• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام محمّد بن الحسن (عليهما السلام) (المهدىّ)

إنّ الإمام المهدىّ ورث علوم آبائه وأجداده كما ورث كتاب علىّ وغيره من الكتب التي كانت عندهم، وقد صرّح أئمّة أهل البيت بأنّ ما في كتاب علىّ أو مصحف فاطمة أو غيرهما من مدوّنات عصر الرسالة يكون عند محمّد المهدىّ، وأنّه عند حكمه لا يحكم بالقران وبما في تلك الصحف.
فعن حمران بن أعين، عن أبي جعفر، قال: أشار إلى بيت كبير، وقال: يا حمران! إنّ في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعاً بخطّ علىّ وإملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولو ولّينا الناس لحكمنا بينهم بما أنزل الله، لم نَعْدُ ما في هذه الصحيفة(1).
وقد صرّح الأئمّة ببقاء كتاب علىّ وصحيفة علىّ عندهم وأنّها لا تبلى، بل يتوارثونها واحداً بعد واحد.
إذ مرَّ عليك خبر أبي بصير، قال: أخرج إلىّ أبو جعفر صحيفة فيها الحلال والحرام والفرائض، قلت: ما هذه؟ قال: هذه إملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) وخطّ علىّ بيده، قال: فقلت فما تبلى؟ قال: فما يبليها؟! قلت: وما تدرس؟ قال: وما يدرسها؟!(2)
وعن الحسن بن وجناء النصيبىّ، قال في حديث طويل في رؤيته الحجّة، محمّد بن الحسن في سامرّاء: ثمّ دفعَ إلىَّ دفتراً فيه دعاء الفرج وصلاة عليه، فقال: بهذا فادعُ، وهكذا صلِّ عَلَيَّ، ولا تعطه إلاّ محقّي أوليائي..(3).
وفي حديث آخر أنّ الإمام طلب من أحد أصحابه وأصحاب أبيه أن يريه خاتماً كان قد أعطاهُ الإمام العسكرىّ إياه، قال: فأخرجته إليه، فلمّا نظر إليه استعبر وقبّله، ثمّ قرأ كتابته، فكانت (يا الله يا محمّد يا علىّ)، ثمّ قال: بأبي يداً طالما جُلْتَ فيها(4).
على أنّ الإمام المهدىّ بسبب بقائه مستتراً لمدّة تقارب 70 عاماً لم يستطع نشر الأحكام والتدوين بشكل علنىّ إلاّ أنّه كان يكاتب أصحابه ويكاتبونه ويسألونه عن أُمهات المسائل فيخرج الجواب بتوقيعه لكي لا يختلط أو يزوّر بكتاب غيره، ولذلك سمّيت هذه الأجوبة بالتوقيعات، وقد جمعها عدّة من الأعلام قديماً وحديثاً، فقد جمعها من القدماء أبو العبّاس الحميرىّ المتوفّى سنّة 299 هـ وهو من أصحاب الإمام المهدىّ، كما صدر أخيراً كتاب جمع غالب مدوّنات الإمام المهدىّ التي وصلتنا من خلال توقيعاته ومكاتباته، جمعها الشيخ محمّد الغروىّ، وطبعت باسم (المختار من كلمات الإمام المهدىّ).
وبهذا عرفت أنّ التواصل التدوينىّ عند أئمّة أهل البيت ابتدأ بكتابة علىّ بن أبي طالب وتدوينه، واستمرّ جيلاً بعد جيل حتّى الإمام محمّد المهدىّ، ومن ثمّ جمع المدوّنات أصحاب الأئمّة وعلماؤهم.
وقد عرفت إصرارهم وتأكيدهم ـ خصوصاً بعد إمامة الإمام الكاظم ـ على مسألة التوثيق للمدوّنات، وإن كانت عمليّة التوثيق عمليّة أصيلة قديمة، طالما أكد عليها الأئمّة ومارسوها، ووثّقوا ما عرضه أصحابهم عليهم، لكنّ الثقل الأكبر للتوثيق والذي كان ملحوظاً بنسبة عالية، كان في عصر الإمام الرضا ومَن بعده من الأئمّة.
وقبل ختام هذا المقطع من البحث يجدر بنا أن ننبّه على سبب مهمّ في تأخّر المدوّنات والتدوين عند أتباع مدرسة الاجتهاد والرأي، ذلك السبب هو: أنّ بعض المحيطين بالنبّي(صلى الله عليه وآله) كانوا يتعاملون معه! كتعاملهم مع سائر البشر بلا فارق بتاتاً، ولذلك كانوا ينادونه من وراء الحجرات، وكانوا يثقلون عليه بإطالة الجلوس عنده، وكانوا يعتقدون أنّه يخطئ ويصيب وقد يتكلّم في الغضب ما لا يتكلّمه في حالة الرضا ووو...
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: كنت أكتب كلّ شي أسمعه من رسول الله! أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كلّ شي تسمعه من رسول الله، ورسول الله بشر يتكلّم في الرضا والغضب؟!
