيائه    ومشى الدهر خادماً من ورائه
عندما بلغ الإمام الجواد عليه السلام الخامس من عمره استدعى الخليفة العباسي المأمون الإمام الرضا إلى خراسان وأعلن للناس أنّه وليٌ لعهد الخلافة من بعده ذلك لأن المأمون أراد بذلك مآرب متعدّدة منها إخماد ثورات الذين يحبّون أهل البيت. ترك الإمام الرضا المدينة مرغماً مستجيباً لأمر الخليفة وتوجّه إلى خراسان تاركاً طفله الإمام الجواد الذي ارتقبته القلوب كثيراً، تركه وعمره خمس سنوات ولكن بعد أن غرس فيه كلّ ما يمكن غرسه، وكان هذا الولد من ضياء الله العجيبة علماً ومعرفة فهو مذ كان بهذا العمر والناس تحيط به وتسأله وتقرّ بإمامته بعد أبيه وراح والده يغذيه من خراسان عن طريق الرسائل التي يقرأها الطفل بتبصّر وإمعان فيزداد بها علماً ومعرفةً في كلّ وجه من وجوه الدين والحياة، وكان من وصاياه في رسائله لابنه:
>يا أبا جعفر... فإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة ثم لا يسألك أحد شيئاً إلّا أعطيته... إنّي أريد بذلك أن يرفعك الله، فأنفق ولا تخش من ذي العرش اقتاراً<(13).
وكان والده يعدّه ويربيه وهو بعيد عنه في المدينة ثلاث سنوات حتّى قصد ذات الطفل المبارك الناس من كلّ حدب وصوب، يسألونه عن غوامض الأمور وأعقدها فيجيب بأسرع الإجابات وأحكمها، وكان العلماء يقفون حيارى أمام إجاباته فيتعلّمون منه ويبدون له كلّ تجلة واحترام.
زوّج المأمون بنته أم حبيب لوالد الجواد عليه السلام (14) ليعلن للناس حبّه ومودّته لأصحاب أهل البيت، لكنّه عندما رأى شدّة افتتان الناس بالرضا ومحبّتهم له دسّ له السم في الطعام فقتله(15). ثم انتقل إلى بغداد سنة٢٠٤ﻫ(16)، والمأمون كان يتخوف من الإمام الجواد عليه السلام ومن حب الناس له كما تخوف من قبل من أبيه الرضا فاستدعاه من المدينة المنورة إلى بغداد حيث نظم له الخليفة هناك استقبالاً عظيماً محاولاً أن يستميل قلبه إليه وطلب إليه أن يزوجه ابنته الأخرى أم الفضل كما زوج أباه من إختها واعترض كثير من المنافقين من بني العباس قائلين: >إنّه صبيّ لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدب ويتفقّه في الدين ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك فقال لهم: ويحكم إنّني أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله ومواده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايات الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر<(17).
فامتحنوه وعرفوا قدره ومكانته وتمّ زواجه بأمّ الفضل ابنة المأمون، لكنّه لم يطق البقاء في قصور بغداد حيث الترف واللهو والبذخ فعزم على الرحيل إلى المدينة المنوّرة.
دخل حسين المكاري عليه ببغداد فلمّا رأى طيب حاله قال في نفسه لا يرجع أبداً إلى موطنه، فقال: >خبز شعير وملح جريش وحرم الرسول أحبّ إلي مّما ترى<(18).
وذهب إلى المدينة ليواصل فيها أداء مسؤولياته الخطيرة حيث أنشأ مدرسة فكرية فأتت جامعة لكل العلوم حتّى وفاة المأمون الذي استلم الخلافة من بعده المعتصم العبّاسي الذي أشخص الإمام من المدينة في مطلع عام٢٢٠ﻫ إلى بغداد(19).
وكان المعتصم عارفاً بمحبّة الناس للإمام وأنّه خطر على ولايته فخبث ظنه وبدأ يفكّر في كيفية يقتل بها الإمام الجواد وأخيراً دسّ له السمّ في الطعام وقتله(20). مطفئاً بذلك المشعل الوهّاج بظلم، تاركاً أمة الإسلام تندب وتبكي إمامها المقتول مثلما الأرض تبكي مغيب الشمس.
