• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام الهادي عليه السلام

قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ (1).
لفظة ﴿ إِنَّمَا ﴾ هي من أقوى أدوات الحصر والتوكيد، وقد أكّدت إرادة الله سبحانه وتعالى في إذهاب الرجس من أهل البيت^ الذين هم أهل الكساء لا أهل القرابة والنساء. إنّ الله سبحانه وتعالى يعلم أنّ إرادة هؤلاء المطهّرين لا تجري إلّا وفق ما شرّعه لهم من أحكام وهم على ما هم فيه من الإمكانيات الذاتية والمواهب المكتسبة نتيجة لتربيتهم وفق تعاليم الشريعة وقد استوعبوا أحكامها علماً وخبرة، وهم الذين أفاض الباري عليهم من لطفه وتخصيصه فما يريدون لأنفسهم شيئاً من دنس الدنيا وشوائبها ومتاعها الغرور، وبهذا يتضح معنى اصطفاء الخالق جلّ وعلا لهم واختيارهم للقيام بحمل الرسالة المقدّسة. يقول سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ﴾ (2).
قال أبو نؤاس:
مطهرون نقياتٌ ثيابهمُ    تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علوياً حين تنسبهفما له من قديم الدهر مفتخرُ فالله لما برى خلقاً فأتقنهصفّاكمُ واصطفاكم أيّها البشرُ وانتم الملأ الأعلى وعندكمُعلم الكتاب وما جاءت به السورُ(3)
إذا كانت العظمة هي قوة الإرادة وشرفها وردع النفس عن الهوى امتثالاً لأوامر الله فإنّ في هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلى العصمة التي نزلت بحقّ أهل البيت من اصطفاهم ربّهم لقيادة الدين والدنيا فهم أهل الكساء الذين دعا لهم رسول الله بعد أن جللّهم بكساء وقال: >اللّهم إنّ هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً<.
ثمّ جاءت زوجه أم سلمة فرفعت الكساء محاولة أن تدخل معهم إلا أن الرسول الكريم’ جذبها قائلاً: إنّك إلى خير<(4).
ونحن اليوم نستضيء باليسير من سيرة الإمام العاشر من أئمّة أهل البيت علي الهادي عليه السلام ابن الإمام محمّد الجواد عليه السلام .
ورث الإمام هذه القيادة الرشيدة من والده الجواد عليه السلام الذي انتهى إليه ميراث رسول الله’ بقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ (5).
وكذلك كان كلّ من استلم منصب الولاية الإلهية ميزاناً للحق وفرقاناً ونوراً يضيء للناس دروبهم إذا تشابهت عليهم المذاهب واختلفت عندهم السبل والآراء. تميّز الإمام الهادي عليه السلام بالقدرة على قيادة الخطّ الرسالي على جميع الأصعدة وذلك بالرغم من الإرهاب العباسي الذي كان قد توسّع في إيذائه لأهل البيت وخاصّةً في فترة الصراع الذي دار بين الأخوين الأمين والمأمون، وعندما أراد المأمون تزويج ابنته أم الفضل إلى الإمام الجواد والد الإمام الهادي ثارت ثائرة بني العباس وقالوا كيف تزوج صبيّاً في التاسعة من عمره وهؤلاء أعداؤنا ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه فإنّا نخاف أن تخرج به عنا أمراً قد ملكنا إياه الله وتنزع منّا عزّاً قد لبسناه، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً(6).
وراحوا يحاولون بكل الأساليب ويصبون حقدهم وحنقهم على أهل البيت وعلى الإمام الذي برز بعد أبيه، وكان الإمام الرضا عليه السلام ضحية لهذا الخلاف بين الأخوين من جهة وبين حقد المنافقين للسلطان من جهةٍ أخرى خوفاً على كراسيهم ومكانتهم، لا يمكن أن نعمد إلى تشخيص كلّ إمام على انفراد، وكذلك خطّ الإمامة وامتدادها في العمل ليس أمراً عفوياً ولا قضية يضعها يقنّنها الأتباع كما يصنع أفراد القبيلة في أعراف الزعامة المتوارثة، بل إنّه كان امتداداً وتتابعاً مرتبطاً باللطف الإلهي وبقضية الشريعة والأُمّة الإسلاميّة فكان كلّ إمام من خلال الظروف التي تحيط به يحاول بكلّ جهده أن يقوم بدوره وأن يكون محور الصراع ومركز الصدارة وموقع المرجعية والإمامة العلمية بحيث لم يكن ليجهلها أو ينكر عليهم ذلك أحد لا من الحكّام ولا من العلماء ولا حتّى من عامة الناس.
فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام تحمّلوا دور الكفاح المسلّح والصراع السياسي المباشر من موقع الخلافة أمّا زين العابدين السجاد والباقر والصادق عليهم السلام فقد كانت مواقفهم ومهامّهم مختلفةً في بعض جوانبها عن آبائهم إذ اتجهوا نحو العلم والمعرفة فنشروا معارف الإسلام وبيّنوا للناس واجب الجهاد وفضيلته.
أمّا الإمام الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام فقد كان دورهم السياسي أكثر وضوحاً ومثّلوا المرحلة الثانية من حياة أهل البيت^.
عودة إلى الإمام الهادي عليه السلام فقد بدأت إمامته وحياته السياسية في أواخر عهد المعتصم العباسي الذي تولّى الخلافة سنة٢١٨ﻫ وتوفى سنة٢٢٧ﻫ ونقل مركز خلافته إلى مدينة بناها على بعد١٢٠كم إلى الشمال من بغداد سمّاها سُرّ مَنْ رأى(7).
بعد المعتصم عاش الإمام الهادي عليه السلام في عهد ابنه الواثق بالله تولّى الخلافة في عام٢٢٧ﻫ وتوفي في نهاية عام٢٣٢ﻫ(8).
هذه الفترة أو الفرصة سمحت للإمام أن يتفرّغ للعلم والتدريس وهو في سنّ الشباب رافعاً مشعل رسالته قائداً للناس في درب الحقّ والفضيلة بينما تتلاعب بالدولة الحاشية والقادة من الأتراك، وتمتلئ القصور بالجواري والمغنيّن وأجواء الفساد.
لقد اغتنم الإمام هذه الفرصة وركزّ كلّ جهوده على دور العلم واستطاع بذلك أن يزرع الوعي والمعرفة الحقّة عند الناس، وأن يكتسب الكثير من الأتباع إلى أن جاء حكم الخليفة المتوكّل وقتل سنة٢٤٧ﻫ وقد كان أشدّ أهله عداوةً لأهل البيت فقد هدّم قبر السبط الشهيد الحسين بن علي عليه السلام سنة٢٣٢ﻫ وهدم ما حوله من الدور وأمر أن يعمل مزارع، ومنع زيارة قبره الشريف(9)، وأمر بسجن كلّ من يزوره ثمّ أمر بمنع العطاءات وقطع الحقوق عن أهل البيت من دون الناس جميعاً لعلّهم يموتون جوعاً.
وضيّق الحصار على الإمام علي الهادي عليه السلام وأمر بجلبه سنة٢٤٣ﻫ من المدينة إلى سامراء وبقي فيها إلى شهادته سنة٢٥٤ﻫ(10).
>وإنّما أشخصه المتوكّل من مدينة رسول الله صل الله عليه وسلم لأن المتوكّل كان يبغض علياً وذرّيته فبلغه مقام علي [الهادي] بالمدينة وميل الناس إليه، فخاف منه، فدعا يحيى بن هرثمة وقال: اذهب إلى المدينة وانظر حاله وأشخصه إلينا.
قال يحيى: فذهبت إلى المدينة فلمّا دخلتها ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس مثله، خوفاً على عليّ، وقامت الدنيا على ساق ؛ لأنّه كان محسناً إليهم، ملازماً للمسجد، ولم يكن عنده ميل إلى الدنيا.