قال: فأمسكتُ، فذكرت ذلك لرسول الله! فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حقّ. وأشار بيده إلى فمه(5).
فإنّ ما نصّت عليه هذه الرواية هو أنّ (قريش) كانت هي الناهية عن التدوين، بحجّة أنّ النبىّ قد يقول غير الصواب عند الغضب والعياذ بالله.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: قلت يا رسول الله! أكتب كلّ ما أسمع منك؟
قال: نعم.
قلت: في الرضا والغضب؟ قال: نعم، فإنّي لا أقول في ذلك كلّه إلاّ الحقّ(6).
ونفس هذه الفكرة كانت رائجة وشائعة وظلّت سارية المفعول حتّى في عصر الأئمّة، فكان البعض يتصوّر أنّ الإمام قد ينقل أو يقول في الغضب ما يخالف ما ينقله في حالة الرضا، وكأنّهم كانوا يظنّون أنّ الأئمّة كسائر الفقهاء وأصحاب الفتيا والاجتهاد الذين تتبدّل آراؤهم وفق الظروف واختلاف اطّلاعهم على الأدلّة.
لكنّ أئمّة أهل البيت كانوا يجيبون ويقولون كما أجاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وذلك ما لم يجرؤ أحد من أئمّة المسلمين ادّعاؤه، دون أئمّة أهل البيت الذين كانوا على ثقة عالية جدّاً ـ واصلة إلى مرحلة اليقين ـ بصحّة مرويّاتهم وأحكامهم، فكانوا يأمرون أصحابهم بالتدوين لأنّهم لا يقولون إلاّ الحقّ.
فعن حمزة بن عبد المطلّب، عن عبد الله الجعفىّ، قال دخلت على الرضا(عليه السلام) ومعه صحيفة أو قرطاس فيه عن جعفر (أنّ الدنيا مثّلت لصاحب هذا الأمر في مثل فلقة الجوزة) فقال: يا حمزة! ذا والله حقّ فانقلوه إلى أديم(7).
ويعضد هذا الذي قلناه ورود الروايات المتضافرة عن أئمّة أهل البيت، ومفادها جميعاً أنّهم لا يقولون إلاّ الحقّ، ولا يفتون برأي ولا اجتهاد.
فعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبّيه فبيَّنَها لنا(8).
وعن داود بن أبي يزيد الأحول، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، ولكنّها آثار من رسول الله!، أصلُ علم نتوارثه كابراً عن كابر، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضّتهم(9).
وعن قتيبة قال: سأل رجلٌ أبا عبد الله عن مسألة، فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيتَ إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟
فقال(عليه السلام): مَهْ! ما أجبتُكَ فيه من شي فهو عن رسول الله! لسنا من (أرأيت) في شي(10).
وهذا التواصل في التدوين والثقة المطلقة بأنّ المنقولات هي عين ما قاله رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لا نجدُه عند أىّ مدرسة إسلاميّة غير مدرسة أهل البيت التي هي أساس التدوين وأساس بناء مدرسة التعبّد المحض. وبعد هذا للمنصف أن يختار ما شاء من مرويّات بعد اتّضاح الحال.
وبعد هذا يحقّ لي أن أنقل كلام الدكتور مصطفى الأعظمىّ عن الشيعة، بقوله: (... أمّا الشيعة والموجود منهم حاليّاً في العالم الإسلامىّ أكثرهم من الإثني عشريّة، وهم يذهبون إلى الأخذ بالسنّة النبويّة، لكنَّ الاختلاف بيننا وبينهم في طريق إثبات السنّة لا نفسها)(11).
**************************
1- بصائر الدرجات: 163، باب 12، ح 5. وغيره الكثير ممّا في معناه.
2- بصائر الدرجات: 164، باب 12، ح 9.
3- كمال الدين: 443 ـ 444، الباب 43، ح 17.
4- كمال الدين: 445 الباب 43، ح 19، يعني بأبي فديت يدَ أبي محمد العسكري التي طالمَا جُلْتَ أيّها الخاتم فيها.
5- مسند أحمد 2: 162، ح 6510، سنن الدارمي 1: 136، ح 484، سنن أبي داود 3: 318، ح 3646، المستدرك على الصحيحين 1: 187، ح 359، والنص منه.
6- عوالي اللئالئ 1: 68، ح 120.
7- بصائر الدرجات: 428، باب في قدرة الأئمة، ح 2، الاختصاص للمفيد: 217، ومثله نقل عن حمزة بن عبد الله الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام انظر بصائر الدرجات: 428، ح 4.
8- بصائر الدرجات: 319، باب في الأئمة عندهم اُصول العلم، ح 2.
9- بصائر الدرجات: 299، ح 3.
10- الكافي 1: 58، ح 21 باب البدع والرأي والمقاييس.
11- دراسات في الحديث النبوىّ 1: 25.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page