إمامته: مفهوم الإمامة في عقيدة الشيعة يختلف عنه عند الآخرين فهو يعني الخلافة المطلقة لشخص الرسول’ وعلومه ومعارفه ومؤهّلاته وصلاحياته ومسؤولياته (صورة كاملة للنبوة) بفارق واحد أن الإمام لا يوحى إليه بينما النبي يوحى إليه، فلا نبوة بدون وحي، ومع أنّ الإمام لا يوحى له إلّا أنّه صورةٌ كاملةٌ ولكن مصغّرة عن النبي، وكما تصحّ النبوة للصبي كذلك الإمام تصحّ للصبي فالعمر ليس مقياساً عند الله كما هو عند الناس، وليس الطاعن في السنّ هو العظيم دائماً، فربَّ شيخ بغيض عند ربّه، ورُبَّ طفل أو شاب محبوب عند بارئه، النية الصالحة والعمل الصالح هما المقياس الأول في منطق القرآن.
وقد بيّن سبحانه وتعالى للبشرية ما أدهشها عندما بعث الله يحيى نبياً وهو صبي، ليدرك الناس معنى النبوة، وأنّها ليست موهبةً عادية تتبع الشروط البيئية والتربوية وإنّما هي خرق للمألوف، خرق لسنّة الكون، ونداءٌ جديد ليس يشابهه نداء ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ (21).
عن صفوان بن يحيى أنّه قال: >قلت للرضا عليه السلام قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول: >يهب الله لي غلاماً< فقد وهبه الله لك وقرّ عيوننا به، فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر - وهو قائم بين يديه - فقلت له: جعلت فداك، وهذا ابن ثلاث سنين قال: وما يضرّ من ذلك، قد قام عيسى بالحجّة وهو ابن أقل من ثلاث سنين<(22).
آية: ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ (23).


____________
1- انظر مسند أحمد ٣: ١٤ و١٧ و٢٦ و٥٩ وسنن الدارمي ٢: ٤٣٢ وفضائل الصحابة: ١٥ و٢٢ والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٠٩ و١٤٨.
2- الأحزاب ٣٣: ٣٣. نزلت في رسول الله’ وعلي وفاطمة والحسن والحسين^، وقد تواترت النصوص عليه من الفريقين: مسند أحمد ١: ٣٣١ و٣: ٢٥٩ و٢٨٥ و٤: ١٠٧ و٦: ٢٩٢ وصحيح مسلم ٧: ١٣٠ وسنن الترمذي ٥: ٣٠، حديث٣٢٥٨ وكمال الدين: ٢٧٤ - ٢٧٨، حديث٢٥ وفيه أنّ رسول الله’ قال لأم سلمة: >أنت على خيرٍ، إنّما أنزلت فيّ وفي أخي (علي) وفي ابني الحسن والحسين وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصّة ليس معنا أحد غيرنا<.
3- الشورى ٤٢: ٢٣. نزلت في علي وفاطمة وأبنائهما، المعجم الكبير للطبراني ٣: ٤٧، حديث٢٦٤١.
4- النساء ٤: ٥٤.
5- الأنعام ٦: ٨٩.
6- الإرشاد ٢: ٢٧٣.
7- تفسير العياشي ١: ٣١٩ - ٣٢٠، حديث١٠٩.
8- الإرشاد ٢: ٢٧٣.
9- تاج المواليد: ٥٢.
10- الكافي ١: ٣٢٠، حديث٤.
11- الإرشاد ٢: ٢٧٩.
12- رياض المسائل ٩: ٣٢٥.
13- الكافي ٤: ٤٣، حديث٥.
14- تاريخ الطبري ٧: ١٤٩.
15- الإرشاد ٢: ٢٧٠.
16- تاريخ الخلفاء: ٣٠٧.
17- الإرشاد ٢: ٢٨١ - ٢٨٤.
18- الصراط المستقيم ٢: ٢٠٠، حديث٧.
19- الإرشاد ٢: ٢٨٩.
20- تفسير العياشي ١: ٣١٩ - ٣٣٢، حديث١٠٩.
21- مريم ١٩: ١٢.
22- الإرشاد ٢: ٢٧٦.
23- القصص ٢٨: ٥.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page