فلمّا قدمت به بغداد بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري - وكان والياً على بغداد فقال لي: يا يحيى، إنّ هذا الرجل قد ولده رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتوكّل من تعلم، فإن حرّضته عليه قتله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمك يوم القيامة، فقلت: والله ما وقعت منه إلّا على أمر جميل...
فلمّا دخلت على المتوكّل فسألني عنه، فأخبرته بحسن سيرته ؛ وسلامة طريقته ؛ وورعه وزهادته، وإنّي فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم وإنّ أهل المدينة خافوا عليه، فأكرمه المتوكّل... وأنزله مدينة سُرّ مَن رأى<(11).
وفي سامراء قام العبّاسيون بتشديد الرقابة والتضييق على الإمام واتباعه وكانوا يهاجمون داره متّى شاؤوا متهمينه بوجود أسلحة في داره لكن العناية الإلهية كانت ترعى الإمام رغم أنوف الظالمين ورأس الفساد والفاسدين(12).
وقتل المتوكّل سنة٢٤٧ﻫ ابنه المنتصر الذي خفّف الحصار عن العلويين وسمح بزيارة قبر الحسين عليه السلام وأعاد أرض فدك(13).
وبعد وفاته٢٤٨ﻫ استلم المستعين بالله الذي كثرت في عهده الخلافات والفتن الداخلية والتي كان من نتيجتها فتح السجن الرهيب في سامراء وخروج المظلومين منه(14).
كانت وفاة الإمام علي الهادي عليه السلام سنة٢٥٤ﻫ في داره التي دفن فيها(15)، وله مزار شامخ هناك يأمّه الأحباب والأتباع زائرين ذاكرين حتّى يومنا هذا.
والدته جارية اسمها سمانة المغربية(16) كانت من القانتات الصالحات، وأولاده كانوا أربعة من الذكور وبنت واحدة(17).
مما تقدّم نرى أنّ طبيعة الحكم العبّاسي في سلوكيته وأخلاقيته وصلت إلى حالة من الخلافات والتدهور والانحطاط إلى درجة لم تصل إليها الفترات السابقة فالابن يقتل أباه من أجل الخلافة، والأخ يؤتى له برأس أخيه من أجلها كذلك، وعمّت الفتن والجرائم والفوضى وكان التخلّف هو الحالة العامة المسيطرة على عموم الناس، ولذلك كانت مهمّة الإمام الهادي عليه السلام مهمّة كبيرة وصعبة تحتاج إلى الذكاء والفطنة السياسية الحكيمة والإقدام الشجاع للتوجيه وإعادة الناس إلى الخطّ الرسالي الصحيح مثل الإمام في ذلك مثل كلّ الأئمّة من قبله في الحكمة السياسية والدعوة إلى الهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


____________
1- الأحزاب ٣٣: ٣٣.
2- آل عمران ٣: ٣٣ - ٣٤.
3- عيون أخبار الرضا ٢: ١٥٥.
4- مسند أحمد ٦: ٢٩٢ و٣٠٤. وانظر: سنن الترمذي ٥: ٢٩ - ٣٠، حديث٣٢٥٨ والمستدرك للحاكم ٢: ٤١٦ وكتاب سليم: ٢٠٠ وكمال الدين وتمام النعمة: ٢٧٤ - ٢٧٨، حديث٢٥.
5- فاطر ٣٥: ٣٢.
6- الاختصاص: ٩٨.
7- تاريخ الخلفاء: ٣٣٤ - ٣٣٥.
8- المصدر السابق: ٣٤٤.
9- المصدر السابق: ٣٤٧.
10- الإرشاد ٢: ٣٠٩ - ٣١٢.
11- تذكرة الخواص ٢: ٤٩٣ - ٤٩٥.
12- تذكرة الخواص ٢: ٤٩٦ - ٤٩٧.
13- تاريخ الخلفاء: ٣٥٦ - ٣٥٧.
14- المصدر السابق: ٣٥٨.
15- الإرشاد ٢: ٣١١.
16- بحار الأنوار ٥٠: ١١٤.
17- الإرشاد ٢: ٣١١ - ٣١٢.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page