• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التواجد في مواضع التهم

في وصيّة الإمام زين العابدين عليه السلام لولده الباقر عليه السلام قال له
" يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقلت: يا أبه من هم؟ قال: إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب.
وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة أو أقل من ذلك.
وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه.
وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك.
وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع.."

تمهيد
إذا كانت المستحبّات سياجاً للواجبات، بحيث إنّ الإنسان المؤمن إذا حافظ عليها، وأتى بها مهتمّاً بالقيام بما استطاع منها، فإنّه بطريق أولى لن يقصّر في أداء الواجبات، كذلك فإنّ المكروهات سياج المحرّمات، وبالتالي إذا هتك الإنسان المؤمن ستر المكروه، ولم يبالِ بفعله فلربما تزلّ قدمه أحياناً، فيبادر إلى ارتكاب بعض المحرّمات.
ومن المسائل الخطيرة والابتلائيّة عند بعض المؤمنين، كما هو مشاهد في زماننا الحاضر، تواجدهم ووضع أنفسهم في مواضع وأماكن وحالات لا ينبغي لهم التواجد فيها، تارةً من ناحية شخصيّة، وأخرى بما يحمله من عنوانٍ ومسؤوليّة، وقد عبّرت الروايات الشريفة عنها بمواضع التهمة، وها هو أمير المؤمنين عليه السلام يوصي ولده الحسن عليه السلام بقوله: "إيّاك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء"1، وربما يعود السبب في توقّي مواضع الشبهة والتهمة إلى أمور منها

1- الانجرار للمعصية
إنّ هذه الأماكن قد تدفع هذا الإنسان بسبب وجود الشبهات والمحرّمات أحياناً إلى الوقوع فيما لا يُحمد عقباه، وبالتالي فلا يلومنّ إلّا نفسه كما ورد في الخبر الشريف.
2- اتهامه بالمعصية
أنّها مدعاة لاتهامه من قبل من يراه وشيوع ذلك بين الناس، وحينئذٍ لن ينفع التبرير والإعتذار.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "اتّقوا مواقف الريب، ولا يقض أحدكم مع أمّه في الطريق؛ فإنّه ليس كلّ أحدٍ يعرفها"2.
وما ذلك إلّا لدفع التهمة والقيل والقال، فيرحم نفسه ويرحم غيره، بعدم استغابته والإساءة إليه وفضحه.
وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفنّ مواقف التهمة"3.

3 - سوء الظنّ
إنّ هذا التواجد سيؤدّي إلى إساءة الظنّ به، ولو من الناحية القلبيّة فقط، من دون أن يبرز إلى الخارج بالكلام، ولا سيّما الغيبة وغيرها.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومنّ من أساء الظنّ به"4.
لقد أشرنا فيما سبق وفيما سيأتي، إلى أنّ الإنسان المؤمن العاقل، لا بدّ له أن يصبغ كلّ أفعاله وأعماله بالصبغة الإلهيّة، أي أن تكون كلّ أحواله الظاهريّة والباطنيّة، موافقة للشرع المقدّس، وما أمر به الله عزَص وجلَّ ورسوله وأولي الأمر سلام الله عليهم.
وبعبارة أخرى أن تكون أفعاله نابعة من التقوى، التي تحمي الإنسان وتحصّنه من الوقوع في الشبهات، لأنّه إذا نظر من منظار التقوى، فسوف يقيس كلّ فعلٍ أو عملٍ ينوي القيام به بميزان رضا الله وغضبه، ومن ثمّ يُقدم أو لا يُقدم عليه.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إنّ من صرّحت له العبر عمّا بين يديه من المَثُلات حجزته التقوى عن تقحّم الشبهات"5، والشرط الأساس لحصول مثل هذه التقوى، هو التفقّه في الدين، وتعلّم أحكام الحلال والحرام، وسلوك طريق الإحتياط، فإنّ به النجاة.

مواضع التهمة
نشير ها هنا إلى بعض مواضع التهمة التي ينبغي الحذر منها أو الدخول فيها، وهي
1- الأماكن المحرّمة
وهي من أوضح مصاديق التهمة للأخ المؤمن إذا تواجد فيها، كنوادي السهر وأماكن الدعارة والمسابح المختلطة، التي لا يُتورّع فيها عن ارتكاب الحرام...
2- الأماكن المختلطة
كالأعراس التي لا يُراعى فيها حرمة الاستماع إلى الغناء، والموسيقى، والنظر المحرّم.
3- التواجد في الطرقات
وهي من العادات القبيحة عند بعض الأفراد، وقد تُلازم النظر المحرّم إلى الفتيات، وتُسبّب الحرج لبعض الأخوات بالمرور من ذلك الطريق.
وقد نهانا أهل البيت عليهم السلام عن الجلوس في الطرقات، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قُبيل وفاته أنّه قال عليه السلام: "إيّاك والجلوس في الطرقات"6.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لأصحابه: "إيّاكم والجلوس في الطرقات، فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بدٌّ؛ نتحدّث فيها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أبيتم إلّا المجلس فاعطوا الطريق حقّها.
قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..."7.

4- زيارة الأشخاص المشبوهين
الذين تدور حولهم بعض علامات الاستفهام، لا سيّما مع انفلات الوضع الأمنيّ ووجود شبكات العملاء والمخبرين.
5- فضول الكلام والتطفّل
ورد في وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر قوله: "يا أبا ذر أترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك"8.
6- صحبة الأشرار والفسّاق
ولا سيّما شارب الخمر ومتعاطي المخدّرات.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "صُحبة الأشرار تكسب الشرّ، كالريح إذا مرّت بالنتن حملت نتناً"9.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لا تصحب الفاجر فإنه يعلّمك من فجوره"10.

الخـَلوة بالأجنبية
من أوضح المصاديق البارزة لمواضع التهمة وجلب إساءة الظن بالأخ المؤمن، وما يؤدّي به للوقوع بالحرام أمران
أ- الخلوة بالأجنبيّة
أي الجلوس مع إمرأة محرّمة عليه في مكان مشبوه، وقد ورد النهي المؤكّد عن ذلك في أقوال الأئمّة عليهم السلام والعلماء، لما في ذلك من المفاسد ولا أقلّها النظر المحرّم وفوران الشهوة والتلذّذ.
ففي دعائم الإسلام: "عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه نهى عن محادثة النساء يعني
غير ذوات الأرحام وقال: "لا يخلونّ رجل بإمرأة، فما من رجلٍ خلا بإمرأة إلّا كان الشيطان ثالثهما".
وعن جعفر بن محمد عليه السلام قال: "حديث النساء من مصائد الشيطان".

ب ـ العقد على المشهورة بالزنا
وهذه من المصائب التي قد يبتلي بها البعض، ولها مفاسد أخلاقيّة وصحيّة واجتماعيّة.

إذ أنّ بعض الشباب يسعى وراء شهوته فيفتّش عن هذه وتلك، ويسأل عن هذه وتلك، فيقع في النظر المحرّم والسؤال المحرّم المُستتبع للأذى. وقد تصل به الحال إلى إرضاء شهوته مع أوسخ النساء وأحقرهنّ وأرذلهنّ، وهي المشهورة بالزنا. وقد يؤدّي به إلى الوقوع في الزنا المحرَّم والعياذ بالله، وهذا ما يُسيء للمذهب وللخطّ والنهج. سيّما إذا كان هذا الإنسان المؤمن يشكّل رمزاً أو شعاراً للخطّ أو للمذهب، أو يحمل مسؤوليّة، وبذلك يُسيء إلى أهل البيت عليهم السلام ويجلب لهم الشنعة والعياذ بالله.

المفاهيم الأساس
1- إنّ من صفات المؤمن عدم وضع نفسه في مواضع الشبهة والتهمة وما شابه.
2- لقد نبّه الإسلام العزيز إلى تجنّب مواضع الشبهة والتهمة، وذلك لعدّة أسباب:
أ- إنّ مثل هذه المواضع قد تدفع بالإنسان للوقوع في الحرمة والمنكر.
ب- تكوّن إنطباع سيء عند الناس حول تواجد الإنسان في هكذا مواضع، فضلاً عن إساءة الظن به.
3- من مصاديق مواضع التهمة والشبهة، أماكن ارتكاب المحرّمات والمنكر وعدم مراعاة الضوابط الشرعيّة، فضلاً عن التواجد في الطرقات وصحبة الأشرار.

للمطالعة
الزهد في الدنيا
من خطبة لأمير المؤمنين يعظ فيها ويزهّد في الدنيا، قال عليه السلام: "نحمده على ما أخذ وأعطى وعلى ما أبلى وابتلى. الباطن لكلّ خفية، والحاضرُ لكل سريرةٍ، العالِمُ بما تُكِنُّ الصدور وما تخون العيون ونشهد أن لا إله غيره وأنّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم نجيبه وبُعيثُه. شهادةً يوافق فيها السرّ الإعلانَ والقلبُ اللسانَ...
فإنّه واللهِ الجِدُّ لا اللعب والحقّ لا الكذب، وما هو إلّا الموت أسمع داعيه وأعجل حاويه، فلا يغرنّك سواد الناس من نفسك، وقد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال، وحذر الإقلال، وأمِن العواقب، طول أمل واستبعاد أجل، كيف نزل به الموت فأزعجه عن وطنه وأخذه من مأمنه محمولاً على أعواد المنايا يتعاطى به الرجالُ الرجالَ، حملاً على المناكب وإمساكاً بالأنامل، أما رأيتم الذين يأملون بعيداً ويبنون مشيداً ويجمعون كثيراً كيف أصبحت بيوتهم قبوراً وما جمعوا بُوراً وصارت أموالهم للوارثين، وأزواجهم لقومٍ آخرين، لا في حسنة فيزيدون، ولا من سيّئة يستعتبون. فمن أشعر التقوى قلبه برَّز مهله (أي التعدّم في الخير) وفاز عمله فاهتبلوا هبلها (أي اغنموا خير التقوى) واعملوا للجنّة عملها، فإنّ الدنيا لم تُخلق لكم دار مقام بل خلقت لكم مجازاً لتزوّدوا منها الأعمال إلى دار القرار، فكونوا منها على أوفازٍ وقرّبوا الظهور لِلزِّيَالِ".
نهج البلاغة، الخطبة 132، ص189

هوامش
1- وسائل الشيعة، ج12، ص37.
2- وسائل الشيعة، ج12، ص37.
3- مستدرك الوسائل، ج8، ص340.
4- وسائل الشيعة، ج12، ص37.
5- نهج البلاغة، ج1، ص47.
6- بحار الأنوار، ج72، ص465.
7- نيل الأوطار، ج6، ص59.
8- وسائل الشيعة، ج12، ص188.
9- غرر الحكم، ص431.
10- بحار الأنوار، ج71، ص191.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page